مجلة أفراسيا - أصدرت مؤسسة القدس الدولية تقارير حال القدس الأول التي ترصد أبرز تطورات من عام 2014. التقارير أبرزت تطورات مشروع التهويد الثقافي والديني والديموغرافي في القدس المحتلة بالإضافة إلى تطوّرات المواقف السياسية العربية والإسلامية والدّولية. ولعلّ التطور الأخطر، وفق التقرير، والمتوقّع سابقًا، هو ما أفرزته المفاوضات من حديث عن عاصمة للفلسطينيين ولـ "إسرائيل" في "القدس الكبرى" وهو ما طرح إشارات حمّالة أوجه إلى أن تكون العاصمة الفلسطينية في إحدى ضواحي القدس كأبي ديس أو كفر عقب.
وسلّطت التّقارير الضّوء على توسّع استهداف الاحتلال للمسجد الأقصى ليشمل طرح وضعه تحت السيادة الإسرائيلية بشكل كامل مع إنهاء أيّ دور للأردن الذي يشرف على المسجد من النّاحية الإدارية عبر وزارة الأوقاف التي تتولى إدارة المقدسّات في القدس المحتلّة. كما تحدّثت التّقارير عن تطوّر في نشاط الجمعيّات الاستيطانية، ولا سيما جمعيتا "العاد" و"عطيرت كوهنيم" اللتان تسعيان إلى تعزيز الوجود اليهودي في شرق القدس عبر توطين المزيد منهم، خصوصًا في البلدة القديمة وحول المسجد الأقصى، كما عبر المشاريع السياحية. ولفتت التقارير إلى أزمة المياه التي يعاني منها المقدسيون الذين عزلهم الاحتلال خلف جدار الفصل العنصري كما بيّنت تهاون الاحتلال وعدم اكتراثه لإيجاد حل للأزمة التي بدأت في أوائل آذار/مارس 2014.
وفي التّفاعل مع القدس، فقد شهد الشهر الأول من العام التئام لجنة القدس بعد 12 عامًا على آخر اجتماع لها، وعودة اللجنة بعد حوالي عقد تعرضت خلاله القدس لتصعيد في التهويد لم ينتج لغة تتوافق مع حدة حملة التهويد والمخاطر التي تتعرض لها المدينة، كما أن اللجنة ترجمت الحاجة إلى الابتعاد عن الشعارات في دعم القدس عبر إعلان دعمها للمفاوضات ولجهود الإدارة الأميركيّة في "عملية السلام". أما مجلس حقوق الإنسان فصوّت في 28/3/2014 على 5 قرارات تدين دولة الاحتلال دعا أحدها إلى مقاطعة المستوطنات واتّخاذ الخطوات اللازمة لتفعيل المقاطعة.
الملخّص التّنفيذي
متشابهة هي بدايات أعوام القدس ونهاياتها، فما حملته خواتيم عام 2013 من مؤشّرات على تطور ممارسات الاحتلال في القدس لم تلبث أن تبلورت عبر استمرار الاحتلال في سياسة التهويد الديني والديموغرافي، سواء عبر تثبيت الحقائق على الأرض من خلال الاستيطان، أو اقتحام المسجد الأقصى والتطور إلى طرح فكرة استبدال السيادة الإسرائيلية الكاملة بالسيادة الأردنية الحالية. كما تجلت في الربع الأول من عام 2014 واحدة من نتائج الممارسات التي تتبعها سلطات الاحتلال بحق المقدسيين، نعني بها أزمة انقطاع المياه عن الأحياء المقدسية التي عزلها الاحتلال وراء جدار من الحديد والأسمنت... وكثير من العنصريّة.
وبموازاة ممارسات الاحتلال وسياساته التهويديّة وارتداداتها على القدس والمقدسيّين كانت المفاوضات التي استؤنفت أواخر تموز/يوليو 2013 تحقّق النتائج ذاتها التي حقّقتها جولات المفاوضات السابقة بدءًا من أوسلو. فالجانب الإسرائيلي يمرّر المزيد من السياسات التهويدية على الأرض، ويتبادل مع الطرف الفلسطيني اتهامات بتعطيل المفاوضات فيما تحاول الإدارة الأميركية طمأنة نتنياهو بممارسة المزيد من الضغوطات على الطرف الفلسطيني الذي يوقن أنه لم يبق شيء يمكن التنازل عنه.
في التهويد الديني الذي تعرضت له القدس المحتلة خلال المدة التي ترصدها التقارير كان المسجد الأقصى مستهدفًا بشكل رئيس، لا سيما في "الكنيست". فكما بات واضحًا فإن الاعتداءات على المسجد الأقصى تجاوزت عتبة التصريحات والاقتحامات التي باتت بروتوكولاً يوميًا يلتزمه المتطرفون اليهود من مستوطنين وشخصيات دينية وحكومية، وتطورت نقاشات "الكنيست" حول المسجد الأقصى لتطرح نقله إلى السيادة الإسرائيلية الكاملة واستبدالها بالسيادة الأردنية. ففي 25/2/2014، ناقش "الكنيست" مشروع قانون قدّمه النائب الليكودي المتطرف موشيه فيجلين ويقضي بإنهاء السّيادة الأردنيّة على المسجد الأقصى ووضعه تحت سيادة الاحتلال الكاملة. وقد انتهت الجلسة دون تصويت فيما قال رئيس "الكنيست"، يولي أدلشتاين، إن المقترحات حوله ستقدم في جلسة تحدد لاحقًا. وكان أدلشتاين قرر تأجيل مناقشة المقترح التي كانت مقررة يوم 18/2/2014 نظرًا إلى المواقف الرافضة لها على المستويين العربي والإسلامي، فكان التّأجيل بمثابة امتصاص لهذه المواقف التي ما لبثت أن خفّت وتيرتها، بل تلاشت، عند مناقشة الاقتراح فعليًّا. إلا أنه بالإمكان القول إنّ عدم الذهاب بعيدًا في اتّخاذ قرارات في موضوع إنهاء السيادة الأردنية مردّه، وإن بشكل جزئي، الخوف من ردود فعل عربيّة وإسلاميّة وحتّى دوليّة، وغياب التّوجّه إلى فتح معركة على الأقصى قد تؤدّي إلى ضياع "المكتسبات" التي تمكنت سلطات الاحتلال من انتزاعها سواء عبر تكريس واقع معيّن من الاقتحامات أو بفعل السّكوت العربي والتّغاضي الإسلامي، صاحب الوصاية على الأقصى، بحد من الانتهاكات صارت معه الاقتحامات والتصريحات حقًا مسلّمًا به لليهود.
ونظرًا إلى الشكاوى المتكررة من "التضييق" الذي يواجهه المتطرفون لدى اقتحامهم الأقصى ومنعهم أحيانًا من اقتحام المسجد فقد أثار أعضاء في "الكنيست" هذه المسألة لا سيما مع اقتراب "عيد الفصح العبري". وبناء على ذلك، أقرّت لجنة الداخلية في "الكنيست" في 5/3/2014 بشكل رسمي إنشاء لجنة فرعيّة تخصصية هي "لجنة تسور" مهمتها فحص عملية تنظيم اقتحامات اليهود يوميًا للمسجد الأقصى من أجل تأدية الصلوات التلمودية.وتأتي هذه اللجنة انسجامًا مع اقتراحات النائب فيجلين حول نقل السيادة وهي تغذّي في نهاية المطاف مشروع التقسيم الزماني للمسجد الأقصى.
وفي إطار التهويد الديني الذي يستهدف المسجد الأقصى من خلال زرع الكنس حوله، فقد أقرت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء بناء كنيس "جوهرة إسرائيل" في البلدة القديمة بالقدس، وهو يبعد 200 متر عن المسجد الأقصى غربًا ويتألف من 4 طبقات وتعلوه قبّة مقببة ترتفع عن الأرض 24 مترًا بالإضافة إلى فضاء بنائي تحت الأرض.
ومن الواضح أن سلطات الاحتلال أخذت النقاش حول المسجد الأقصى إلى مستوى متقدم حيث لم يعد الكلام على التقسيم وتأمين الاقتحامات بل حول السبل النّاجعة التي يمكن أن تؤمّن للاحتلال حريّة أكبر للتحرّك في الأقصى عبر جعله تحت سيادتها عوضًا عن السّيادة الأردنيّة. ولا شكّ في أنّ تأجيل الموضوع أو عدم التصويت على القرار لا يعني بأي شكل من الأشكال أنه بات خارج دائرة النقاش فاعتراضات المتطرفين اليهود، كما الكنيست، لم تهدأ منذ سنوات على "عبث" الأوقاف الإسلامية بالمسجد الأقصى والتخريب الذي تتسبّب به أعمال الصّيانة والترميم التي يقوم بها عمالها في مرافق المسجد.
كذلك شهدت مدّة الرّصد تزايدًا في نشاط الجمعيّات الاستيطانية التي تجهد للسيطرة على محيط المسجد الأقصى وشراء الممتلكات في البلدة القديمة كي تسبغ على المكان طابعًا يهوديًا تلموديًا ينافس الوجه العربي والإسلامي للمسجد والبلدة القديمة، والقدس بوجه عام. وفي هذا الإطار، تعمل جمعيّة "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية على تحويل جزء من مبنى البريد الذي تملكته العام الماضي إلى مدرسة دينيّة وأخرى تمهيدية لإعداد المتديّنين قبل الخدمة العسكريّة. كما شهدت مدّة الرّصد تطورات من شأنها تعزيز سيطرة جمعية "العاد" الاستيطانيّة التي تدير الحديقة الأثريّة المسمّاة "مدينة داود" في سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك. فقد صادقت محكمة الاحتلال المركزية بالقدس على اتّفاق تسوية بين شركتين حكوميتين هما الشركة الحكومية لتطوير الحي اليهودي في البلدة القديمة بالقدس والشركة الحكومية لتطوير شرق القدس لنقل السيطرة على المنطقة الجنوبية من حائط البراق إلى جمعية "العاد". ومن شأن الاتفاق أن يعزز المصالح الاقتصاديّة والسياحية لجمعية "العاد" ويعطيها فرصة غير مسبوقة لتعزيز الارتباط بين سلوان و"مدينة داود" وحائط البراق.
أما على صعيد التهويد الديموغرافي فقد حجز الاستيطان موقعه أيضًا على خارطة الانتهاكات الإسرائيلية لعام 2014. وكما هي الحال مع الاستيطان قبل قرار العودة إلى المفاوضات وعلى مدى النصف الأخير من عام 2013، فإن العطاءات الاستيطانية ومشاريع التوسع الاستيطاني استمرت في الربع الأول من عام 2014. ففي 5/2/2014، أعلنت لجنة التخطيط في بلدية الاحتلال موافقتها النهائية على بناء 558 وحدة استيطانية في مستوطنات "هار حوما" (جبل أبو غنيم) و"النبي يعقوب" و"بسغات زئيف"، أما في 18/3/2014 فصادقت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في بلدية الاحتلال على تراخيص بناء 184 وحدة استيطانية في شرق القدس تشمل 144 وحدة في "هار حوما" و40 وحدة في "بسغات زئيف" ما يعني إمكانية البدء بالبناء استنادًا إلى التراخيص. كما صادقت اللجنة المالية التابعة لبرلمان الاحتلال (الكنيست)في 30/3/2014 على تحويل 177 مليون شيكل (حوالي 50 مليون دولار) لشعبة الاستيطان في الوكالة اليهودية، وهي الذراع التنفيذية للحكومة للبناء في المستوطنات المقامة بالقدس والضفة.
وحيال هذا الواقع لم تكن السلطة الفلسطينية إلا لتدين هذه الممارسات التي من شأنها أن "تعرقل عمليّة المفاوضات". كما دانت الولايات المتّحدة في 5/2/2014 الإعلان عن بناء الوحدات الاستيطانيّة وأكدت معارضتها أي خطوة أحادية من قبل أي من الطرفين من شأنها أن تحدد مسبقًا مصير قضايا الحل النهائي، لكن دون أن تترك هذه الانتقادات أي أثر في حكومة الاحتلال لوقف الاستيطان.
سياسات الاحتلال حيال المقدسيين في الأحياء الواقعة خلف جدار الفصل العازل كانت جليّة بشكل كبير خلال مدة الرصد وذلك من خلال أزمة انقطاع المياه في أحياء مخيم شعفاط ورأس خميس ورأس شحادة وضاحية البريد التي تعاني أصلاً من تقطّع المياه وانخفاض ضغطها. وقد تقدم الأهالي بالشكوى إلى محكمة الاحتلال التي أمهلت شركة "جيحون" 60 يومًا للعمل على حل الأزمة. ولا تزال المياه مقطوعة عن هذه الأحياء حتى تاريخ صدور هذه التقرير علمًا أن المشكلة بدأت في أوائل آذار/مارس 2014.
أما في الموقف السياسي فلم تشهد بداية عام 2014 تطورًا يذكر باستثناء إعادة إنتاج المواقف السابقة من تنديد وتهديد بالإضافة إلى الموقف الذي استجد أواخر عام 2013 لجهة الوقوف وراء السلطة الفلسطينية في المفاوضات مع التمسّك بـ "دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها شرق القدس". فبعد غياب اثنتي عشرة سنة، اجتمعت لجنة القدس في المغرب برئاسة العاهل المغربي وبحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومبعوث أوباما الخاص إلى منظمة التعاون الإسلامي. ولعل لتدويل اللجنة دلالات أهمها التزام سقف الجهات المشاركة لجهة الوقوف وراء المفاوضات والمطالبة بدولة فلسطينية عاصمتها شرق القدس. وعلى الرغم من الغياب المطوّل للجنة والتطورات في مشروع التهويد على مدى السنوات التي لم تنعقد بها إلا أن لغة بيانها لم تحمل جديدًا باستثناء إعلان دعم المفاوضات وتأكيد الحاجة إلى إنجاحها.
أما القمة العربية الخامسة والعشرون التي انعقدت في الكويت في 24-25/3/2014 فالتزمت هي الأخرى الخطاب المعهود للقمم العربية فأكد الإعلان الصادر عنها الرفض المطلق القاطع للاعتراف بـ "إسرائيل" كدولة يهودية واستمرار الاستيطان وتهويد القدس والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحيّة وتغيير الوضع الجغرافي واعتبارها إجراءات باطلة ولاغية بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية. ولعلّ إقدام الاحتلال على هدم بناية سكنية بحي الطور شرق القدس المحتلة بالتزامن مع انعقاد الجلسة الختامية للقمة العربية يعكس استخفاف الاحتلال بالقمّة وبياناتها التي تصف واقعًا معينًا من ممارسات الاحتلال في فلسطين والقدس المحتلة دون أن تتمكّن من وضع يدها على سبل المعالجة اللازمة.
وفي 28/3/2014، صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والعشرين على خمس قرارات تدين "إسرائيل" ودعا أحد القرارات إلى مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وشرق القدس، كما طالب "جميع الدول باحترام معايير حقوق الإنسان المبدئية من خلال اتخاذ الخطوات الضرورية، بما في ذلك إنهاء كافة العلاقات التّجارية والروابط الاقتصاديّة مع المستوطنات".
وقبل ذلك عرض مقرّر حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ريتشارد فوك في مؤتمر صحفي في جنيف في 21/3/2014 خلاصة تقريره حول انتهاكات "إسرائيل" واعتداءاتها في الأراضي المحتلة. وقد اتهم فوك "إسرائيل" بممارسة التطهير العرقي في فلسطين المحتلة لا سيما من خلال طرد الفلسطينيين من شرق القدس. كما قال فوك إن أكثر من 11,000 فلسطيني فقدوا حقهم بالإقامة في شرق القدس منذ عام 1996 بسبب سياسات "إسرائيل" التي تحابي اليهود وتلغي حق الإقامة للمقدسيين. وشدّد فوك على أنّ هذا العدد هو فقط رأس جبل الجليد حيث إن المزيد من المقدسيين مهددون بفقدان حقّهم في الإقامة بسبب سياسات الاحتلال. كما قال إن كلّ زيادة في البناء الاستيطاني وكلّ عملية هدم تطال المنازل إنما تزيد وضع الفلسطينيين سوءًا.
إذًا هذه هي أهم معالم الربع الأول من عام 2014 في القدس كما ارتسمت من خلال ممارسات الاحتلال: الأقصى على قائمة أولويات برلمان الاحتلال وتطور في النقاشات حوله لتشمل فرض السيادة الإسرائيلية عليه، إضافة إلى التقسيم الزماني والمكاني ليضاف ذلك إلى اقتحامات المتطرفين اليهود من مستوطنين ومجندين وشخصيات سياسية ودينية؛ الاستيطان على قدم وساق لا يتأثر بالانتقادات ولا التهديدات ولا بالدعوات إلى وقفه؛ المقدسيون تحت وطأة السياسات الإسرائيلية وممارسات الاحتلال التي تضيّق عليهم وتصادر أرضهم وتهدم منازلهم؛ وأخيرًا جملة مواقف عربية وإسلامية لا يبدو أنها ستتحرّر من قيود السعي وراء "السّلام" مع الاحتلال ..
الاحتلال يشدّد التضييق على الأقصى ويصادق على خطة لتعزيز السيطرة على شرق القدس
مجلة أفراسيا - تقرير حال القدس الثاني رصد أبرز تطورات الفصل الثاني من عام 2014. وتناول التقرير أبرز تطورات مشروع التهويد الثقافي والديني والديموغرافي في القدس المحتلة من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو بالإضافة إلى تطوّرات المواقف السياسية العربية والفلسطينية والإسرائيلية والدولية خلال هذه المدّة التي شهدت احتفال دولة الاحتلال بالذكرى السابعة والأربعين لاستكمال احتلال القدس عبر التأكيد أن "القدس قلب الأمة، وقلب الأمة لن يقسم".
وسلّط التّقرير الضّوء على استهداف الاحتلال للأقصى عبر التضييق على المصلين ومصادرة هوياتهم وفرض قيود عمرية على الداخلين ولا سيما في أيام الجمعة وعرض التقرير توصيات "لجنة تْسُور" التي تطالب في جزء منها بتوسيع صلاحية قائد الشرطة في إغلاق أبواب الأقصى كافة وإبعاد المصلّين ومنع دخولهم عندما تدعو الحاجة إلى ذلك ما يساعد على تحديد اتجاهات الاحتلال حيال الأقصى في المدة القادمة.
وعرض التقرير لاحتفال "إسرائيل" بالذكرى السابعة والأربعين لاستكمال احتلال القدس عبر مواقف سياسية أكدت التمسك بالقدس عاصمة موحدة للدولة العبرية وإتباع ذلك بمصادقة الحكومة على خطة لـ "تعزيز التواصل بين سكان شرق القدس وإسرائيل". كما تحدّث التقرير عن الموقف الأسترالي حيال وصف شرق القدس بالمحتلة مع إطلالة على أبرز المواقف الأسترالية المنحازة لدولة الاحتلال.
الملخص التنفيذي
"القدس قلب الأمة، وقلب الأمة لن يقسم". هكذا ينظر نتنياهو إلى القدس في الذكرى السابعة والأربعين لاستكمال احتلالها، حيث تستغل هذه المناسبة السنوية لتعيد دولة الاحتلال بمكوناتها كافة تلاوة صلاة العاصمة الموحدة للدولة العبرية والتي لا يمكن تقسيمها أو التنازل عنها. وهكذا، لا تنقضي الأيام في القدس إلا لتكشف المزيد من السياسات التهويدية التي يمارسها الاحتلال لبسط سيطرته على المدينة ومقدساتها، فاستمرت اقتحامات الأقصى خلال المدة التي يرصدها التقرير في مقابل تزايد التضييق على المسلمين وفرض قيود عمريّة وزمنية على دخولهم المسجد. أما تقرير "لجنة تْسُور" فأوصى بتوسيع صلاحية قائد شرطة الاحتلال في القدس في ما يتعلق بإغلاق أبواب الأقصى وإبعاد المصلين أو منعهم من دخول المسجد. كما استمر التهويد الديموغرافي عبر البناء الاستيطاني الذي وصفه عضو "الكنيست" من حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينت بالعمل الصهيوني الذي لا يمكن الاعتذار عنه بما هو جزء من سياسة الدولة العبرية وعقيدتها. كما شهدت مدة الرصد انتخاب رئيس جديد لدولة الاحتلال في 10/6/2014 خلفًا لشيمون بيريس المنتهية ولايته، والرئيس الجديد روفين روفلين (ليكود) معروف بدعمه للاستيطان وكان قد شارك في اقتحام الأقصى عام 2000 مع شارون وفي حرب احتلال الأقصى عام 1967. وفي أجواء متصلة باحتفال "إسرائيل" بالذكرى السابعة والأربعين لاستكمال احتلال القدس صادقت حكومة الاحتلال على خطة قيمتها حوالي 86 مليون دولار وذلك لتعزيز سيطرتها على شرق القدس.
إذًا، في تطورات التهويد الديني والثقافي فقد تواصلت اقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى وسجل أكبر اقتحام في 3/6/2014 بمناسبة الاحتفال بما يسمى "عيد نزول التوراة-الشفوعوت" حيث وصل عدد المقتحمين إلى حوالي 400 في وقت منعت الشرطة المسلمين من دخول المسجد. وتكرر خلال مدة الرصد فرض شروط عمرية على المصلين لتمنع الشرطة من هم دون الخمسين أو الخامسة والأربعين من أداء صلاة الجمعة بشكل خاص. كما عمدت الشرطة بشكل متكرر إلى مصادرة هويات المصلين قبل دخولهم إلى المسجد وتحويلها إلى مركز شرطة القشلة، ومن ثم حملهم على استلامها من هناك ضمن ممارساتها الرامية إلى تثبيط المسلمين عن المسجد بسبب ما يتعرّضون له من ضغط من قبل الاحتلال. وفي إطار تهويد الأقصى، عقدت لجنة الداخلية في "الكنيست" في 19/5/2014 جلسة تحت عنوان "الاهتمام بالمبكى الصغير" للتباحث بشأن وقف رباط الكرد (حوش الشهابي) الذي يعتبره الاحتلال جزءًا من حائط البراق المحتل. واعتبرت مضامين الجلسة رباط الكرد مقدسًا يهوديًا، غير تابع للأوقاف الإسلامية، ولا صلاحية للأردن بالتدخل في شؤونه وخلصت إلى الاستمرار بالعمل على توسيع رقعة السيطرة على الوقف وتوسيع ساحة ومساحة الصلوات اليهودية فيه، من خلال أعمال إزالة لمنصوبات حديدية في الموقع.
وفي تطور مشروع التقسيم الزمني للأقصى كان لافتًا خلال مدة الرصد دعم نائب من حزب العمل (اليسار-الوسط) لاقتراح مشروع يقضي بقسيم الأقصى زمنيًا. فقد كشفت "يديعوت أحرونوت" العبرية في 18/5/2014 عن اقتراح مشترك بين حيليك بار وميري ريغف، رئيسة لجنة الداخلية في "الكنيست"، يقضي بالمساواة في العبادة بين المسلمين واليهود كما هي الحال في المسجد الإبراهيمي بالخليل. وقال بار في تعليق على الاقتراح إن "حب الدين اليهودي، والتوراة، والقيم التاريخية والصهيونية، والقدس ومقدساتها، ليس حكرًا على اليمين حتى وإن حاول أحيانًا تصوير الأمر على أنه كذلك" معتبرًا أنه "لم يعد مقبولاً عند صعود نواب من اليمين إلى جبل المعبد للصلاة هناك التهديد باندلاع انتفاضة ثالثة، ولا بد من نظام جديد يحترم فيه كل طرف حقوق الطرف الآخر". إلا أن هذه المحاولة لكسر "احتكار اليمين للدفاع عن أقدس مقدسات اليهود" أثارت ردود فعل من النواب العرب في "الكنيست" ومن اليسار وكذلك من الأردن. كما تلقّى بار تحذيرات من "الشاباك" لجهة أن الاقتراح المقدَّم يمكن أن يؤدي إلى "أحداث شغب" قد تكون في أكثر الأحوال تفاؤلاً شبيهة بانتفاضة الأقصى الثانية. وعلى أثر ذلك أعلن بار سحب دعمه للاقتراح متسائلاً: "إذا كانت المساواة في أوقات الصلاة في المسجد الإبراهيمي بالخليل تسير بشكل جيد فلماذا لا يكون الأمر كذلك في جبل المعبد"؟ ولا شك في أن هذا التراجع لا يعني إلغاء مشروع التقسيم أو العدول عنه إذ يبقى أحد أدوات تعميق السيطرة على الأقصى.
وبموازاة ذلك كان شهر حزيران/يونيو موعدًا لتقديم "لجنة تْسُور" تقريرها لمناقشته في "الكنيست". وكانت لجنة الداخلية أقرّت تشكيل اللجنة في5/3/2014 مهمتها تنفيذ قرارات الحكومة الاسرائيلية بشأن اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى وفحص إمكانية "صعودهم" إليه بشكل يومي ولمدة ثلاث ساعات ونصف. ومن توصيات اللجنة عدم تخصيص مكان لصلاة اليهود في الأقصى لأن من شأن ذلك المساس بالوضع القائم، كما أوصت بالسماح للزوار بدخول الأقصى أيام السبت بعد إغلاقه أمام "السياح" عام 2000 في أعقاب الانتفاضة الثانية. ومن التوصيات أيضًا إغلاق المسجد الأقصى أمام جميع الزوار، بمن فيهم المسلمون، في كل مرة تحصل فيها مواجهات وبتوسيع صلاحيات قائد شرطة القدس لجهة إغلاق كامل للمسجد الأقصى، وتوسيع صلاحياته بإصدار أوامر منع وإبعاد مصلّين عن المسجد الأقصى. وهكذا تفتح "لجنة تْسُور" الباب أمام مزيد من الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأقصى والمصلين تبشّر بالمزيد من التضييق والإجراءات المشددة والاعتقالات والإبعاد مع إعطاء الشرطة هامشًا واسعًا في هذا المجال.
أما على صعيد التهويد الديموغرافي، فقد استمرت أعمال البناء الاستيطاني في الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات إلى حائط مسدود مع الإشارة إلى أن المشروع الاستيطاني قائم ومستقل بذاته بمعزل عن التطورات السياسية التي يمكن أن تطرأ وإن كانت بعض التطورات تتخذ حجة وستارًا لتمرير بعض المشاريع. فقد أعادت ما تسمى بـ "سلطة الأراضي" في دولة الاحتلال في 1/4/2014 نشر عطاءات لبناء 708 وحدات في مستوطنة "جيلو" وذلك بالتزامن مع لقاء وزير الخارجية الأميركي برئيس حكومة الاحتلال للتّوصل إلى اتفاق يحول دون توقّف المفاوضات. أما في 26/5/2014، فأعطت بلدية الاحتلال في القدس الضوء الأخضر لبناء 50 وحدة جديدة في 5 بنايات في مستوطنة "هار حوما" (جبل أبو غنيم) بالتزامن مع اختتام بابا الفاتيكان زيارة إلى الأراضي المحتلة استمرّت يومين. وفي 4/6/2014، أصدر وزير الإسكان أوري أريئيل عروض مناقصات لبناء 1500 وحدة استيطانية، 1100 وحدة منها في الضفة الغربية و400 وحدة أخرى في شرق القدس المحتلة وذلك بعد الإعلان في 2/6 عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني. إلا أن ضغوطًا من سفراء خمس دول أوروبية أدت إلى تأجيل مناقشة المخططات ولم يصادق المجلس الأعلى للتخطيط التابع للإدارة المدنية إلا على مخططات بناء 381 وحدة في مستوطنة "جفعات زئيف" بشرق القدس.
وفي المواقف السياسية، فقد أعاد قادة الاحتلال في الذكرى السابعة والأربعين لاستكمال احتلال القدس تأكيد تمسكهم بالقدس عاصمة موحدة للدولة العبرية، فشدد نتنياهو في الذكرى على أن "القدس قلب الأمة، وقلب الأمة لن يقسَّم". ومثله وزير الإسكان الذي تعهد بأنّ "القدس لن تقسم مرة أخرى، والبناء الاستيطاني لن يتوقّف ولن نطيق أيّ تأخير أو قيود على البناء، وسنبني في القدس وفي الضفة وفي أي مكان من أرضنا". ولم يكن خطاب اليسار ليعتمد لغة أخرى حيث قال عضو "الكنيست" وزعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ إنه "إن كان لليهود من قلب فالقدس هي قلبهم وهي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي ولإسرائيل".
وغير بعيد عن أجواء "القدس الموحدة"، صادقت حكومة الاحتلال في 29/6/2014 على خطة بقيمة 86 مليون دولار تمتد على خمس سنوات وتهدف إلى منع أي تقسيم للقدس في حال أي اتفاق مستقبلي مع السلطة الفلسطينية. ووفقًا لصحيفة "هآرتس" تهدف الخطة إلى تقوية الترابط بين سكان شرقي القدس من الفلسطينيين والبالغ عددهم 300 ألف مواطن، وبين دولة الاحتلال. ومن شأن الخطة تكريس احتلال شرق القدس عبر اعتباره "جزءًا من عاصمة الاحتلال وليس جزءًا محتلاً وفق القرارات الدولية.
أما أستراليا فاحتفلت على طريقتها بذكرى احتلال شرق القدس مع إعلان المدعي العام جورج برانديس في 5/6/2014 أن وصف شرق القدس بالمحتلة تعبير مشحون وله آثار ازدرائية وأن الحكومة الأسترالية لن تعتمد لغة تحقيرية لوصف المناطق الخاضعة للمفاوضات. وفي محاولة لتسويق هذا "الابتكار" قال بيان المدعي العام إن أستراليا تؤيد حلاً سلميًا للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وتعترف بحق "إسرائيل" في الوجود بسلام ضمن حدود آمنة كما تعترف بتطلعات الشعب الفلسطيني إلى إقامة دولته. إلا أنّ احتجاجات عربية وإسلامية على المستوى الرسمي دفعت وزيرة الخارجية جولي بيشوب إلى توضيح هذا التعديل الذي "لا يتعدى البعد اللغوي". لكن التوضيح الهش لا يلغي تاريخًا من الانحياز الأسترالي لدولة الاحتلال بدأ منذ تصويت أستراليا في الأمم المتحدة على قرار التقسيم توالى من بعدها عبر دعم "إسرائيل" في حرب حزيران/يونيو 1967 ومن ثم التصويت عام 2004 ضد قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يوصي بأن تحترم "إسرائيل" فتوى محكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري، وفي 2013 ضد مشروعي قانون في الجمعية العامة للأمم المتحدة أحدهما يدعو "إسرائيل" إلى وقف بناء الجدار العازل والآخر يعكس مخاوف من ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة وغير ذلك من المواقف.
وفي سياق آخر، اعتمدت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو في 23/6/2014 قرارًا بالمحافظة على البلدة القديمة في القدس وأسوارها وقد أيدت القرار 12 دولة مقابل اعتراض 8 دول وامتناع دولة واحدة عن التصويت. وطالب القرار دولة الاحتلال بالوقف الفوري لحفرياتها ولكل انتهاكاتها ضد تراث البلدة القديمة منددًا بالاقتحامات الاستفزازية للمسجد الأقصى. إلا أن تاريخ "إسرائيل" لم يشهد إلا التعنت حيال قرارات اليونسكو والمزيد من الاعتداءات على تراث البلدة القديمة وإرثها التاريخي والثقافي ما يعني أن القرارات بذاتها ليست كافية للجم هذه الممارسات ولا بدّ من آليات لتفعيلها وتطبيقها وإلزام الاحتلال بتنفيذها.
هذه إذًا أبرز ملامح المشهد المقدسي في الربع الثاني من عام 2014 حيث لا يتراجع الاحتلال عن تنفيذ مشروع التهويد ويحشد عبر الكلام والأفعال لتكريس السيطرة على القدس وتكريسها عاصمة موحدة لدولته. أما الأقصى ففي عين العاصفة يصمد بصمود عمّاره ومرابطيه الذين يواجهون المزيد من تضييقات الاحتلال في سعيه إلى إنقاص عددهم وصدّهم عن مسجدهم وإبعادهم عنه. ولكن التطورات التي حملتها الأيام الأولى من شهر تموز/يوليو بعد إقدام مستوطنين على إحراق وقتل الفتى المقدسي محمد أبو خضير مهدت لصفحة جديدة في حركة المقدسيين ضد الاحتلال.