الطوفان بعد عام.. ماذا غيّر؟ وما الذي سيتغيَّر؟!

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


ماذا عن ازدواجية المعايير ومقارنة الغرب للاحداث ؟

افراسيانت - هم محاصرون في حسابات العالم، ومنذ سنوات عديدة، وفي منطقة صغيرة معزولة، فقراء محاصرون تحت رحمة عالم لا يرحم، يموت مرضاهم ممن يعانون مرضًا عضالًا من طول انتظار ليُسمح لهم بالسفر للعلاج والاستطباب، وحتى إذا ما سُمح لهم بالسفر قد يزداد مرضهم وتشتد آلامهم بمرورهم عبر معبر يُعاملون فيه غالبًا بفظاظة وقسوة من حراس الحدود.

عام من القتل والتدمير والإبادة الصهيونية، يقابله ويواجهه صمود  وتضحيات وثبات، ورضا بقدر الله والركون واللجوء إليه، من غزة ومقاومتها وأهلها

نسي العالم فلسطين قضية ووطنًا واحتلالًا وألمًا، سقطت غزة المحاصرة أو كادت من ذاكرة العالم والعرب والمسلمين، وتسارع المطبعون ليطبعوا، والمتهافتون ليعقدوا اتفاقيات واتفاقات مع محتل لا يرقب فينا إلًّا ولا ذمة. وبعد أن سلبوا من الناس أوطانهم وثرواتهم وخياراتهم السياسية، أرادوا أن يفتنوهم عن دينهم وعقيدتهم، كما أرادوا من قبل أن تكون خيمة المنافي بديلًا عن الوطن والدار والديار.

في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تفجر الغضب الفلسطيني طوفانًا غيّر العالم، وسيغيره ويغيره ويغيره.. تفجر الغضب رفضًا للذل والمهانة والقهر والاعتداء والاستعباد والنهب واغتصاب الأرض والثروات، ليثبت المحاصَر والمجوَّع أن الضعيف إذا تسلح بالإرادة والإيمان قادر على أن يرد صفعات الطغاة، وأن يلطم وجوهًا انتشت بسكرة القوة والإمكانات الكبيرة عدة وعتادًا، بل هو -أكثر من ذلك وأبعد- قادر بعون الله على أن يغير العالم بأسره.

عام من القتل والتدمير والإجرام والإبادة الصهيونية، يقابله ويواجهه صمود وبطولات وتضحيات وثبات، ورضا بقدر الله والركون واللجوء إليه، من غزة ومقاومتها وأهلها.. أحداث جسام عرت العالم الغربي الرسمي، وفضحت نفاقه وكذبه السياسي والأخلاقي. ويكون قدر الله أن تسبق الطوفان – وتتزامن معه من بعد – الحرب الروسية الأوكرانية، لتفضح المقارنةُ بين الحدثين والحربين في مواقف الغرب نفاقًا ودجلًا، وازدواجية في القيم والمعايير، تقزز المشاعر.

أكد الطوفان ما كشفه الربيع العربي وما تلاه من استهدافه من أنظمة إقليمية، أن الاستبداد والاحتلال وجهان لعملة واحدة

غيّر طوفان الأقصى المشهد السياسي الغربي، وفجّر مشاعر شعبية وطلابية غربية غاضبة، حتى من بعض اليهود المنصفين، وأثّر على المشهد السياسي والانتخابات في بريطانيا وفرنسا وغيرهما.. وضع الطوفان وتداعياته القضية الفلسطينية في بؤرة الأحداث، وفكك الروايات الصهيونية وعرّاها، حتى أصبحتَ تسمع وترى شعار "فلسطين من النهر إلى البحر"، وصداه يتردد في عواصم غربية ودول عالمية!.  

من كان له أن يتخيل وزيرة إسبانية تتحدث على الملأ بأن فلسطين من النهر إلى البحر؟ من كان يتصور أن مهرجانات السينما العالمية، وأن فنانين مشهورين ونجومًا فيها يخرجون على المسارح لتلقى جوائزهم تحت بؤر الاهتمام الإعلامي العالمي، فيعبّرون عن تضامنهم مع فلسطين، ومع معاناة شعبها وأهلها؟

نجح الطوفان، ونجح المحاصرون في غضون أسابيع وشهور في إحداث تغييرات دراماتيكية سياسيًا وإعلاميًا وفكريًا على المستوى العالمي عمومًا والغربي خصوصًا، فيما فشل في إنجاز معشار عشر ذلك النظام العربي الرسمي وجامعته وسفارات دوله المنتشرة في الأصقاع، هذا إذا ما افترضنا أن ما كان يعلن لعقود عن نصرة القضية الفلسطينية، فيه شيء من الجدية والمصداقية.

فضح الطوفان مجمل الأنظمة العربية، وكشف عوار شعاراتها التي رُفعت أعوامًا وعقودًا، وإذا بالجيوش العربية وتسليحها وصفقاتها الفلكية، والتي استهلكت الكثير من الموارد المادية، لا ترد عدوًا ولا تساند صديقًا، بل هي في غالبيتها لحماية الاستبداد ولحراسة الاحتلال.

أكد الطوفان وما تلاه من استهدافه من أنظمة إقليمية، تآمرت على حريات الشعوب فيما كانت تتهافت للتطبيع مع دولة الاحتلال، أن الاستبداد والاحتلال وجهان لعملة واحدة.

رغم كل الأحداث الكبيرة التي جرت ووقعت في العام الماضي، فإن تداعيات طوفان الأقصى وتبعاته ما تزال – بتقديري – في بداياتها، وإن بذور التغيير ما زالت تنمو في أحشاء براكين وزلازل سياسية تبدو في الأفق.. إن ما يحدث من تغييرات في العقلية والنفسية العربية والمسلمة كبيرة وعظيمة، حتى وإن غابت أو غُيّبت بفعل عوامل كثيرة.. تغييرات هي أشبه بـ "طنجرة الضغط"، التي تستطيع أن تكتم التفاعلات وتلجم الغضب من الانفلات إلى حد معين، ثم يكون الانفجار الكبير مفاجئًا ومدويًا.  

يدين العرب والمسلمون لغزة ولمقاومتها وشعبها وتضحياته بالكثير الكثير، فلقد أعادوا لنا شيئًا من إنسانيتنا وكرامتنا، وأعادوا للعرب والمسلمين شيئًا من هيبة اهتزت وتزعزعت لعقود

لقد أحيا طوفان الأقصى مفاهيم ظن كثيرون أنها ماتت أو تم قتلها، وأعاد بطولات كنا نقرأ عنها في بطون كتب التاريخ، وكان البعض يظنها من المبالغات، فرأيناها رأي العين.

إن عجز إسرائيل – الدولة التي تعربد سياسيًا وعسكريًا في المنطقة – عن السيطرة على غزة، بعد عام من الإبادة والوحشية والإجرام والقصف العنيف، كشف هشاشة المشروع الصهيوني، والذي – بحسب ترامب – سينتهي حالما يتوقف عنه الأكسجين الأميركي، سينهار في حال تحصلت الشعوب العربية على حرياتها السياسية، وأصبحت قادرة على المشاركة الحقيقية في القرارات السياسية.

يدين العرب والمسلمون لغزة ولمقاومتها وشعبها وتضحياته بالكثير الكثير، فلقد أعادوا لنا شيئًا من إنسانيتنا وكرامتنا، وأعادوا للعرب والمسلمين شيئًا من هيبة اهتزت وتزعزعت لعقود، سلبها منا الاستعمار بداية، ومن بعده الاحتلال وأنظمة البؤس والاستبداد والفساد.  

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology