افراسيانت - حسين محمد - في تطور هام على الصعيد العسكري، سيطر الجيش السوري على جبل النوبة الاستراتيجي، بعد أيام من معارك عنيفة ساهم الغطاء الجوي الروسي في حسمها.
وقال مصدر عسكري سوري إن "وحدات الجيش نفذت خلال السيطرة على جبل النوبة عمليات وخططا عسكرية تتناسب مع الطبيعة الجبلية الوعرة والكثيفة بالأشجار، وقامت بتمشيط الجبل وإزالة العبوات الناسفة".
ولجبل النوبة أهمية استراتيجية فائقة كونه يطل أولا على أوتوستراد (حلب - اللاذقية) من جهة الشرق، على بعد بضعة كيلومترات من مدينة سلمى أهم معاقل المعارضة بريف اللاذقية، ولأنه ثانيا يقابل برج القصب المرتفع من ناحية الغرب، الذي سيطر عليه الجيش وسمح له بكشف جبل الأكراد، ولأنه ثالثا يطل على القرى الموالية لدمشق وأهمها قرية كفرية، التي تعد أحد خطوط الدفاع الأولى باتجاه القرى الموالية.
ويعكس هذا التطور الأخير الواقع الميداني في ريف اللاذقية الشمالي الذي ظل خارج سيطرة الجيش لمدة ثلاث سنوات، لكن العملية العسكرية الروسية وحجم القصف الجوي الكثيف سهل للجيش عمليات اقتحام هذه المناطق.
ومن شأن السيطرة على جبل النوبة أن تمنح الجيش السوري الفرصة للتقدم نحو منطقة سلمى إلى الشرق، حيث يشكل الجبل خطوط الدفاع الرئيسية لسلمى، التي ستكون الهدف المقبل للجيش السوري، وتتطلب استعدادات كبيرة، في وقت شهدت قمة غزالة القريبة من قمة النبي يونس اشتباكات عنيفة.
كانت خطة استعادة ريف اللاذقية الشمالي مؤجلة بالنسبة للجيش السوري الذي أعطى أولوية لريف حماة الشمالي منذ إعلان العملية العسكرية الواسعة قبل أكثر من شهرين، لكن التدخل الروسي غير في الخطط العسكرية، فبدأ الاهتمام منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول بريف اللاذقية الشمالي والشمالي الشرقي، في خطوة لعزل المحافظة وقطع طرق الإمداد من تركيا نحو جبل التركمان.
وتركزت المخططات الروسية - السورية على ثلاثة محاور رئيسية:
1ـ جبل الأكراد: يشكل هذا المحور أهمية كبيرة كونه يقع إلى الشمال من ريف اللاذقية الشمالي، والسيطرة عليه تضع الجيش السوري على مشارف الحدود التركية.
2ـ تلال الجب الأحمر: كانت الأكثر أهمية بالنسبة للجيش بسبب موقعها القريب من محافظة إدلب وريف حماة الشمالي الغربي، وتسمح هذه التلال بفتح الطريق نحو بلدة السرمانية في سهل الغاب، وبالتالي حماية المعقل العسكري الأبرز للجيش المتمثل بمعسكر جورين.
3ـ جبل التركمان: وهو محور تأخر فتحه لأسباب إجرائية مرتبطة بتأمين عمق ريف اللاذقية الشمالي، ويعتبر هذا المحور أكثر المحاور حساسية بسبب ملاصقته للحدود التركية، ووجود قومية تركية مرتبطة بسياسات أنقرة في سوريا.
وعكست المعارك الجارية منذ نحو أسبوعين في هذا المحور حساسية المنطقة، حيث شهدت عمليات كر وفر، قبل أن ينجح الجيش، بفعل الدعم الروسي، في السيطرة على القمة الرئيسية للجبل (برج الزاهية) القريب من الحدود التركية، وسمحت السيطرة عليه للجيش السوري من كشف ومراقبة المنطقة الحدودية مع تركيا.
تعتبر منطقة اللاذقية ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لدمشق، وبالتالي لا بد من تحييدها من الصراع الدائر قبيل انطلاق أية مفاوضات سياسية، ولذلك وضع الجيش السوري بالتعاون مع حلفائه على الأرض، وروسيا في الجو، ثقلهم في هذه المنطقة، التي ظلت حتى الأمس القريب عصية على الجيش السوري.
وبحسب سياق الأمور، يبدو أن الجيش السوري قاب قوسين أو أدنى من إنهاء المعركة في ريفي اللاذقية الشمالي والشرقي، ليتفرغ بعد ذلك إلى ريف حماة الشمالي ومن ثم إلى إنهاء ريف حلب الجنوبي، قبيل الانتقال إلى المعركة الأكبر المتمثلة بمحافظة إدلب.
ولعل النجاحات التي تحققت في اللاذقية، أعطت الزخم للجيش السوري بإعادة فتح جبهات أخرى، خصوصا في ريف حماة الشمالي، الذي شهد خلال الأسابيع الماضية حالة هدوء نسبي، حيث شن الجيش هجوما استعاد خلاله المناطق، التي خرجت من سيطرته في الآونة الأخيرة (تلة حوير، صوران)، ويسمح هذا الهجوم للجيش السوري، بعد استكماله، من الانتقال إلى مهاجمة المدينة الأصعب في ريف حماة الشمالي (مورك).
هذه الانجازات، التي حققها الجيش بفعل الدعم الروسي، ربما تكون، بحسب مراقبين، السبب الرئيسي في دفع السعودية إلى تشكيل "تحالف إسلامي" ضد الإرهاب، وليس صدفة أن يعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في نفس اليوم أن التحالف يدرس إرسال قوات إلى سوريا، في إشارة إلى إمكانية تعديل كفة الميزان العسكري بعيد التغيرات الميدانية الأخيرة التي أحدثها الروس.