افراسيانت - تتراكم النفايات التي يخلفها البشر في الأرض وتختلط البحار بمياه الصرف الصحي دون حساب للمخاطر البيئية التي تخلفها، كما يمتلئ الجو بالغازات السامة. وعلى الرغم من اعتقادنا بأن الفضاء المحيط بكوكب الأرض ساحر نظيف لكن يد البشر طالته، فملأته خردة وبقايا مركبات فضائية وصواريخ قد تشكل تهديدا حقيقيا، رغم أن خطرها محدود على الإنسان فوق سطح اليابسة.
انتهت فعاليات المؤتمر الأوروبي السابع حول الحطام الفضائي بمركز التحكم في البعثات بوكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) في مدينة دارمشتات الألمانية الجمعة، بمشاركة 400 مندوب من أهل الاختصاص يبحثون عن حلول لمشكلة الخردة السابحة في الفضاء، علما وأن فعالياته انطلقت الثلاثاء الماضي.
ويعد هذا التجمع هو الأكبر والأكثر أهمية في دراسة حلول تتعلق بالنفايات الفضائية، ويعقد كل أربع سنوات منذ عام 1993، وحتى الآن لم يتم الاتفاق على أي قواعد ملزمة للدول والشركات العاملة في مجال الفضاء.
ويشكل الحطام الفضائي مشكلة متنامية مع التقدم التكنولوجي، فالأقمار الاصطناعية غير المستخدمة وبقايا الصواريخ والملايين من قطع النفايات الصغيرة يمكن أن تلحق أضرارا بالمركبات الفضائية كما يمكن أن تدمرها إذا اصطدمت بها.
وقد تسببت الأنشطة الفضائية على مدى ستة عقود في انتشار ملايين الأجسام في السماء، إذ يصل حجم بعضها إلى حجم قطرات الطلاء فيما يصل الآخر إلى حجم منصات الصواريخ القديمة.
ونتجت هذه النفايات في المقام الأول عن أكثر من 250 عملية تحطم أو انفجار، وتنتشر حوالي 18 ألفا من القطع أو الشظايا الكبيرة بما يكفي ليتم البحث عن حلول مجدية لكنسها من الفضاء الذي أصبح ملوثا هو الآخر كما اليابسة والبحار الملوثة بفعل البشر.
وسوف تزداد خطورة هذه المشكلة في المستقبل، حيث أنه من المتوقع أن يزداد عدد الصواريخ والأقمار الاصطناعية التي يجري إطلاقها في الفضاء في المستقبل المنظور، لأن هناك شركات خاصة تنضم إلى وكالات الفضاء التقليدية التي تديرها الدول.
قوة قطعة صغيرة تساوي عند اصطدامها بجسم ما تأثير كرة بولينغ تتحرك بسرعة 483 كيلومترا في الساعة.
وبدأت مجموعة من الشركات من بينها “وان ويب” و”بوينغ” و”سبيس إكس” و”سامسونغ” تطوير مشاريع لإطلاق الآلاف من الأقمار الاصطناعية كي توفر خدمات الإنترنت وغيرها من خدمات الاتصالات في أنحاء الكرة الأرضية.
ومن المتوقع أن تبدأ هذه الشركات نشر مجموعاتها من الأقمار الاصطناعية بدءا من العام القادم على ارتفاع أكثر بقليل من ألف كيلومتر.
ويشعر رئيس المؤتمر هولغر كراغ من وكالة الفضاء الأوروبية بالقلق إزاء مشروعات خططت لها شركات مثل سامسونغ وغوغل، وبعضها يتطلب عددا كبيرا من الأقمار الاصطناعية.
وقال “نحن نتحدث عن عدة آلاف (من الأقمار الاصطناعية) في كل مهمة”، مشيرا إلى أنه على مدار تاريخ السفر إلى الفضاء “تم إطلاق حوالي 7 آلاف قمر اصطناعي”.
وتشير “متلازمة كيسلر”، (أو تأثير كيسلر) التي وضعها دونالد كيسلر عالم وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في عام 1978، إلى سلسلة من ردود الفعل التي لا يمكن التنبؤ بها من التصادمات الناجمة عن الكثافة العالية للأجسام في مدار أرضي منخفض.
ويمكن أن تولد مثل هذه التصادمات شظايا لا حصر لها عالية السرعة، ويمكن بدورها أن تتسبب في حالة من الشلل للعمل في الفضاء المحيط بكوكب الأرض.
وقال ماثيو كوليس مدير كلية أبحاث علم الفلك والفيزياء الفلكية بالجامعة الأسترالية “ربما سيحدث شلال كارثي من التصادمات مما قد يؤدي إلى هبوط جميع الأقمار الاصطناعية إلى مدار منخفض بعد عقدين من الزمن فقط”.
من جانبه، قال كارستن فيدمان، وهو مهندس فضاء ألماني يتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية “علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع حدوث متلازمة كيسلر”.
وقال هولغر كراغ الذي يرأس مكتب الحطام الفضائي في وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) “سنواجه تصادمات بشكل متزايد في المستقبل."
وأوضح كراغ أن “الارتفاع المحرج يقع بين 800 كيلومتر وألف كيلومتر من سطح الأرض، وهناك ازدحام شديد للغاية بالفعل”.
ومع سرعة لتصادمات محتملة تصل إلى 40 ألف كيلومتر في الساعة، فإن هذه القطع قادرة على إنتاج نفس النوع من القوة الذي تحدثه قنبلة يدوية.
وقال مانويل ميتس من مركز الفضاء الألماني “لم يكن هناك أحد يتوقع هذه الطفرة من الأسفار الفضائية قبل أربع سنوات فقط”، مشيرا إلى خطط لإرسال بعثات تجارية اعتبارا من العام المقبل، “إنهم على عتبة ذلك، السفر غير المكلف للفضاء أمر ممكن”.
وأكدت دراسة جديدة أجرتها جامعة ساوثهامبتون البريطانية، أنه رغم الالتزام بـ”القواعد” الحالية فإن عدد الاصطدامات الفادحة في الفضاء خلال هذه الفترة قد يزيد بنحو 50 في المئة إذا استمر تطبيق الممارسات القديمة.
النفايات الفضائية هي أجزاء من مركبات فضائية وأقمار اصطناعية أطلقها الإنسان إلى الفضاء في مدة تصل إلى أكثر من 50 سنة، وتتكون من حطام صغير كقطع دقيقة من طلاء المركبات الفضائية، أو كبيرة جدا كالأقمار الاصطناعية التي لم تعد تعمل.
كومة الحطام المتناثر في الفضاء تضم أيضا أطنانا من الوقود المشع الذي تسرب من مولدات وضعت في الفضاء في وقت سابق قبل أن تمنع تلك العملية سنة 1988.
وتتحرك معظم هذه المخلفات بسرعة كبيرة حيث أن بإمكانها أن تصل إلى سرعة تتراوح بين4.7 إلى 5 ميل في الثانية أي ما يعادل 8 كلم/ث، وبعملية حساب رياضية بسيطة فإنها ستصل إلى حوالي 180 ألف ميل في الساعة (أي حوالي 289 681 كلم/س)، وهذا ما يعادل سرعة الرصاصة 7 مرات تقريبا.
وبما أن هذه الأشياء تتمتع بسرعة هائلة، فإنه بإمكان قطعة صغيرة أن تحدث الكثير من الأضرار. وقد تساوي قوة قطعة ذات حجم كرة زجاجية صغيرة عند اصطدامها بجسم ما تأثير كرة بولينغ تتحرك بسرعة 300 ميل في الساعة (حوالي 483 كلم/س).
وما سيؤرق الباحثين أكثر في مجال نفايات الفضاء هي تلك التي تتعلق بالأجزاء الكبيرة من الحطام المنتشر في الفضاء.
ففي سنة 2003، حذر الجيش وكالة الفضاء الأميركية من اقتراب قطعة من الحطام من محطتها الفضائية.
وبالرغم من أن المحطة محاطة بذراع تحميها من المواد الصغيرة العائمة في الفضاء، إلا أنها هذه المرة اضطرت إلى تغيير مسارها بأن ارتفعت قليلا في المدار وذلك لتجنب احتمال الاصطدام مع قطعة الحطام.
جدير بالذكر أن أغلب هذه المخلفات سقطت على الأرض بالفعل، وتسقط بعض الأجسام يوميا لمرة واحدة تقريبا، وبما أن أغلب مساحة الأرض مكونة من الماء فإن الخردة تسقط هناك عادة، بينما يحترق البعض الآخر أثناء دخوله إلى الغلاف الجوي مباشرة، إلا أن الكثير منها مازال يدور حول الأرض.
حملة تنظيف الفضاء
أمام ما تشكله النفايات الفضائية من حرج للمجتمع الدولي وخاصة الدول العاملة في المجال الفضائي كالولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي، يحاول خبراء الملاحة الفضائية البحث عن الحلول لهذه المشكلة، مؤكدين على أن الخطر الأكبر للرّكام والشظايا المتناثرة في الفضاء ليس على الإنسان، باعتبار أنها سترتطم بالغلاف الجوي وتحترق قبل وصولها إلى الأرض، وإنما خطرها يهدد بعثات الفضاء والأقمار الاصطناعية.
ويلاحق العلماء أثر الحطام المداري وذلك بطرق متعددة كاستخدام الليزر والحبال المتبادلة الحركية النشطة والقاطرات وأجهزة تعزيز السحب، وغيرها من الأساليب التقنية.
وحثت الدراسة التي أجرتها جامعة ساوثهامبتون البريطانية الشركات المعنية على التخلص من الأقمار الاصطناعية القديمة في غضون خمس سنوات، بدل خمس وعشرين سنة، وهي المدة القانونية لإخراج المعدات الزائدة عن الحاجة من الفضاء.
سماء مزدحمة
أوضحت الدراسة البريطانية أن الالتزام بالحد الأدنى المطلوب من الإرشادات الدولية الحالية لـ”الفضاء النظيف” يمكن أن يعرض البيئة لخطر كبير، ولا سيما أن القلق يتزايد لدى العلماء بشأن كثرة النفايات الفضائية التي باتت تشكل تهديدا لبعثات الفضاء الحالية والمستقبلية، وخاصة أن السماء في طريقها لتصبح أكثر ازدحاما بالخردة.
من بين هذه الاقتراحات ما أطلق عليه العلماء اسم “المدار المقبرة”، ويقصد به المدار الذي يتم تخصيصه للأقمار الاصطناعية بعد انتهاء خدمتها، ويكون بعيدا عن المدارات المفيدة.
مقترحات لحلول عديدة تظل غير مجدية
وتم اقتراح عدد من الأفكار الأخرى التي تعنى بوضع معايير خاصة بصناعة الصواريخ، وخصوصا المرحلة الأخيرة التي تحمل القمر الاصطناعي، وذلك بغرض منع انفجاره بعد إيصال القمر الاصطناعي إلى مداره، وبقائه في مدار معين حول الأرض بهدف تقليل كمية الحطام.
ودعت وكالة الفضاء الأوروبية “إيسا” إلى المزيد من التعاون في مواجهة الخطر الذي تمثله بقايا الأجهزة في الفضاء.
وقال يان فورنر، رئيس الوكالة لدى انطلاق المؤتمر الدولي في هذا الشأن، إنه لا يمكن لأي دولة أن تظل بمنأى عن هذه القضية أو تتعامل بمفردها مع مخاطر الخردة الفضائية مضيفا “نعلم جميعا أن موضوع الخردة الفضائية خطير”.
واقترحت وكالة الفضاء الأوروبية طريقة صيد الحطام للتخلص من نفايات الفضاء، كما عملت الوكالة الأوروبية على تطوير عدد من الطرق لالتقاط النفايات، ثم اختصرتها لاحقا في طريقتين، الشباك أو الذراع الآلية، أي سحب الحطام من مداره إلى ارتفاع منخفض في الغلاف الجوي للأرض، ما يؤدي إلى احتراقه، ومن المتوقع أن يبدأ هذا المشروع في العام 2023.
وهناك طريقة “كلين سبيس” التي تهدف إلى التخلص من الحطام الفضائي الواحد تلو الآخر.
ويهدف “كلين سبيس وان” إلى دفع القمر الاصطناعي السويسري “سويس كيوب نانوسات” إلى داخل الخلاف الجوي ليحترق، ومن المتوقع أن ينطلق هذا البرنامج في 2018.
وأطلقت وكالة الفضاء اليابانية شريطا كهرو ديناميكيا يدعى “إي دي تي” تعتمد فكرته على التقاط الحطام الفضائي -بمساعدة ثقل موازن يبلغ وزنه 20 كغ- وإبطاء حركته وتوجيهه إلى الغلاف الجوي، فيحترق بأمان فور دخوله.
ولم تنشر الطرق المقترحة الأخرى أي تطوير جديد خلال السنوات الماضية.
واقترح بعض العلماء إرسال شبكة واسعة بعرض ثلاثة كيلومترات إلى الفضاء، لإخراج النفايات الفضائية من المدار حول الأرض.
واقترح العلماء أيضا إرسال بالونات إلى الفضاء من أجل ضرب النفايات بعاصفة من الرياح عند انفجار البالونات، ودفع النفايات باتجاه الغلاف الجوي.
وقال كراغ إن السيطرة على الأقمار الاصطناعية هي مفتاح التخلص منها، مشيرا إلى أن سحب قمر اصطناعي مفقود يشكل “تحديا كبيرا”.
ورغم كل هذا إلا أن كراغ يبعث برسالة طمأنة لسكان الأرض، موضحا أن فرصة التعرض لضربة من قطعة من الحطام الفضائي تكاد تكون منعدمة، حتى وإن كانت ممكنة من الناحية النظرية، فإن “الاحتمال ضئيل للغاية”.