لم يكن الاعتراف الأميركي بالحكومة الصومالية وليد اللحظة، فخلال أكثر من عقد من الزمن تعاقبت فيه ثلاثة أنظمة انتقالية، كان الاهتمام الأميركي بالصومال ينمو بشكل سري مدفوعا بمسألة مكافحة الإرهاب والذي بات عنوانه الأبرز حركة شباب المجاهدين.
افراسيانت - مقديشو - تعهد وزير الخارجية الأميركية جون كيري أمس الثلاثاء بمساعدة الحكومة الصومالية في حربها على الإرهاب وإعادة ترتيب الأولويات الأمنية في القرن الأفريقي القريب من اليمن الذي يشهد أزمة سياسية منذ سنوات، وفق ما أوردته وكالات الأنباء.
كما أكد على التزام الولايات المتحدة بـ"دعم العملية الانتقالية الجارية في الصومال من أجل ديمقراطية سلمية"، معربا عن أمله في أن يحظى الصوماليون بحياة مستقرة بعيدة عن الاضطرابات التي مزقت بلادهم.
وعقد وزير الخارجية الأميركية سلسلة لقاءات مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء وحكام أقاليم وجماعات مدنية، فيما لم يعرف أين تمت تلك اللقاءات بالضبط لدواع أمنية.
ووصل كيري إلى مقديشو قادما من العاصمة الكينية نيروبي في زيارة مفاجئة ليكون بذلك أعلى مسؤول أميركي يزور الصومال الذي شهد تدخلا أميركيا فاشلا عام 1993 وحيث لا يزال الجيش الأميركي ينشط هناك بهدف القضاء على الحركة.
والقسم الأكبر من هذه الزيارة القصيرة "التاريخية" خصص لكيفية محاربة حركة الشباب الإسلامية المرتبطة مع تنظيم القاعدة إذ يرى السياسيون الأميركيون أن زيارة كيري تعد رسالة قوية إلى المتشددين وأن واشنطن ستظل تدعم الصومال في الحرب على الإرهاب.
ومن الواضح أن هذه الزيارة غير المعلنة تندرج ضمن استراتيجية واشنطن الخفية لإعادة ترتيب أولوياتها الأمنية في دول القرن الأفريقي الصومال وجيبوتي وبدرجة أقل كينيا من أجل استقرار المنطقة.
ويتوقع تنظيم استفتاء دستوري هذه السنة في الصومال تليه أول انتخابات تعددية العام القادم منذ أربعة عقود، إذ يعتبر متابعون هذه العملية من شأنها إرساء سلطة مؤسساتية مركزية فعلية في البلاد وإنهاء الفوضى الأمنية.
ويواجه شيخ محمود الذي اعتبر في 2012 أفضل شخصية تقود إحلال السلام في البلاد، صعوبات في بسط نفوذه خارج العاصمة، رغم التراجع العسكري للشباب الذين يحل محلهم في معظم الأحيان زعماء حرب.
"هناك خلاف بين المحللين السياسيين بشأن مدى التهديد المباشر الذي تمثله الشباب على الولايات المتحدة"
وتشن الجماعة حربا بلا هوادة منذ سنوات على الزعماء الصوماليين المدعومين من الغرب وكذلك القوات الحكومية والقوات الأجنبية التي تدعمها في معركتها ضدها.
وهناك خلاف بين المحللين السياسيين الأميركيين بشأن مدى التهديد المباشر الذي تمثله على الولايات المتحدة، فهي لن تخطط أي عملية إرهابية داخل الأراضي الأميركية لكنها دبرت عدة مؤامرات إرهابية في شرق أفريقيا منها الهجوم الذي استهدف جامعة في غاريسا الكينية الشهر الماضي.
وربما اتضحت النوايا الأميركية في التدخل العسكري بشكل أكبر في الصومال صيف العام نفسه عندما زار قائد القوات الأميركية في أفريقيا الجنرال ديفيد رودريغيث آنذاك العاصمة مقديشو.
تلك الزيارة، دفعت بالجيش الأميركي إلى إرسال عدد صغير من المستشارين العسكريين سرا إلى الصومال في أكتوبر من نفس العام، وهي المرة الأولى التي يرسل فيها قوات اعتيادية لذلك البلد الذي تمزقه الحروب منذ عام 1993 عندما تم إسقاط طائرتين وقتل 18 أميركيا.
"يتوقع تنظيم استفتاء دستوري هذه السنة يليه إجراء أول انتخابات تعددية العام القادم منذ أربعة عقود"
كما أدارت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي أيه" قاعدة عسكرية في الصومال لسنوات طويلة ومولت قوات الأمن الصومالية وأبقت أنشطتها هناك في طي الكتمان إلى حد كبير.
ويؤكد خبراء أن العمليات العسكرية التي تقوم طائرات دون طيار ضد قيادات الحركة المتطرفة دليل على عملها الاستخباراتي السري في الصومال خلال السنوات القليلة الماضية، ما جعل المتطرفين يخسرون عددا من معاقلهم الهامة جنوب البلاد.
وللإشارة فإن واشنطن عينت في الخامس والعشرين من فبراير الماضي كاثرين داناني سفيرة لها في الصومال، وهي أول ديبلوماسي أميركي يتولى هذا المنصب منذ 1991.