افراسيانت - أفنية مزدانة بالزهور والنوافير، مآذن تعلو المساجد، نوافذ محتشمة بشِبَاك خشبية مخرّمة. بيوت تحتمي بأسقف من القرميد، وروائح شهية تتسلل من مطاعم المطبخ التتري. إنها مدينة باختشيساراي؛ ركنُ من الشرق الساحر يقع على بعد 30 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة سيمفيروبول،عاصمة القرم.
مدينة باختشيساراي المعاصرة بعيدة كل البعد عن صورة العاصمة المهيبة لخانية القرم، التي كانت في يوم من الأيام واحدة من أقوى دول العالم في الفترة مابين القرنين الخامس عشر والثامن عشر. لكنها في جميع الأحوال مدينة جديرة بالتعرف عليها عن قرب. فما الذي يجب على السائح فعله في مدينة تبدو كأنها من حكايات ألف ليلة وليلة؟
1 ـ شراء باقة من زهور الخزامى، التي تجمعها النساء المسنات من مروج القرم لبيعها عند جدران قلعة "تشوفوتكالي". وبالمناسبة، فإن اسم المدينة "باختشيساراي" في ترجمته من لغة تتار القرم يعني "حديقة القصر".
2 ـ التواعد على لقاء في قصر باختشيساراي حيث تستلهمون منه ابداعات جديدة، مثل العديد من الشعراء العظام والكتاب والموسيقيين والملوك.
هذا القصر الذي أثار إعجاب الإمبراطورة يكاترينا الثانية وكل من زاره من الأباطرة الروس الذين أتوا بعدها، وكذلك إمبراطور النمسا جوزيف الثاني.
3 ـ الجلوس على أحد المقاعد قرب جدران القصر لتذوق بعض الحلويات الشرقية المحلية، كالبقلاوة أو راحة اللُقُم أو الخفوروست (رقائق من العجين مقلية ومشبعة بالقطر). جدير بالذكر أن قصر باختشيساراي يعدّ المعلم الأثري الوحيد في العالم لفن عمارة القصور عند تتار القرم.
4 ـ التمتع بمناظر الشرفات الخشبية المخرمة لمنازل المدينة القديمة الواقعة مقابل مدخل قلعة "تشوفوتكالي".
وقد بنيت هذه الشرفات في العصور الوسطى، لتحجب أنظار المارة عن نساء البيت اللواتي كن يتمتعن بمراقبة تفاصيل حياة المدينة وتنفس الهواء العليل من خلال الأباجور المخرم.
5 ـ التعرف على العادات الاسلامية القديمة لتتار القرم من خلال الرحلات السياحية المنظمة إلى قصر باختشساراي. وسيحدثكم الدليل السياحي باللغة الإنكليزية عن تعدد الزوجات الذي كان سائداَ زمن خانية القرم.
وكيف كانت زوجات الخان يمضين حياتهن كلها في جناح الحريم، وكيف كان الصعود إلى"برج الصقور" المظلم في الحديقة الفارسية التسلية الوحيدة لهن. فيما عدا ذلك، كن يمضين معظم الوقت في قراءة القرآن والتطريز أو الثرثرة حول فنجان من القهوة.
6 ـ انتقلوا بمخيلتكم قرنين إلى الوراء، وامضوا في الدروب نفسها التي سار عليها شاعر الروس المحبب ألكسندر بوشكين، الذي كان يستمد الإلهام من نزهاته في محيط قصر الخان في باختشيساراي، أثناء منفاه الجنوبي في عام 1820. هنا كتب بوشكين قصيدته الملحمية الحزينة والجميلة "نافورة باختشيساراي".
وقد وصف المعاصرون كيف كان بوشكين يقف أمام "نافورة الدموع" (نافورة سلسبيل بالقرب من ضريح ديلارا، زوجة الخان المحببة التي فارقت الحياة مبكراً) ثم يخرج إلى الحديقة ويجلس فيها بعض الوقت ومن ثم يقطف وردتين ويضعهما إلى جوار النافورة. وبذلك أرسى الشاعر تقليداً لا يزال حياً حتى يومنا هذا (ولكن من الأفضل ان تجلبوا الورود معكم، لأن قطفها من الحديقة ممنوع).
7 ـ التنزه في حديقة الزهور حتى "الثمالة"، لتتهاوى بعدها على أحد المقاعد وتقرأ قصيدة "ينبوع باختشيساراي".
بالمناسبة، كتب بوشكين في رسالة لأخيه ليف، إنه كان من الأفضل لو أن القصيدة لم تنشر، لأن "كثيراً من الأمكنة كانت مرتبطة بامرأة بعينها، كنت متيماً بحبها طويلاً". هوية هذه السيدة لاتزال حتى الآن لغزاً من الألغاز التي حيرت المختصين بدراسة بوشكين طيلة فترة طويلة من الزمن.
8 ـ هل صحيح ما يقال إن قصر باختشيساراي هو عبارة عن مدينة داخل مدينة؟ للتأكد من ذلك، عليكم أن تلقوا نظرةً على كل غرفة ومسجد أوحمام أوضريح فيه.
وسترون بأم أعينكم أن كل ركن فيه مزين ومزخرف بعناية ومهارة فائقتين. فالفكرة الأساسية التي شيد على أساسها قصر الخان، هو محاولة تجسيد التصورات الدينية الإسلامية عن منازل الجنة. وكان كل حاكم يضيف إلى القصر شيئا خاصاً به، علاوة عمن سبقه من الحكام، فيزداد روعة وفرادة.
9 ـ زيارة موقع"إسكي يورت" الأثري والمساجد القديمة كجامع "أورطا" وجامع"تاختالي"، وكذلك المؤسسة التعليمية الاسلامية الوحيدة المتبقية في شبه جزيرة القرم "مدرسة زيندجيرلي".
في حقبة "زولوتايا أوردا" (القبيلة الذهبية) ما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، كانت هذه الأماكن جزءاً من مركز تجارة القوافل. حيث كنت تجد كل ما يخطر على البال؛ من الحرير والتوابل إلى الأسلحة والأحجار الكريمة. أما اليوم، فيمكنك فقط شراء سيوف تذكارية وتحف سياحية. ولكن المكان ما يزال كما في السابق، يعبق بحدة بروائح التوابل الشرقية.
10 ـالصعود إلى أعلى طرف من المدينة والتنزه في دير"القديس أوسبينسكيي" الكهفي، ورؤية خلوات الرهبان المحفورة داخل الصخور.
ومع أن هذه الأديرة الكهفية شبيهة بمثيلاتها في العالم، كدير"كابادوكيا" في تركيا، وحصن "روز" في جورجيا أو دير "غورنينسكي" في القدس، إلا أنها تتميز عنها بشكل ملحوظ.