افراسيانت - محمد أبو الفيلات - القدس - قبل احتلال القدس عام 1967 ظلت قرية بيت حنينا شمالي القدس أسوة بقرى مقدسية أخرى عنوانا للزراعة، لكنها اختصت تحديدا بإنتاج المشمش الذي يحل موسمه في يونيو/حزيران من كل عام.
أما مع الاحتلال فقد حرمت القدس وقراها من خيرات الأرض وحرمت بيت حنينا من "المشمش المستكاوي" الذي يقول مقدسيون إنه لا مثيل له من حيث الحجم والطعم.
كانت القرية الممتدة على مساحة 16 ألف دونم تزرع بالآلاف من أشجار المشمش في الجزأين الشمالي والغربي من أراضيها، وكان لكل عائلة من عائلاتها نصيب من محصول المشمش تبيعه للسماسرة الذين كانوا يتوافدون إلى القرية في موسمه.
جني جماعي
مع أن موسم المشمش الحنيني كان يستمر ثلاثة أسابيع في أحسن الأحوال إلا أنه كان يلعب دورا كبيرا في إعالة ثلاثة آلاف وستمئة نسمة، هم سكان البلدة قبل مجيء الاحتلال.
بعد العصر -في موسم القطاف- كان الوقت المفضل لتوجه العائلات إلى مزارعها لجني المحصول ومن ثم فرزه، فالثمار الممتازة تكون من نصيب السماسرة، أما التي دون المستوى فتجمع لصنع مربى المشمش أو تجفيف نواتها، فهي تؤكل كنوع من أنواع المكسرات تشبه بطعمها اللوز.
يقول الستيني محمد شاكر -وهو أحد سكان القرية- إن بيت حنينا كانت كالجنة، موضحا أن أراضيها الخضراء ممتدة وواسعة وكانت تزورها أنواع من الطيور المختلفة "لكن حالها لم يبق كما كان، فبعد احتلالها عام 1967 ومصادرة جزء من أراضيها إما لفتح الشوارع الواصلة بين المستوطنات أو لإقامة المستوطنات نفسها بدأت الهجرة إلى الولايات المتحدة هربا من سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية".
ورغم غزارة الأمطار هذا العام فإن ما تبقى من أشجار المشمش يعاني الإهمال ويفتقد للثمار، وكأنه في حداد لغياب أصحابه.
هجرة السكان
بدأت فكرة الهجرة إلى الولايات المتحدة أواخر الحكم العثماني وفي ظل الانتداب البريطاني، لكنها أصبحت ظاهرة في عهد الاحتلال الإسرائيلي وأضحى أغلبية سكان البلدة مهاجرين هناك، حيث تشير تقديرات إلى أن عشرات الآلاف منهم يتوزعون في أنحائها، ولم يبق الآن في القرية من سكانها الأصليين سوى قرابة مئتي نسمة.
عمد الاحتلال الإسرائيلي منذ سيطرته على القدس إلى اقتطاع الأراضي لصالح المستوطنات، فقسم بيت حنينا بالجدار العازل إلى شطرين، وأصبح مالك الأرض الذي يسكن في أحدهما يصعب عليه الوصول إلى أرضه، نظرا لطول الطريق وزيادة التكلفة مقابل مردود لا يغطي هذه التكاليف.
هذه الظروف مجتمعة -وهي الاحتلال وهجرة السكان والجدار- حولت الأراضي المزروعة بالمشمش إلى مرتع للأغنام والرعي الجائر، فهلكت ثمار المشمش وأشجاره وانتهى المشمش الحنيني، ولم يبق لأهله ومن بقي منهم في وطنه سوى الذكرى.