ترمب يتمسك بمطالبه... وطهران: الحوار ليس وشيكاً
افراسيانت - يقول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن بلاده ستنال كل ما تريده من إيران، في حين أعربت طهران عن شكوكها إزاء استئناف قريب للمحادثات مع واشنطن، مشددة على أن استئناف الحوار مشروط بالحصول أولاً على ضمانات أميركية بعدم تكرار الهجمات العسكرية ضدها.
وتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة بعد ضربات عسكرية استهدفت منشآت نووية، وسط تمسك طهران بشروط للعودة إلى التفاوض، وتخوف دولي من تفاقم الأزمة وتأثيرها على أمن المنطقة واستقرارها.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، إن «مواقعنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة، وقد أكدت عدة جهات رسمية حجم الخسائر التي لحقت بها».
وأضافت مهاجراني في مؤتمر صحافي أن «المفاوضات النووية لم تتوقف منذ تولّي حكومة مسعود بزشكيان مهامها في أغسطس (آب) الماضي»، رغم ما وصفته بـ«التناقضات والهجوم خلال فترة التفاوض»، مؤكدة تمسك إيران بـ«المسار الدبلوماسي وحل الخلافات». وقالت: «بحسب ما أعلنه وزير الخارجية عباس عراقجي، لم يُحدد أي موعد للمفاوضات، ومن المحتمل ألا يكون ذلك في المستقبل القريب.
ويعتزم ترمب مناقشة الوضع في غزة وإيران عندما يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، الاثنين المقبل.
وقال ترمب، إن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، الاثنين، ستكون بمثابة «احتفال كبير» بالضربات التي نُفّذت ضد إيران، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».
وكان ترمب قد أكد، أن طهران ترغب في عقد لقاء بعد الضربات الأميركية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، مطلع الأسبوع الماضي، محذراً من شن ضربات جديدة على إيران إذا قامت بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تسمح لها بحيازة السلاح النووي.
ورفض مجلس الشيوخ الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون، محاولة من الديمقراطيين لمنع الرئيس دونالد ترمب من استخدام المزيد من القوة العسكرية ضد إيران.
وقال ترمب، إنه «لا يعرض شيئاً» على إيران، وهو «لا يتحاور معها».
وسخر ترمب مجدداً من تساؤلات أثارها مشرعون ديمقراطيون وآخرون حول مدى تأثير العمليات في تأخير برنامج إيران النووي، معتبراً تلك التساؤلات إهانة للطيارين الأميركيين الذين نفذوا ضربات على ثلاث منشآت نووية رئيسية. وقال: «ينبغي أن نحتفل بهؤلاء الأبطال»، مؤكداً أن واشنطن «ستحصل على كل ما تريده من إيران».
الضمانات شرط الحوار
ورداً على ترمب، قال عراقجي لشبكة «سي بي إس» الأميركية، إن «البدء بأي مفاوضات جديدة يتطلب أولاً التأكد من أن الولايات المتحدة لن تستهدفنا عسكرياً خلال فترة التفاوض»، مؤكداً أن «أبواب الدبلوماسية لن تُغلق».
وأوضح عراقجي أن «اتخاذ قرار بالعودة إلى المفاوضات يستدعي أولاً ضمانات بعدم التعرض لهجوم عسكري أميركي في أثناء المحادثات»، وزاد: «مع كل هذه الاعتبارات، ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الوقت». ومع ذلك، قال عراقجي إن إيران ستدافع عن نفسها في حال تعرضها لأي اعتداء، وقال: «أثبتنا خلال الحرب قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا، وسنواصل هذا الدفاع إذا وقع أي عدوان جديد».
في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إن بلاده تسعى لاستئناف الحوار بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي، مقترحاً روما موقعاً محتملاً للمحادثات، كما جرى سابقاً بوساطة سلطنة عُمان.
وأجرت الولايات المتحدة وإيران منذ أبريل (نيسان) محادثات غير مباشرة بهدف إيجاد حل دبلوماسي جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني. وجرت جولتان من أصل خمس جولات في مقر السفارة العمانية بالعاصمة الإيطالية.
وأضاف تاياني: «نعمل دائماً على الحوار لضمان أمن إسرائيل، وفي الوقت نفسه، لضمان عدم تمكن إيران من بناء قنبلة ذرية، مع تمكينها في الوقت ذاته من العمل على أبحاث الطاقة النووية المدنية»، مشدداً على ضرورة سماح طهران بزيارات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تباين في التقديرات
وأثيرت شكوك بشأن مدى تأثير القصف الأميركي على البرنامج النووي الإيراني.
وقال ترمب، في حديث مع «قناة فوكس» إن مواقع نووية رئيسية في إيران تم محوها بشكل لم يسبق له مثيل. وأضاف: «وهذا يعني نهاية طموحاتهم النووية، على الأقل لفترة من الزمن».
وفي اليوم نفسه، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، في مقابلة تلفزيونية، إن إيران قد تنتج اليورانيوم المخصب في غضون أشهر قليلة.وأضاف: «بصراحة، لا يمكن للمرء أن يدعي أن كل شيء اختفى، وأنه لا يوجد شيء هناك».
وقال عراقجي: «لا يمكن القضاء على التكنولوجيا والمعرفة النووية بالقصف»، مشيراً إلى أن «توفر الإرادة من جانبنا كفيل بإصلاح الأضرار وتعويض الوقت الضائع بسرعة». وأضاف: «إذا كانت لدينا إرادة لإحراز تقدّم جديد في هذا المجال، وهذه الإرادة موجودة، فسنتمكن من إصلاح الضرر بسرعة وتعويض الوقت الضائع».
قيود الاتفاق النووي
بموجب اتفاق 2015، مُنعت إيران من تخصيب اليورانيوم فوق 3.67 في المائة ومن استخدام منشأة فوردو لمدة 15 عاماً. إلا أن ترمب انسحب من الاتفاق في 2018، وأعاد فرض العقوبات، ما دفع طهران إلى رفع مستوى التخصيب تدريجياً حتى بلغ 60 في المائة عام 2021. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه «لا يوجد بلد آخر خصب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي دون إنتاج أسلحة نووية».
وفي تقرير نشرته الوكالة في 31 مايو (أيار)، أكدت أن إيران تملك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة لصناعة تسع قنابل نووية إذا ما تم تخصيبه أكثر. وفي يونيو (حزيران)، قالت الوكالة إنها غير قادرة حالياً على تأكيد سلمية البرنامج الإيراني بشكل تام، وهو ما عزز القلق الدولي.
مخاوف من التصعيد
وأتى تصريح عراقجي غداة إعلان نائبه مجيد تخت روانجي في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أنه لا يمكن استئناف المحادثات الدبلوماسية مع واشنطن إلا إذا استبعدت الأخيرة تنفيذ ضربات جديدة على بلاده.
وقال تخت روانجي، في المقابلة: «نسمع أن واشنطن تريد التحدث معنا»، مضيفاً: «لم نتفق على تاريخ محدد. ولم نتفق على الآليات». وقال: «نسعى للحصول على إجابة عن هذا السؤال: هل سنشهد تكراراً لعمل عدواني ونحن منخرطون في حوار؟»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «لم توضح موقفها بعد».
وأوضح تخت روانجي أن طهران أُبلغت بأنّ واشنطن لا تريد «الانخراط في تغيير للنظام في إيران» عبر استهداف المرشد الإيراني علي خامئني، لافتاً إلى تمسك طهران بمواصلة تخصيب اليورانيوم. لكنه أبدى انفتاح طهران للتنازل عن المستوى العالي لتخصيب اليورانيوم، قائلاً: «يمكن مناقشة المستوى، ويمكن مناقشة القدرة، ولكن القول... يجب أن يكون مستوى التخصيب لديكم صفراً، وإذا لم توافقوا فسوف نقصفكم، فهذه هي شريعة الغاب».
حرب الأيام الـ12
وقال ترمب، إنه أنقذ خامنئي من الاغتيال ووجه انتقادات حادة له اتّهمه فيها بالجحود، بعدما قال خامنئي إن بلاده وجهت صفعة للولايات المتحدة.
وأطلق ترمب على النزاع بين إسرائيل وإيران اسم «حرب الأيام الـ12». وبدأت الحرب فجراً في 13 يونيو، بعدما شنت إسرائيل ما وصفته «هجوماً استباقياً» على مواقع عسكرية ونووية داخل إيران، مستهدفة أيضاً العشرات من القادة العسكريين والعلماء النوويين، في إطار ما وصفته تل أبيب بمحاولة منع طهران من امتلاك القنبلة النووية.
وردت إيران بإرسال وابل من الصواريخ على مواقع عسكرية وبنية تحتية ومدن إسرائيلية. ودخلت الولايات المتحدة الحرب في 22 يونيو بقصف ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية في فوردو، ونطنز، وأصفهان. وبعد 12 يوماً من الحرب، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في 24 يونيو.
وأفادت صحيفة «كيهان»، المقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي، بأن السلطات الإيرانية امتنعت عن إعلان اسم القائد الجديد لعمليات هيئة الأركان، أو ما يعرف بمقر «خاتم الأنبياء»، وسط تصاعد التوترات الأمنية مع إسرائيل.
وذكرت الصحيفة في افتتاحية بقلم حسن رشوند، وهو شخصية أمنية بارزة مقربة من «الحرس الثوري»، أن «العدو الصهيوني» سعى لاستهداف قيادات عليا في إيران، لكنه لم ينجح في تنفيذ مخططه.
وقتل اللواء علي شادماني، بعد أقل من 72 على توليه منصب قيادة العلميات في هيئة الأركان المشتركة بين «الحرس الثوري» والجيش النظامي، بعد مقتل غلام علي رشيد، في الساعة الأولى من الهجوم. وأكدت السلطات الإيرانية مقتل شادماني بعد أسبوع من نفي تقارير إسرائيلية باستهدافه.
وحذر الجنرال رحيم صفوي، كبير مستشاري المرشد الإيراني في الشؤون العسكرية، من رد قوي على أي «خطأ» أميركي أو إسرائيلي، مضيفاً أن «الحرس الثوري» مستعد للتحرك، وأن إيران لن تتنازل عن دماء قتلاها، مضيفاً أن الرد سيكون «أقسى من المتوقع» إذا تصاعدت التهديدات.
ونقلت وسائل إعلام «الحرس الثوري» عن صفوي،: «لدينا مواقعهم ضمن قاعدة بيانات أهدافنا، وإذا حدث أي تجاوز جديد، فسنرد بشدة تحت قيادة المرشد».
ومن جهته، حذر الجنرال أحمد وحيدي، مستشار قائد «الحرس الثوري»، من أن إيران ستستخدم إمكانيات واسعة للرد في حال تعرضها لهجوم جديد، مشيراً إلى أن القدرات الصاروخية الإيرانية في «أفضل حالاتها»، وأن «التحضيرات العسكرية للرد على العدو الصهيوني اكتملت».
بعد طائرات التجسس.. هل تعود الحرب مجددا بين إسرائيل وإيران؟
في ظل الظروف الإقليمية الدقيقة والواقع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط أمام مرحلة جديدة من "الترقّب الحذر"، فرغم التوقف الظاهري للعمليات العسكرية، إلا أن حالة الترقب والمراقبة لا تزال سيدة الموقف، خصوصًا بين إيران وإسرائيل، حيث أن كلا الطرفين يدرك أن ما بعد التصعيد ليس كما قبله، فالإيرانيون بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقهم داخليًا، سواء على المستوى الأمني أو النووي، في حين أن الإسرائيليين فوجئوا ببعض الثغرات خلال العمليات، ما يدفعهم نحو مراجعة دقيقة لاستراتيجياتهم الدفاعية والهجومية، وعلى الرغم من استمرار التحليق المكثف للطائرات التجسسية، خاصة الإسرائيلية، في الأجواء الإقليمية، لا يبدو أن الأمور تتجه إلى حرب شاملة جديدة في المستقبل القريب.
يشير الدكتور عبد المنعم سعيد بأنه يرى أن المنطقة تعيش الآن لحظة "إعادة تموضع" استراتيجية من جميع الأطراف، حيث قال:"كل من إيران وإسرائيل في حاجة إلى مراجعة شاملة. الإيرانيون يعيدون ترتيب أوضاعهم الداخلية، خاصة بعد الضربات الأخيرة، والإسرائيليون بدورهم اكتشفوا مفاجآت غير متوقعة خلال المواجهات، مما يدفعهم إلى إعادة تقييم خططهم العسكرية والاستخباراتية".
وأضاف، في تصريحات خاصة لـ "نيوز رووم" أن "الطرفان سيظلان في حالة تلصص دائم، فالحرب لم تعد خيارًا مطروحًا بقوة، لكن الصراع انتقل إلى ساحات خفية، أبرزها الاستخبارات والتكنولوجيا".
ويؤكد سعيد أن الولايات المتحدة تلعب الآن دور الوسيط، وتسعى إلى منع تجدد أي صدام عسكري مباشر، مؤكدًا أن الولايات المتحدة، بدورها، تتحرك بقوة لاحتواء الوضع، مدفوعة برغبة واضحة في منع تجدد أي صراع موسّع في المنطقة.
هل تتجه إيران نحو تصنيع القنبلة النووية؟ وهل هي قادرة؟
وقال الدكتور عبد المنعم، أن إيران، من جانبها، تواصل إرسال إشارات متضاربة، فبعد إحدى الضربات الإسرائيلية الأخيرة، صرّحت بأنها قامت بنقل المواد النووية المخصبة إلى أماكن أكثر أمانًا، ونشرت صورًا توثّق عملية النقل عبر شاحنات تم رصدها قبل الضربة الأمريكية، في ما بدا وكأنه رسالة بأنها لا تزال تسيطر على الموقف.
لكن الموقف تغير بعد سلسلة من الضربات التي نُفذت في قطر ضد منشآت لها علاقة بإيران، إذ بدأت طهران تُقر بأن الضربات الأمريكية ألحقت ضررًا حقيقيًا ببرنامجها النووي.
هذا التغير المفاجئ في النبرة أثار تساؤلات حول ما إذا كانت التصريحات الجديدة جزءًا من تفاهمات غير معلنة بين إيران وواشنطن، خصوصًا في ظل التقارير التي تحدثت عن خلافات بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، بسبب استخدامه لمصطلحات تفيد بـ"القضاء على البرنامج النووي الإيراني"، وهي تصريحات لم تتطابق لاحقًا مع الحقائق الميدانية التي كشفت عن وجود ضرر دون تدمير كامل.
كما قال، حتى الآن، لا يوجد أي إطار رسمي أو مباشر للتفاهم بين إيران وإسرائيل، بل ما يجري يتم عبر ضغوط دولية وأطراف وسيطة، أبرزها الولايات المتحدة.
وأضاف قائلًا: لكن سيتم حدوث وساطة من خلال التدخل الامريكي بانها تضغط على ايران بانها تخفض موضوع التخصيب ليكون اكثر من 3.7 لكن في نفس الوقت اقل بكثير من 60% او انها تعمل على هذا التخصيب على بضع سنوات ولكن في نهاية المطاف يتوصلوا او يتفقوا على شئ واحد.
في المقابل، تصر إسرائيل على تجميد كامل للبرنامج النووي الإيراني، دون الاكتفاء بخفض مؤقت أو جزئي، خشية تحوّله إلى برنامج عسكري في المستقبل، حتى لو تم الترويج له بأنه "ذو أغراض سلمية".
ورغم أن الطرفين يمتلكان قدرات علمية وتكنولوجية متقدمة، فإن الاختلاف الجوهري في النوايا والاستراتيجيات لا يزال يشكل عقبة رئيسية أمام أي اتفاق طويل الأمد، خصوصًا في ظل انعدام الثقة المتبادل، والانخراط المستمر في حرب الظل.