افراسيانت - وراء الإنجازات التي تحققها طائرة سولار إمبلس، أول طائرة تطير من دون أيّ وقود باستخدام الطاقة المخزّنة في البطاريات فقط وتتمكن من عبور المحيطات لمدة 5 أيام بلياليها، هناك دائما هدف واحد وهو إظهار ما إذا كان بإمكان الطائرة أن تحلق لعدة أيام وليال بشكل مستمر دون اللجوء إلى استخدام الوقود، ثم ما إذا كان بإمكان التكنولوجيات النظيفة في الواقع الحد من استهلاك الطاقة لدينا، وتحصيل الأرباح وخلق فرص للعمل.
فقد حطت الطائرة “سولار إمبلس 2″ العاملة بالطاقة الشمسية حصرا الثلاثاء في أبوظبي متممة جولة غير مسبوقة حول العالم شكلت تحديا تكنولوجيا وبشريا على حد سواء؛ وفي خطوة قال عنها الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، إنها “بداية إنجاز لن يتوقف أبدا”.
وكتب ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في تغريدة على حسابه على تويتر، “نأمل أن تكون الرحلة قد نقلت رسالة أبوظبي إلى العالم، بضرورة الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، والتشجيع على الابتكار فيها”.
وهبطت الطائرة التي قادها السويسري برتران بيكار من دون أيّ مشاكل عند الساعة 04:05 (الساعة 00:05 ت غ) في مطار البطين قرب العاصمة الإماراتية، المكان الذي بدأت منه رحلتها في التاسع من مارس 2015 في جولة قطعت خلالها أكثر من 42 ألف كيلومتر عبر أربع قارات من دون الاستعانة بأيّ قطرة وقود.
وبعيد الهبوط، عقد في خيمة ضخمة بالمطار باتت فيها الطائرة، مؤتمر صحافي شارك فيه ألبير الثاني أمير موناكو، التي تستضيف مقر التحكم بالطائرة، ونائبة الرئيس السويسري دوريس لوثارد، ورئيس مجلس إدارة مبادرة مصدر الإماراتية للطاقة النظيفة سلطان الجابر، إضافة إلى الطيارين اللذين استقبلا بالهتاف والتصفيق.
وكانت الطائرة أقلعت من القاهرة الأحد قاطعة مسافة 2763 كيلومترا في أكثر من 48 ساعة خلال المرحلة السابعة عشرة والأخيرة من جولتها حول العالم الهادفة إلى الترويج لمصادر الطاقة المتجددة، التي أضحت الإمارات من أكثر الدول المتبنية لمشاريعها، وقد ترجمت هذا الاهتمام عند بناء مدينة مصدر.
سولار إمبلس أول طائرة تطير باستخدام الطاقة المخزنة في البطاريات وتتمكن من عبور المحيطات لمدة 5 أيام بلياليها
وتعد مدينة مصدر، التابعة لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل، أول مدينة خضراء في العالم، تخلو تماما من غاز الكربون والنفايات وتستخدم الطاقة البديلة فقط، لذلك وصفت بأنها المدينة الأنظف في العالم. ويشجع المشروع، الذي انطلق العمل به منذ سنة 2006، على إقامة مدن تعتمد بشكل كامل على الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.
وقال بيكار متوجها إلى جموع احتشدت في المطار استقبلته بالتصفيق الحار “المستقبل نظيف”. وانضم إليه سريعا على مدرج المطار مواطنه أندريه بورشبيرغ، الذي تناوب معه طوال هذه المغامرة على قيادة الطائرة التي تتسع لشخص واحد. وصرح للصحافيين “إنه لأمر شيق بالفعل” أن نطير على متن طائرة “لا تصدر ضجيجا أو تلوثا”. وأضاف الطيار الذي لم يظهر عليه التعب بتاتا “قد يبدو لنا ذلك ضربا من ضروب الخيال العلمي لكنه في الواقع حقيقة اليوم”.
وقال أمير موناكو “هذه ليست نهاية المغامرة بل هي مجرد البداية”؛ وأكّد على ذلك بورشبيرغ بقوله “إن الطائرة ستستمر في إجراء رحلات تجريبية حول العالم لنشر رسالة مفادها أنه من الممكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة ليس جوا فحسب للطيران بل برا أيضا”.
دعم الطاقة النظيفة
تشير دلائل كثيرة إلى أن أبوظبي كسبت الرهان وحققت في مدة وجيزة نقلة نوعية بوأتها مكانة هامة عالميا وجعلتها من أهم مدن العالم، لا من حيث كونها عاصمة إحدى أهم الدول النفطية، بل من حيث المشاريع البيئية التي تتبناها وتسعى إلى تحقيقها؛ وهي مشاريع تؤكد النهضة التي تعيشها العاصمة الإماراتية وتعكس رؤية مستقبلية وطموحا نجحا في أن يغيرا الصورة التقليدية المعروفة على الدول النفطية. وما تبنيها لمشروع سولار إمبلس إلا تأكيد على هذا التوجه، الذي توجها من قبل لتكون مقرا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “أرينا”.
وأشار بيكار “أطلقت مشروع سولار إمبلس في العام 2003 لأمرّر رسالة مفادها أن التكنولوجيا النظيفة قادرة على تحقيق المستحيل”. وأضاف “كل أمر ممكن. فلم لا نحلم ونحاول مجددا؟”، داعيا إلى إنشاء لجنة دولية للتكنولوجيا النظيفة “تقدم المشورة للحكومات” و”تساهم في مكافحة التغير المناخي”.
وخلال مؤتمر صحافي في أبوظبي حضره مسؤولون إماراتيون وسويسريون، وأشاد ألبير أمير موناكو “بيوم تاريخي”، قائلا “هذه ليست نهاية المغامرة بل هي مجرد البداية”. وقد حقق بيكار حلمه إلا أنه استغرق أكثر مما كان متوقعا فقد احتاجت الطائرة في دورتها حول العالم إلى أكثر من سنة وأربعة أشهر فيما كان متوقعا أن تدوم الرحلة خمسة أشهر من بينها 25 يوما من الطيران الفعلي.
وكتب برتران بيكار، على الموقع المخصص لمتابعة تفاصيل رحلة سولار إمبلس إن “الشراكة الجيدة بين سويسرا والإمارات تظهر أن أبوظبي ستكون مركزا للخبرة عندما يتعلق الأمر بالطاقة المتجددة، وفي الوقت نفسه ستظهر طائرة سولار إمبلس التطبيقات البعيدة للطاقة النظيفة خلال أول رحلة تعمل بالطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم”، فيما أوضح أندريه بورشبيرغ “لقد اخترنا أبوظبي باعتبارها النقطة الأفضل والأكثر ملاءمة للانطلاق في جولة حول العالم، نظرا لمناخها والبنية التحتية والالتزام بالتكنولوجيات النظيفة”.
تحد بشري
لا يتجاوز وزن الطائرة القادرة على الطيران في الليل كما في النهار، 1.5 طن ويوازي باع جناحيها باع جناحي طائرة بوينغ 747. وهي حلقت بسرعة وسطية قدرها 80 كيلومترا في الساعة. وهي مزوّدة بسبعة عشر ألف خلية ضوئية تغطي جناحيها وأربعة محركات تغذيها بطاريات تخزّن الطاقة، وهي تهدف إلى الترويج للطاقة المتجددة وإثبات القدرة على استخدامها مستقبلا في مجال الطيران.
وبعد انطلاقها من أبوظبي العام الماضي، تنقلت “سولار إمبلس 2" بين أربع قارات، وعبرت المحيطين الهادئ والأطلسي. وقد توقفت على التوالي في مسقط (سلطنة عمان) وأحمد أباد وفاراناسي (الهند) وماندالاي (بورما) وشونكغينغ ونانكين (الصين) ثم ناغويا في اليابان وهاواي في الولايات المتحدة حيث اضطرت إلى التوقف لأشهر عدة بسبب عطل. ووصلت بعدها إلى أميركا الشمالية وتوقفت في سان فرانسيسكو وفينيكس وتالسا ودايتون وليهاي فاليي فنيويورك.
وعبرت بعدها المحيط الأطلسي من دون توقف لتحط في 23 يونيو في إشبيلية في جنوب أسبانيا من حيث انطلقت إلى القاهرة التي وصلتها في 13 يونيو 2016. وحققت الطائرة خلال رحلتها إنجازات غير مسبوقة منها رقم قياسي جديد سجله بورشبيرغ (63 عاما) لأطول رحلة طيران منفردة من دون توقف (نحو 118 ساعة بين اليابان وهاواي) قاطعا مسافة 8924 كيلومترا. وكانت “سولار إمبلس 2"وصول سولار أمبالس إلى أبو ظبي بعد رحلة دامت 16 شهرا والنجاح الذي حققته ليس نهاية المغامرة بل هي مجرد البداية".
وإلى جانب كونها إنجازا تكنولوجيا شكّلت جولة سولار إمبلس حول العالم إنجازا بشريا. فقد تناوب الطياران السويسريان على قيادة الطائرة في قمرة تبلغ مساحتها 3.8 أمتار مربعة غير مكيفة ومجهزة بقوارير أكسيجين للسماح لربانها بالتنفس. وقمرة القيادة مغطاة بمادة عازلة للوقاية من درجات الحرارة القصوى خلال الطيران التي تراوحت بين أربعين درجة مئوية تحت الصفر وفوقه.
ودفع هذا الوضع أندريه بورشبيرغ إلى القول إن “التحدي كان بشريا أكثر منه تقنيا”. وأكد بيكار “قريبا جدا سيصعد ركاب إلى طائرات كهربائية تشحن على الأرض”، معتبرا أنه ينبغي الانتظار أكثر قبل الحصول على طائرات تعمل بالطاقة الشمسية.
العرب اون لاين