افراسيانت - بقلم توفيق عابد - حاكم الناقد الفلسطيني وليد أبو بكر حزمة من الروايات الصادرة في فلسطين من البحر إلى النهر من خلال معايير قربها او بعدها عن الاحتلال وثقافته طارحا قراءة صريحة وجريئة لمضمونها دون مجاملة أو ماكياج من وجهة نظره.
الأمسية الثقافية وعنوانها «التطبيع في الرواية» وفق بيان رابطة الكتاب الأردنيين لكن أبو بكر عنون مداخلته «خطورة التطبيع في السرد» جاءت بدعوة من لجنة مقاومة التطبيع بالرابطة والسؤال هو إلى أي درجة كان ابو بكر منصفا أو عادلا في تقييمه او رؤاه لروايات ينكر أو ينفي مؤلفوها أو من كتبوا عنها أي تهمة تطبيع مع المحتل أو الاعجاب به!!.
وهناك تساؤل آخر مفاده هل اجتزاء مشهد او فقرة من رواية كفيل بمحاكمة نزيهة وشفافة وتصنيفها في خانة التطبيع أم أنه من الأفضل تقييم مجمل النص ومن ثم الحكم ببراءة أو إدانة كاتبه بوصف يلحق الأذى بسمعته الوطنية والشخصية!!.
يقول أبو بكر أن الروائي الفلسطيني أحمد رفيق عوض أصدر كتابا بعنوان "المستوطنة السعيدة" ورد فيه حديث عن مشاريع مشتركة بين الناس والاحتلال "أن نبني خزان ماء يزود القرية والمستوطنة ومشروع دواجن ومناحل مشتركة وبرك سباحة وزراعة غابة على كامل الجبل الذي تقع عليه قريتي والمستوطنة" ما يعني قبول التعاون والعيش المشترك بين ساكن القرية الفلسطينيّ ومن يسكن الأرض التي سرقها منه أي قبول الاحتلال بمستوطناته والسؤال هو: ماذا يعني التطبيع غير هذا مهما تناثرت التبريرات والتفسيرات والدفاع عن الذات؟.
ومع أن للكاتب نفسه سوابق كتابية كثيرة وفق أبو بكر إلا أنه حظي باحتفاء كبير ومفاجئ وتوالت كتابات صحفية تصف العمل بأنه "مسرحية مناضلة" وفاجأني الشاعر يوسف عبد العزيز الذي أطلق على النص صفة نضالية ولم يلفت نظره أنه يطرح سؤالا استنكاريا يقول: "أم أن المطلوب هو أن تحتكر الجهات الأمنية الفلسطينية هذا الحقّ"؟ وهو يعني "التعاون مع الأمن الإسرائيلي"!!.
وقبل سنوات حصلت رواية علاء حليحل "السيرك" على أول جائزة لمؤسسة عبد المحسن القطان ..هذا الكاتب لا يخفي موقفه حين تحدث العام الماضي في ندوة أقامتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالتعاون مع جامعة بير زيت حول" الثقافة الفلسطينية بين عرب الداخل" واعترف بوضوح بأن فيه عنصرًا إسرائيليا حصل هذا العام على جائزة غسان كنفاني من مؤسسة لا يمكن الشكّ بوطنيتها أو وطنية أعضاء لجان التحكيم فيها.
وحين توجه غسان زقطان نحو تجربة سردية "عربة قديمة بستائر" إعترف بحقّ الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية والسماح له بمساحة منها ورغم وضوح التوجه في النص وذكاء طرحه وجمالية لغته حظي بمقالة بصحيفة "الحياة الجديدة" الفلسطينية بقلم شاعر لا يشك بوطنيته أحمد دحبور.
مساران للتطبيع
ووفق أبو بكر فإن التطبيع الثقافي يسير في مسارين: الأول يحكمه جهل الذين يدخلون هذا المنزلق وجهلهم بفن الكتابة والثاني واع يقبل عليه بعض الكتاب قناعة أو بحثًا عن فائدة أو توجيهًا من جهات أخرى.
ويقول :إن التطبيع في السرد الأدبي يرتبط بموضوع "المزاج" كمصطلح نقدي يخلق نوعا من المقارنة بين الواقع الفلسطيني والواقع الاحتلالي فربعي المدهون في روايته "السيدة من تل أبيب" يصف بلدة سديروت الإسرائيلية بما يشبه الجنة وفي الطريق إلى غزة يصف الأرض الفلسطينية المتصلة بأنها "جرداء" ما يجعل القارئ يتذكر مقولة الاستيطان الأولى: وكيف حول الصحراء إلى جنة فيظن أن الإسرائيلي أحقّ بالأرض.
وتنسج رواية "عربة قديمة بستائر" ما يشبه العلاقات العاطفية بين الرجل الفلسطينيّ والمرأة اليهودية فصاحبة المقهى اليهودية المغربية في الطريق بين غزّة والضفة الغربية الذي يمرّ داخل إسرائيل بدت جزءاَ من المشهد الطبيعي في علاقتها مع سائق التاكسي الفلسطيني حين "وضعت يدها على كتفه فاتكأت أساورُها على قميصه وتسلّلت برودتها إلى جسده وتهاوت روائح ملتبسة من عطر وياسمين وبخور على يديه وصدره روائح قادمة من صوتها ولهجتها".
أما بطل الرواية الذي يتسم بنرجسية هائلة تجعله يشعر بأن كل امرأة لا بدّ وأن تنجذب إلى سحره، فقد ركز هذا السحر على المجنّدة الإسرائيلية داخل القفص الزجاجي التي لمحته للحظة بدا أنها تحاول أن تتذكّره..الحركة التي ضيّقت بها عينيها كانت تشي بتلك المحاولة".
ترجمة لنص أجنبي
والممثلة الإسرائيلية في رواية "السيدة من تل أبيب" حامل من ابن زعيم عربي هو خليفة والده عبر علاقة سريّة ما يعني نوعا من المزج المعنويّ بين العربيّ والإسرائيلي يحمل رمزاً لمزج مأمول تعبر عنه الممثلة كثيرا وهي تتحدث إلى الفلسطيني الذي جلست إلى جانبه صدفة في الطائرة الذي أحست بقرب منه لأن فيه ملامح من حبيبها السرّي.
وبالرغم من أن أحداً من الطرفين لا يعرف عن تقاطعات حياته مع الآخر إلا أن الفلسطينيّ "يحتوي حزنها بسرعة" ولا يتردّد في وصف العلاقة بالقول إنه ألف جارته وألفته فتمنى "أن يخرج الفلسطينيون والإسرائيليون من ساحة الحرب إلى العيش المشترك".
وأشار ابو بكر لرواية "السيرك" التي لا توحي بأنها تتحرّك داخل ثقافة عربية حسب رأيه كونها حفلة جنسية متواصلة ولا ترتبط اهتماماتها الأساسية إلا بتفاصيل إعداد الطعام وضرورة الشراب ولا من ناحية القاموس اللغوي الذي يستخدم ألفاظا تبدو منقولة عن ترجمة سيئة لنصّ أجنبي وهذا يعني تبني ثقافة المجتمع الإسرائيلية في الحياة أو السعي إلى الاندماج بها.
فبطل الرواية الرسام سمير الخالدي يقيم علاقة جنسية مع فتاة يهودية تقرّبا من أمها رئيسته في العمل ثمّ يرتبط بعلاقة حبّ مع فتاة يهودية أخرى تتركه لتتزوّج واحدا من ملّتها ومع ذلك فإنه يقدم دون إحساس بأي حرج على قبول المهاجرين لبلاده وحماية قضيتهم حين يتبرّع بإغاثة واحدة من"القادمين الجدد" طردتها زوجة أخيها الذي يسكن الفنان بجواره ليتبين بعد ذلك أنه أعتقل "وأعيد إلى وطنه الأصليّ" بتّهمة تسهيل الدعارة والمتاجرة بالرقيق الأبيض.
تجريح التجربة الفلسطينية
وفي رواية "الروح" وبعد تكريس كثير من الجهد في تجريح التجربة الفلسطينية الحديثة في زمن المقاومة والسلطة الفلسطينية يلقى ببطلها أديب العرقوبي اللاجئ/النازح/العائد إلى الضفة الغربية مع أوسلو وحيدا في دوّامة بحث وسط العشائرية المستجدة داخل الوطن عن أقارب فقدهم ليفاجئ القارئ بطرح تطبيعيّ مفجع.
وخلال هدوء الانتفاضة يصل بطل الرواية بالصدفة لقريب يمثل الجانب الاسرائيلي في الارتباط العسكري اسمه رافي بينما اسم والده عبد الجبار العرقوبي لأن عبد الجبار بالتحديد ابن عمّ لوالد بطل الرواية وعائلته أقرباؤه الوحيدون على هذه الأرض.
وفي طريقه لزيارة أبناء عمه و"حين استدارت بهم السيارة غربا باتجاه الساحل لتتخذ طريقا سريعة سالكة بسهولة أقعدته المفاجأة عن كلّ خاطر لقد ظنّ نفسه دخل الريف الأوروبيّ" وبدلا من أن تدين الرواية هذا التحويل القسريّ لانتماء الأرض استمرّت في وصف المدن الحديثة والساحل الخلاب والبيّارات وصولا إلى الجليل الأعلى الذي تعجز ألسنة الشعراء فيه عن الوصف.
أما داخل العائلة وكان ابن العم يلخص موقفه الشخصيّ بوضوح: "أنا إسرائيلي هذه هي حقيقتي وهذا واقعي .. انتمائي الأكبر إلى الدولة التي أنا جزء منها ويهمني الحفاظ عليها والدفاع عنها وعن كياني فيها.. إنها وجودي وسندي" ليقول الفلسطيني: "لا أنكر بأني أحسدك لأنك وجدت ما تنتمي إليه بلا عذاب.. أتمنى لك التوفيق يا ابن عمي العرقوبي".
تطبيع دون تحفظ
في رواية علاء مفيد مهنا، "مقدسيّة أنا" أكثر الروايات الفلسطينية دعوة إلى التطبيع دون مواربة أو تحفظ فهناك دعوة صريحة إلى الذوبان في الواقع الإسرائيلي اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وهي تبثّ روحاً انهزامية حتى وإن حاولت تغليفها بشيء من الدعوة إلى الانفتاح أو التحرّر.
وحين تتحدث الرواية عن علاقة حبّ بين فتاة فلسطينية وشاب يهوديّ يعتريها نوع من التردّد الذي ينسب إلى حتمية الفشل فإن زميلتها المتحرّرة أو المتقمصة لثقافة الاحتلال تحاول أن تجعل من هذا الحبّ نوعا من الاختيار الحرّ وتتساءل: "لم لا؟ أنت تؤمنين بالعمل العربيّ اليهوديّ المشترك ..آمني بالحياة المشتركة وتزوّجيه أم أن الثورية عندك مجرّد كلام؟".
وتدعو "مقدسية أنا" بصراحة إلى الاعتراف بالاحتلال كواقع وبما أنجز من استيطان رغم الإيمان المطلق بعروبة البلاد: "أنا أحلم بالحقّ لكنّي لا أريد أن أرمي أحداً في البحر حتى ولو ظلمني. هذه البلاد فلسطينية عربية من المياه إلى المياه ولكن الواقع أقسى مما نتصوّر: احتلوا بلادنا وخسرنا الحرب. على الخاسر أن يتأقلم .. لن أرمي أحداً بالبحر وكل ما أريده أن يكفوا قتلهم عنا وألا يستوطنوا أرضنا أكثر وألا يحتلوا النفوس ويرهبوا الناس".
ويتضح حجم الانحياز في "مقدسيّة أنا" من تبرير هدم البيوت العربية من قبل الاحتلال وتحويل الانسحاب من غزة إلى عمل يمتدح عليه الاحتلال "لأنهم أذكياء يعرفون كيف يحرّكون الظروف التاريخية".
حالة مؤسفة
ويصف أبو بكر التطبيع بأنه حالة مؤسفة يعيشها بعض الشباب العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر منقطعا ربما باختياره في بعض الأوقات عن أية مرجعيات ثقافية وطنية أو قومية وهو حين يكتب يصوّر ما يراه وما يعيشه ووعيه غير قادر على رؤية أن الفرق بين الحياة في واقعها الذي يعيشه والحياة داخل الرواية التي يكتبها فرق في المبدأ أولا.