افراسيانت - زكريا شاهين - ليس جديداً أو مفاجئاً استخدام امريكا لحق الفيتو الذي يخولها الوقوف ضد اتخاذ القرارات الدولية ، واستخدمت هذا الحق في مجلس الأمن ضد مشروع قرار بشأن اعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل ، ونقل السفارة الأمريكية اليها .
مما لا شك فيه , أن ذلك يثبت نوايا الولايات المتحدة التآمرية ، وانحيازها بالكامل للاحتلال والعدوان الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ، ويعتبر استهتاراً بالمجتمع الدولي ، واستفزازاً للعالم بأسره ، الذي رفض " وعد ترامب " .
ولعل ما قاله المندوب الروسي في جلسة مجلس الأمن ، الذي قال : " أن كل الخطوات الأحادية تصعد حدة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي " واعلن عن استعداد روسيا لعب دور الوسيط النزيه العادل في تسوية الصراع بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ، على أساس انشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية . اكبر مثال على ان تداعيات هذا الفعل تضر بمصداقة الولايات المتحدة التي لم تتصرف كما يملي عليها القانون الدولي وانما تصرفت وفق رؤية رئيس يبدو جاهلا او متجاهلا حقيقة ان مخالفة الشرائع والقوانين الدولية لن تمر هكذا وببساطة.
لكن ومن المثير للاستهجان والاستغراب أنه في هذا الوقت بالذات ، الذي أعلن فيه الرئيس الامريكي قراره بخصوص القدس ، ويحتفل فيه الكيان الصهيوني وزعيمه بنيامين نتنياهو بالقرار الامريكي المجحف الأرعن والغبي اعتبار القدس عاصمة لاسرائيل يتم تسريب ما يوصف بالمعلومات عن ان بعض الأقطار العربية تتحدث عن التطبيع مع اسرائيل . ولعل اكثر مثال على ذلك , الزيارة التي قام بها وفد بحريني الى الكيان الصهيوني قبل ايام .
ليس مطلوبا من الدول فتح جبهات حرب وقتال ضد الاحتلال الاسرائيلي ، لان موازين القوى بحسب هذه الدول تميل الى صالح الكيان الصهيوني حتى لو لم تطلق هذه الدول طلقة واحدة .
المطلوب.. اجراءات عقوبية ضد اسرائيل وامريكا ، بدلاً من التطبيع والسعي لاقامة العلاقات معها ، والعمل على دعم قضية الشعب الفلسطيني ، والدفاع عن القدس العربية ، وهي أهم قضية في الوقت الحاضر ، وأقل شيء هو طرد السفراء من بلادهم واغلاق السفارات ، لارغام امريكا واسرائيل الانصياع للقرارات والمواثيق الدولية ، ووقف الجرائم المتواصلة منذ سبعة عقود دون توقف ضد جماهير الشعب الفلسطيني .
كذلك فانه لا يكفي ادانة القرار الامريكي والعربدة الامريكية واستنكار الفيتو ، فلا مناص من اجراءات وخطوات عملية وواقعية لاجبار امريكا التراجع عن " وعد ترامب " ، ووقف خروقاتها هي واسرائيل للقانون الدولي ، وادارة ظهرها للمجتمع الدولي والانساني .
الولايات المتحدة تعتبر الامم المتحدة منبرا خاصا لها لتمرير توجهاتها في الهيمنة وفرض التبعية على دول العالم . وانتهاج سياسة السيطرة والبلطجة والتهديدات .
لم يعد الحديث عن ازدواجية المعايير امرا مكررا ,وانما هو واقع وقائم , فالولايات المتحدة استخدمت الامم المتحدة ومجلس الامن لفرض عقوبات على كوريا الشمالية بحجة امتلاكها للسلاح النووي , وايضا انها تستخدم الامم المتحدة لمحاولة التنصل من الاتفاق النووي مع ايران دون النظر الى ان هذا الاتفاق قد صيغ بوجود شركاء اخرين ومنهم من يحق له استخدام حق الفيتو ايضا .ثم انها لا تتورع عن تهديد الدول فيما اذا صوتت مع المشروع الذي قدمته مصر الى الجمعية العامة وتلوح بوقف مساعداتها لهذه الدول دون اي اعتبار الى ان هذه الدول يمكن ان لا ترضخ للتهديد حين تعتبر ان هذه التهديدات تمس كرامتها وقرارها المستقل كما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية حليفتا الولايات المتحدة حين صوتتا الى جانب القرار, بل ان كندا التي لطالما كانت تقف الى جانب امريكا في الامم المتحدة لم تقف هذه المرة مع الولايات المتحدة.
اسرائيل التي يدعمها ترامب , هي ايضا تضرب بعرض الحائط كل القرارات التي تصدر عن الامم المتحدة اذا لم تكن لصالحا , رغم ان الكثير من هذه القرارات واذا ما اتخذت بحق دولة اخرى , فانه سرعان ما تنطلق المطالبة بجرها الى المحاكم الدولية باعتبارها ترتكب جرائم حرب , لكن اسرائيل التي احتفلت بقرار ترامب , اقدمت مباشرة على اعلان اقامة مشاريع استيطانية كبرى وضم ثلاث تجمعات استيطانية، (عتصيون، ومعاليه أدوميم، ومستوطنة اريئيل) الى القدس الكبرى وكانما ذلك هو اعلان ورسالة واضحة بان الاسرائيليين غير راغبين في السلام، لذلك فان الحديث عن رعاية جديدة لعملية السلام يعتبر امرا غير واقعيا لرفض احتمالية تعامل اسرائيل مع اي وسيط جديد لا يكون مقبولا بالنسبة لها.
امريكا وسلاح الفيتو !!
فيما لا تتورع الإدارة الأمريكية عن اللجوء إلى "الفيتو" في تعبير عن إخفاق وفشل، كون "الفيتو" السلاح الدبلوماسي الأخير الذي تستخدمه الدول، وهو سلاح مكروه على مستوى شعوب العالم، لأنه يرمز لنفوذ وتفرد وهيمنة، وهو نتاج تقسيمات وحروب، ويعبّر عن ثقافة قديمة، خاصة وأن العالم يتغيّر وأن التحالفات تتبدل، وأن المصالح الدولية غير ثابتة، فمثلاً الباكستان في حربها المعروفة مع الهند، قد حاربت بالسلاح والدعم الأمريكي والهند كانت صديقة مقربة للاتحاد السوفييتي وحاربت بأسلحته، وها نحن نشهد تبدلاً في الأدوار، حيث تقترب باكستان من روسيا وتتخذ مواقف أكثر استقلالية وعدالة عن المواقف الأمريكية، وتبدي دعماً أوضح للقضية الفلسطينية.
في مشهد آخر فإن إيران تتحالف مع روسيا، رغم اختلافها على المستوى الايدولوجي، أما الصين التي تناقضت في التفسير والنهج الأيديولوجي للماركسية مع الاتحاد السوفييتي السابق، مع أن الدولتين كانتا تحت مظلة الاشتراكية، نرى اليوم أن روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وغياب النمط الاشتراكي، تتحالف مع الصين الاشتراكية، ويبدو تحالفهما الصاعد اقتصادياً وعسكرياً، أنه في طريقه ليكون القوة العسكرية والاقتصادية الأكبر في العالم في منظور زمني لا يتعدى العشر سنوات (روسيا بإمكانياتها العسكرية الضخمة والصين بثقلها الاقتصادي الكبير والمكتسح).
بعض من خلفيات القرار ولماذا اطلق علية "صفقة "ترامب تاور"
في خطاب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، شدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنّه مختلف عن الرؤساء الذين سبقوه، وقال إنّه سينفذ الوعد الذي قطعه على نفسه للناخبين الأمريكيين. سيكون من الصعب علينا الاقتناع بأن مسألة القدس بالنسبة لترامب هي مسألة عقديّة أو مبدئية، لأنّ الأقرب إلى الحقيقة هو أن القدس كانت مجرّد صفقة، تم الاتفاق عليها في «ترامب تاور»، حيث تعود الرئيس الأمريكي ورجل الأعمال عقد صفقاته الكبرى.
الأسئلة التي يمكن أن نطرحها هنا، من هو الطرف المقابل الذي عقد مع الرئيس الأمريكي صفقة تسليم القدس للاحتلال؟ وبأي ثمن؟
صحيفة «نيويورك تايمز» التي يعتبرها ترامب معادية له، ويخصّها بنصيب كبير من تدويناته على «تويتر»، قالت إن القرار جاء بعد زيارة شيلدون أدلسون، الملياردير اليهودي، لبرج ترامب، وذلك قبل عشرة أيام من إعلان القرار، وهناك اجتمع أدلسون بصناع القرار في البيت الأبيض، وبصديقه مورتن كلين وهو رئيس المنظمة الصهيونية، في أمريكا، ولم ينته الاجتماع إلا بالاتفاق النهائي على القرار الذي يقول عنه أدلسون إنه جاء متأخراً.
هناك جملة عوامل تقف خلف قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل. وهي مجتمعة تسحب من ترامب الادعاء بأنّه سيكون الرئيس الأفضل للولايات المتحدة، وبأنه سيجعل أمريكا قوية من جديد.
العامل الأوّل يتعلق بكون ترامب رجلاً ذا شخصية ضعيفة، أمام إغراءات المال. فبالعودة إلى الحملة الانتخابية لترامب سنجد أن أدلسون قد دفع نحو 20 مليون دولار لتمويل الحملة، وأمام تلك الأموال التي تدفقت على حملته الانتخابية، تعهد مرشح الحزب الجمهوري، لأدلسون بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة إسرائيل. خاصة أن ترامب هو من طلب مساعدة أدلسون، بعد أن تخلى قسم كبير من الجمهوريين عنه، ورفضوا ترشيحه، واعتبروه شخصاً يمكن أن يضر بمصالح الولايات المتحدة في المستقبل، وطبعاً فإن لوبيات النفوذ تستغل مثل هذه المواقف، وهي مدركة أن الرئيس الجديد سيكون أداة طيّعة بيدها، وهذا ما يتحقق على أرض الواقع.
لا بد من الحديث هنا عن أن أدلسون ليس هو الشخصية الوحيدة المؤثّرة في قرار ترامب، لأنّ المحيطين به، هم أيضاً من مناصري إسرائيل، بل من غلاة نصرتها، وعلى رأسهم مستشاره لشؤون الشرق الأوسط ومبعوثه الخاص إلى هناك، جيسون جرينبلات، اليهودي المتعصب الذي يرتبط بعلاقات بإسرائيل، ودرس بمدرسة يشيفا اليهودية الدينية، وألف كتاباً حول رحلة العائلة إلى إسرائيل. ويشارك هذا الرجل، الذي كان وكيلاً للرئيس الأمريكي في رحلات دبلوماسية إلى أنحاء المنطقة، لا للقاء الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين وحدهم، بل للاجتماع مع مسؤولي البلدان العربية الذين يسعون للتوصل إلى حل للنزاع المستمر على مدار عقود من الزمن.
العامل الثاني يتعلق بعوامل أسرية ضاغطة تمثلت في الدور الذي تلعبه ابنة الرئيس إيفانكا وزوجها اليهودي جاريد كوشنر، والذي يعتبر عرّاب القرار، وهو الذي زار المنطقة في أكثر من مرة، وزار الكيان والتقى قادة الاحتلال الذين حثوه على التأثير على والد زوجته لتحويل الوعد إلى حقيقة واقعية. وقد ترجم ترامب هذا التأثير في خطابه بمناسبة عيد «الحانوكا» الذي ألقاه أمام الجالية اليهودية في واشنطن، حيث أشاد بصهره كوشنر وبابنته وأحفاده واعتبر أن الأمة اليهودية هي أمة استطاعت أن تقاوم كل أنواع الظلم، وأن استعادة القدس هي نصر لتلك الأمة.
يأخذ المليارات ويهدد بقطع الملايين
لا يتذكر المراقبون موقفا يحظى بالاجماع الدولي كما هي الحال ضد قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل . في مجلس الأمن كانت المندوبة الاميركية وحدها ضد 14 دولة اخرى . العالم الاسلامي حين اجتمع في اسطنبول كان ضد القرار . والعالم العربي يقف واحدا موحدا ضده - الاتحاد الاوروبي كدول منفردة أو مجموعة كانت تعارض والصين وروسيا والهند كانت ضده ايضا.
التظاهرات امتدت عبر العالم من اندونيسيا شرقا حتى الولايات المتحدة نفسها غربا مرورا بدول اوروبا جميعها . والأهم من كل هذا فإن الشعب الفلسطيني وقف بقوة دعما للقدس ، ومنذ إعلان ترامب حتى الأمس لم تتوقف الاحتجاجات الوطنية والأرجح إنها لن تتوقف في الأيام القادمة ، وكان يوم امس حافلا بمظاهر الاحتجاج في مختلف أنحاء الضفة وغزة .
لم يجد ترامب صوتا واحدا معه أو دولة واحدة تؤيده سوى اسرائيل وحدها فقط . وكان المفترض في هذه الأحوال ان يعيد ترامب النظر بقراره ، إلا انه تصرف بالعكس تماما .
قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس لتتخذ قرارا ضد قراره حول القدس بعد استخدام الفيتو في مجلس الأمن ، هدد ترامب بقطع المساعدات عن كل الدول التي قد توصت بالايجاب وزعم «انهم يتلقون مئات الملايين من الدولارات ثم يصوتون ضدنا». وكانت السفيرة الاميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي قد بعثت رسائل تحذير الى عدد من ممثلي الدول بأنها ستقدم كشفا الى ترامب بأسماء المؤيدين لاتخاذ العقوبات ضدهم.
والنقطة الأكثر غباء وجهلاء في هذه المواقف تتعلق بالمساعدات المالية التي قال انها بالملايين ونسي ترامب انه زار السعودية مؤخرا عاد وفي جيوبه نحو 500 مليار دولار وليس ملايين الدولارات ، وينسى ايضا انه أخذ كل هذه الأموال وغيرها من الأرصدة وشراء الأسلحة واستيراد المنتجات الاميركية التي تقدر بالمليارات ايضا ، لكنه غير ملام في ذلك , فهو يتصرف بعقلية التاجر النصاب ثم يتحول الى عقلية البلطجي الذي يهدد كل من لا يؤيد سياساته. وايضا لا يمكن النسيان كيف تشدق بمحبته للاسلام والمسلمين فيما تصريحاته اليومية تصب عكس ذلك , بل ان الحظر الذي فرضه على المتجهين الى الولايات المتحدة كان موجها للمسلمين بالدرجة الاولى . واذا ما كانت حجته لحماية البلاد من الارهاب فان منفذي العمليات الارهابية في امريكا واوربا هم من مواطني تلك الدول.
واشنطن .. كيف تفكر في عقاب من صوتوا مع قرار الجمعية العامة ؟
مباشرة وبعد تقديم مصر لمشروع القرار الى الجمعية العامة , في مواجهة قرار "ترامب" باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل , بدأ الكونغرس الامريكي بمناقشة مشروع تحت لافتة عنوان "دعم الأقباط في مصر"، وذلك بداية الرد على مصر .وهذا ما اعتبرته لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري "مشروع القانون الجديد، الذي عُرض على الكونغرس الأمريكى" تربصا بمصر بعد موقفها من القضية الفلسطينية لفتت اليه وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، حين قالت : أن هناك تربصا واضحا من الإدارة الأمريكية بمصر، بعد موقفها الواضح تجاه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها الأخير والقوى للقضية الفلسطينية ، إذ ناهضت مصر القرار بكل قوة.
اضافة الى تاجيل زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس لمصر، ومطالبات البعض بعدم استقباله، حيث أن “الزيارة (كان مقرر لها الثلاثاء الماضي) تأجلت”، دون تحديد موعد جديد.
يذكر أن هناك عدة مشروعات قوانين معروضة على الكونغرس الأمريكي، لأول مرة في تاريخ القضية القبطية، تستغل بعض الأحداث في مصر وتحاول توظيفها في إطار سياسي.
احاديث عن اللسلام .. اي سلام ؟
في المحصلة ..أثار اعتراف ترامب، في 6 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بالقدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة واشنطن إلى المدينة المحتلة، رفضاً دولياً واسعاً.
والخميس الماضي، أقرت الأمم المتحدة، بأغلبية 128 صوتا، مشروع قرار قدمته تركيا واليمن، يؤكد اعتبار مسألة القدس من “قضايا الوضع النهائي، التي يتعيّن حلها عن طريق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
يكثر المسؤولون الإسرائيليون، ومعهم بعض النظام الرسمي العربي، من دعوة الفلسطينيين إلى الاعتراف بالوقائع السياسية والميدانية. ويبررون هذا التوجّه بمقولة أن رفض التسليم بهذه الوقائع التي فرضها الاحتلال، ومقاومتها لن تؤدي سوى إلى المزيد من التضحيات، ولن تغيّر من الواقع شيئاً. الدعوة نفسها تجددت في أكثر من مناسبة على لسان رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والأمر نفسه تكرر في أكثر من محطة سابقة، وشكّل أساساً وتبريراً لمسار التسوية.
لم تنطلق هذه المواقف الإسرائيلية، وبعض العربية، من فراغ، أو لكونها مجرد تسجيل نقاط في «زحمة» المواقف التي تضج بها الساحة الفلسطينية. بل هي صدى وترجمة لاستراتيجية ثابتة منذ مرحلة الاستيطان الصهيوني، ما قبل اعلان الدولة عام 1948، وما زالت تتواصل حتى الآن. ارتكزت هذه الاستراتيجية إلى سياسة فرض الوقائع الاستيطانية الذي استند بدوره إلى إدراك مسبق – كجزء من الخطة الاستعمارية – بتناغم وتكامل مواقف وأداء الدول العظمى، مع هذا الواقع المفروض. وبالنتيجة كان يتم رسم المسارات التي تلي، انطلاقاً من الوقائع الاستيطانية المفروضة باعتبارها من الثوابت، بحسب كل مرحلة.
أولى المفاعيل الرسمية الدولية لهذه الاستراتيجية، برزت في قرار الأمم المتحدة (181) الذي نص على إقامة دولة يهودية في عام 1947. واستندت حيثيات ذلك القرار إلى أن الصراع الفلسطيني ــ اليهودي الصهيوني، الذي كان قائماً في حينه، لم يكن بالإمكان حله إلا بتقسيم فلسطين بين دولتين يهودية وفلسطينية (لم تقم). وفي الحقيقة، لم يكن القرار الدولي إلا اضفاء شرعية على الواقع الذي فرضته الحركة الصهيونية، في السنوات التي سبقت، عبر استقدام مئات آلاف المستوطنين، وزرعهم في المستوطنات التي تم بناؤها بحماية ودعم الاحتلال البريطاني. وهو ما أدى إلى انتاج واقع ديموغرافي جديد على الأرض، استند إليه قرار التقسيم.
بعد اعلان دولة إسرائيل، تم تثبيت حدود الخط الأخضر (حدَّدته الأمم المتحدة بعد هدنة الـ49 التي تم التوصل اليها بعد حرب عام 48)، ومن ثم تكثيف الاستيطان في الجزء الذي كان مخصصاً للدولة الفلسطينية (الجليل والمثلث والنقب)، وفق قرار التقسيم (181)، وتم احتلاله خلال الحرب. وحرصت إسرائيل على استيطان تلك المناطق بهدف فرض وقائع تجعلها جزءاً من الدولة، وإخراجها من أي امكانية نظرية للتفاوض عليها مستقبلاً. ونتيجة الخضوع لسياسات فرض الوقائع الصهيونية والدولية، بات الآن مجرد التفكير بإمكانية المطالبة بالأراضي التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية، حتى لو بالاستناد إلى قرار دولي، (قرار التقسيم) ضرباً من «الهلوسة» السياسية.
بعد حرب عام 67، بدأت إسرائيل تنفيذ استراتيجية فرض واقع استيطاني يكرس الاحتلال ويُهوِّد الأرض في كل الأراضي التي تم احتلالها... لكن فيما يخص الضفة الغربية التي تحتل مكانة خاصة في الفكر والاستراتيجية الصهيونية، وبعد مراحل من المفاوضات التسووية... استطاعت إسرائيل أن تجهض مشروع إقامة دولة فلسطينية – وفق سقف رهانات أوسلو - عبر خارطة استيطانية مدروسة وموزعة على مختلف أراضي الضفة. وباتت الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، (اريئيل، معاليه ادوميم وغوش عتسيون) التي تضم الأغلبية الساحقة من مستوطني الضفة (يبلغ عددهم إلى جانب مستوطني القدس الشرقية نحو مليون مستوطن)، خارج إطار امكانية الاخلاء في أي تسوية نهائية مفترضة مع السلطة. وتم تحصين هذا المفهوم عبر اجماع إسرائيلي رافض لاخلاء هذه الكتل في أي اتفاق نهائي، وعبر موقف أميركي رسمي، تجسّد برسالة من الرئيس جورج بوش إلى أرييل شارون في عام 2004، تعهّد فيها بأن تبقى هذه الكتل جزءاً من السيادة الإسرائيلية في أي تسوية نهائية.
وتؤكد العديد من التقارير الإسرائيلية بأنّ الوفد الفلسطيني المفاوض كان يطالب بتبادل أراضي في مقابل هذه الكتل، الأمر الذي يعني تسليماً ضمنياً بأن تكون هذه الكتل جزءاً من دولة إسرائيل، في أي تسوية نهائية.
استراتيجية فرض الأمر الواقع في مدينة القدس الشرقية، بدأت بها إسرائيل في وقت مبكر. في المرحلة الاولى، تم توسيع سلطة بلدية القدس إلى العديد من القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس الشرقية بهدف السيطرة على أراضيها. ثم بادرت إلى سياسة استيطانية مكثفة في القدس الشرقية... وتم في عام 1980، سنّ قانون أساس في الكنيست، يعلن القدس عاصمة إسرائيل، وتم بموجبه (أي وفق مبدأ دستوري)، ضم القدس الشرقية على أنها جزء من عاصمة الكيان الإسرائيلي.
وتم تحصين مكانة القدس التي حددها القانون الإسرائيلي، باجماع سياسي يشمل كافة التيارات والأحزاب اليهودية، على رفض اخلاء الأحياء اليهودية من القدس الشرقية، في أي تسوية نهائية. وامتد هذا الإجماع – تقريباً – على مبدأ تقسيم القدس.
لدى التدقيق في مسار الاستراتيجية الإسرائيلية، يلاحظ أن ما شجعها على المضي بها، هو استنادها إلى حماية غربية وأميركية، والأهم رهانها وإدراكها بأن الطرف العربي كان يتكيّف ويسلم بكل سقف تفرضه من خلال الوقائع الاستيطانية. ومنذ بدء مسارات التسوية ارتفعت لديها الرهانات على الهرولة العربية على قاعدة أنّ من لم يلتحق اليوم بقطار التسليم بالوقائع المفروضة سوف يلتحق غداً. ومن يتواصل معها اليوم سراً، سوف يجاهر غداً بعلاقاته.
تتويجاً للمسارات السابقة، أتى موقف ترامب بالاعلان عن القدس، عاصمة لإسرائيل، الذي هو في الواقع «شرعنة» أميركية للوقائع التي فرضتها إسرائيل، في ظل صمت عربي، واحتضان أميركي. مع ذلك، تبقى مفاعيل هذه الإجراءات والمواقف الإسرائيلية والأميركية، مرتبطة بخيارات الشعب الفلسطيني، كونه رأس حربة المواجهة على أرض فلسطين، ومن خلفه القوى الإقليمية الداعمة. وليس من المبالغة القول إن «العدوان الأميركي» على القدس، ينطوي على امكانيات فرص كبيرة، كونه كشف عن حقيقة أن الرهان على دور أميركي يتمتع بقدر من التوازن – حتى بمعايير أنصار التسوية – لم يكن سوى أوهام، استغرقت من عمر الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، واستنزفت قواه في مسارات غير مجدية. وهو ما يعني أن الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية، ومعها التطورات الاقليمية، تشكّل فرصة ودافعاً، لبلورة خيارات مصيرية سوف تكون لها مفاعيل تاريخية على حاضر ومستقبل فلسطين والمنطقة. وفي هذه الحالة، يتم كسر حلقات هذا المسلسل التاريخي الذي سبق أن شجع إسرائيل على التمسك بمقولة أن فرض الوقائع يدفع (بعض) الطرف العربي للتسليم به، والتكيف معه.
بعد تحديه للعالم وإعلانه القدس عاصمة لدولة الاحتلال، واعتزامه نقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة بدلا من تل أبيب، تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتدارك ردود أفعال الدول الغاضبة من قراره، والتي وصلت بعضها إلى الدعوة لعزل ترامب، وتراوحت تلك التعاملات ما بين التهديدات والضمانات ومحاولات التهدئة من أجل امتصاص الغضب العالمي.
جهود السلام
تعهدت الإدارة بأن تلك الخطوة لن تؤثر على الجهود الأمريكية لإحلال السلام في الشرق الأوسط، والتي اعتبرها البعض أنها انتهت مع القرار.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت: "العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأخري لديها قمم ومنخفضات. بعض الأيام أفضل من الأخرى، نتطلع لاستمرار تلك المحادثات نحن على ثقة من ذلك.
وأوضح بعض مساعدي ترامب الذين حذوا معه في هذا الشأن أن قراره جاء اعترافا بما هو موجود على أرض الواقع، ويوجد العديد من المؤسسات الإسرائيلية المهمة بالقدس والتي تشمل مقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والكنيسيت كما أن الزيارات المهمة تتم بها.
محاولات للتهدئة
وكان وزير الخارجية الأمريكي أعلن في بداية الشهر الجاري أن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول القدس لا يعني البت بوضعها النهائي، مشيرا إلى أن "الوضع النهائي للقدس سيترك للتفاوض بين الطرفين".
كما طالبت أمريكا إسرائيل بتهدئة رد فعلها حيال اعتراف واشنطن بالقدس كعاصمة لإسرائيل؛ نظرا للمخاوف الأمريكية من ردات فعل عنيفة، والنظر في التهديدات المُحتملة التي تتعرض لها المنشآت الأمريكية أو من يحملون الجنسية الأمريكية.
إحياء السلام
وتعول إدارة ترامب على مصر بشكل خاص باعتبارها أول دولة عربية ابرمت معاهدة للسلام بين العرب والإسرائيليين بالشرق الأوسط، ولكن مصر كانت من أشد الدول المعارضة للقرار ودعت للتصويت ضد القرار بالأمم المتحدة كما صوتت ضده بالجلسة الطارئة للجمعية للأمم المتحدة والتي عقدت الخميس الماضي.
كما تسعى لدفع الأردن للدعوة للتعامل مع القرار بدبلوماسية، خصوصا أن الأردن تعتبر حجر الأساس في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. فيما يقاوم الاردن كافة الضغوط سواء من البعيد او القريب .
تهديدات بقطع المساعدات
وهدد ترامب الأسبوع الماضي بقطع المساعدات عن الدول التي ستصوت ضد قراراه بالاعتراف بالقدس، في خطوة اعتبرها البعض أنها ستزيد من عزلة أمريكا وستفسح المجال لآخرين لفرض سيطرتهم في الشرق الأوسط.
ومن الجدير بالذكر أن ردود الأفعال الغاضبة على قرار ترامب جاءت أقل من المتوقع فلم يقال سفراء أمريكيون ولم تلحظ أي عمليات بالسيارات وكذلك لم يتم تنفيذ أية أعمال إجرامية ضد السياح الأمريكيين.
بعد رفض قرار ترامب في ظرف عدة أشهر من الحكم لم ينجز ترامب من الأعمال الجدية حقا سوى واحدة وهي زرع الشك في نفس المواطن الأمريكي . وبالنسبة للأمة الإسلامية لم يأتيها من أمريكا سوى ما يخيب أملها ويحزنها ويفسد أحوالها . لقد كان ترامب يظن في قرار نفسه أن مجرد وصوله الى الحكم كفيل بجلب رجال المال الصهاينة نحوه وهذا ليس لمصلحة أمريكا بل لمصالح اعماله الخاصة ، وهكذا تبين جميع الدلائل أن الهدف من اتخاد قراره المشؤوم بنقل السفارة الأمريكية الى القدس الشريف ما هي إلا صفقة أولى مع رجال المال الصهاينة ...
إن أبسط نتيجة وأوضحها هي أن ترامب فرض فرضا على الشعب الأمريكي من طرف جماعة من المتعصبين الأثرياء الذين يمثلون أبغض أعداء الشعب الأمريكي . وهكذا أصبحت أمريكا تعاني من مشكلات سياسية لا حصر لها بعد أن وصل هذا الشخص الغريب الى سدة الحكم . وبنفس الوقت فان ترامب يعيش اليوم حالة من القلق وعزلة دولية بعد التصويت ضد قراره " نقل السفارة الأمريكية الى القدس الشريف " وان بعض اعضاء الكونغرس من الديمقراطيين قد قدموا بعض المذكرات التي تعكس ان هناك خللا سلوكيا في تصرفاته والذي اضعف الموقف الاميركي سياسيا وعسكريا في العالم.
على كل حال الأيام تمر والغضب الشعبي في أمريكا يتزايد بسبب سياسة ترامب العنصرية , لأن الاستهتار بمصالح الشعوب لا يمكن أن يعمر طويلا .
الواقع أن سياسة ترامب بلغت درجة من الضخامة والتأزم إذ زج بأمريكا في مغامرات خطيرة جدا وعزلها ديبلوماسيا عن العالم أجمع – هذا في الخارج وأما في الداخل فقد أصبحت هذه السياسة تقسم أكثر فأكثر الرأي العام الأمريكي . ومن أجل هذه الاعتبارات كلها تغلب التشاؤم بمستقبل أمريكا على التفاؤل به .
إن الجو الذي أحدثته عملية التصويت و رفض إعلان ترامب بشأن القدس رغم الضغوط الأميركية والإسرائيلية هو أنها خلقت في نفوس الأمريكان شعورا ، بالقدرة على النزول بأمريكا .
تحركات للملمة ما حدث !!
تقول معلومات , ان اتصالات سرية مكثفة تجريها الادارة الأمريكية مع عدد من الأنظمة العربية حول ما أسمتها مصادر عليمة بالحلقة الثانية من المخطط الأمريكي الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، حلقة جديدة ترى فيها واشنطن الرد على الضربة التي تلقتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الرد الذي يرى في اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل، باطلا ويتعارض مع قرارات الشرعية الدولية.
وتقول المعلومات أن الادارة الامريكية في اتصالاتها السرية المكثفة طلبت من بعض الدول اسنادها في مخطط موضوع منذ فترة طويلة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين وشطب حق العودة، كانت بعض الدول العربية قد تعهدت بدعم هذا المخطط ماليا منذ سنوات.
وتضيف المعلومات أن الادارة الأمريكية، ستتخذ قريبا موقفا بالاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، مما يعني، البدء عمليا بتوطين اللاجئين وشطب حق العودة، وتشير المصادر الى أن تعرض المخيمات الفلسطينية في سوريا للقمع والعدوان والقتل على أيدي العصابات الارهابية المدعومة من دول لم تخفي دعمها لما اسمته المعارضة السورية ، يهدف الى تهجير اللاجئين الفلسطينيين من هذه المخيمات في اطار خطة لتوطينهم وشطب حق العودة.
حقائق في الدبلوماسية الدولية
مشروع القرار المُقدم في مجلس الأمن التابع للأمم المُتحدة الخاص بالقدس لم يُخاطب الولايات المتحدة بل اكتفى بمخاطبة كل الدول بالتراجع عن إنشاء ممثليات لها في المدينة المُقدّسة 'القدس'، لم يمر مشروع القرار بعد أن حصل على ١٤ صوت وعارضته الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق النقض (الڤيتو).
قد يستاء أي متابع للموضوع، فَلَو تم ذكر الولايات المتحدة أي تم توجيه اتهام مباشر لها لما كان لها الحق في التصويت في مجلس الأمن، إذاً لماذا هذه الصياغة؟ لماذا لم يخاطب مشروع القرار الولايات المتحدة الأمريكية صراحةً؟ لماذا رضي الطرف الفلسطيني/العربي مع سبق الإصرار بأن لا يمر القرار؟ لماذا سمحنا للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق النقض؟ لماذا رضينا بألا يمر القرار؟
الجواب يتطلب معرفة بمجريات الدبلوماسية الدولية المتعددة الأطراف، وقواعد عمل الدول الأعضاء، اذ لم يقصد المصريون إيذاءا كما يحلل البعض ولم يحصل ذلك لجهل الفلسطينيين بآليات عمل مجلس الأمن كما يدعي البعض وقد عزم آخرون أن هذه كبوة غفلنا عنها أو ثغرة لم يحسن التعامل معها دبلوماسياً وقانونياً.
حقيقة الأمر أن الدول الأعضاء تتشاور فيما بينها قبل التصويت وكانت المملكة المُتحدة قد أوعزت للأطراف أنها ستمتنع عن التصويت في حال خاطب المشروع الولايات الأمريكية مُباشرة. وإن امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت لن تضطر أمريكا لاستعمال حق النقض (الڤيتو)! لذلك وبعد المشاورات ارتأت الجهات المعنية أن المصلحة الفلسطينية تتمثل بالسيناريو الذي نحصل فيه على اكبر عدد من الأصوات وتستعمل فيه أمريكا حق النقض بدلاً من سيناريو مخاطبة أمريكا ومنعها من التصويت فتمتنع بريطانيا ونحصل على ١٣ صوت بدلاً من ١٤ من أصل ١٥ عضواً في مجلس الأمن.
عادة بعد اللجوء لمجلس الأمن وعدم تمرير القرار، تلجأ الدول لطلب جلسة طارئة من الجمعية العامة تحت مبدأ "الاتحاد من أجل السلام" التي يصبح فيها القرار مُلزم بتصويت الغالبية العُظمى، وهذا ما حصل في موضوع نقل الممثليات للقدس أو الاعتراف بها حيث تم تمرير قرار لصالح الشعب الفلسطيني بعد أن صوت ١٢٨ عضو مع في حين امتنع ٣٥ تحت التهديد والوعيد الأمريكي الصريح بقطع المساعدات المادية عنها، ورفضت كل من الولايات المتحدة، اسرائيل، ميكرونيزيا، غواتيمالا، هندوراس، جزر مارشال، ناورو، بالاو، توغو القرار لأسباب ومصالح عنصرية ومادية. من أصل ١٧٢ دولة حضرت التصويت وبعد التهديد المُباشر والدبلوماسية القسرية التي مارستها الولايات المُتحدة شهدنا غالبية عُظْمَى تضاهي ٣/٢ الأعضاء مُلتزمة بالمبادىء والقانون والأخلاق والإنسانيّة. هناك ٢١ دولة تغيبت عن التصويت بسبب عدم دفعها لاشتراكاتها والتزاماتها المادية وغيره. القرار ليس مُلزماً بالقوة ولكنه قرار بالأغلبية ويُلزم الدول الموقعة على الميثاق بالالتزام بنتيجة التصويت التي تحتم على ترامب ونتنياهو إدراك بعض الحقائق:
وهذا يعني :
- وقوف دول العالم العُظمى من الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين واليابان بوجه ترامب وتهديداته هو بمثابة استفتاء دولي ضده وعليه أن يُعيد النظر بسياساته الخارجيّة.
-على نتنياهو أن يعترف لنفسه وللشعب الإسرائيلي أن العالم ليس غافلاً عن السياسات العنصرية التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
لقد تساءلت مندوبة أمريكا عن سر بقاء إسرائيل في هذه المنظمة لسنوات طويلة برغم انحياز المنظمة الدولية للجانب الفلسطيني ومعاداة إسرائيل وجاوبت بالقول أن على الدول الوقوف والدفاع عن نفسها ولهذا السبب اسرائيل لم تسحب عضويتها! لا بد من تذكير أمريكا واسرائيل بألا ينسوا أن الأمم المتحدة التي يستهزئون بها الْيَوْمَ هي الشرعية التي يستند إليها قيام دولة اسرائيل.
من ناحية اخرى .. يجب أن نكون واقعيين بأن هذه الإنجازات لن تغير شيء من الواقع إلا إذا تُرجمت على الأرض من خلال الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وانهاء الإحتلال، أما داخلياً، فتبقى الوحدة والمصالحة هَمٌ يؤرق الشعب.
ابتزاز الدول والسقوط السياسي والدبلوماسي
المهمة التي تضطلع بها الدبلوماسية الفلسطينية في هذه المرحلة، ليست عملية سهلة، في ظل تشابك المصالح الذي يسود العالم، فقد كفّت القضية الفلسطينية عن أن تكون قضية ذات طابع عاطفي بالنسبة إلى دول وشعوب العالم، بقدر ما تحيط بها تكتلات ومصالح وهيمنة دولية، تطغى على الحقوق والأخلاق والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وبالرغم من الواقع العربي المرير إلا أن الدبلوماسية الفلسطينية تتعلم وتراكم وتعي حجم التناقضات والعراقيل والتحديات، وتنجح في كثير من الاختبارات في تفكيك رموزها وتعقيداتها، وتحقق إنجازات تحسب للدبلوماسية والعمل السياسي الفلسطيني بشكل عام.
ليس لدى الفلسطيني ما يقدمه للعالم وما يقايض به على مستوى الاقتصاد والصفقات التجارية، فالفلسطينيون شعب يعيش تحت الاحتلال وموارده منهوبة ومحدودة واقتصاده مقيد وتابع، وكل ما يملكه هذا الشعب إيمانه بقضية عادلة وصموده على أرضه وتشبثه بحلم التحرر والاستقلال ووعيه بما يحيط به. ويمكن توصيف الشعب الفلسطيني بأنه شعب مسيس، فالمواطن العادي يتابع مثلاً التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويميّز بين الدول المؤيدة والدول المناهضة لحقوقنا، وكذلك الدول المغلوبة على أمرها مسلوبة القرار والإرادة. ومع ذلك استطاع الفلسطينيون أن يشكلوا جبهة دول مؤيدة ومساندة لقضيتهم، مستفيدين من خبرات وحسابات دقيقة لكل دولة، انطلاقاً من أن الأمور في السياسة لا يمكن تعليقها على الصدفة أو الاكتفاء بـ"المضمون والمحسوم"، فلا مضمون في السياسة في ظل حسابات المصالح. فهل يكفي ذلك ؟
لا تمتلك الدبلوماسية الفلسطينية أية أدوات للضغط أو التهديد، سوى مخاطبة العالم بلغة هادئة ومؤثرة ملخصها أننا آخر شعب على هذه الكرة الأرضية يرزح تحت الاحتلال، وأن كل ما نريده هو الاستقلال في دولة وعاصمتها القدس الشرقية، لا يوجد إذن شعارات كبيرة، بيد أن القوة التي يلجأ إليها الفلسطينيون هي قوة الحق وعدالة القضية وقوة المنطق وطول النفس وعدم التسليم بموازين قوى مختلة ومجافية.
والحقيقة أن الدبلوماسية الفلسطينية نجحت في امتصاص أزمات مع دول عربية، وها هي تجتهد في امتصاص أزمات أخرى، بعد أن تبيّن لها أن النفوذ الأمريكي والإسرائيلي قد تغلغل في بعض الدول، وأثر على مواقفها، في حين ظلت دول أخرى، بمنأى عن الرضوخ للضغوط الأمريكية الإسرائيلية، بالرغم من الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي تعيشها.اذ رفضت على سبيل المثال التوجه لفك ارتباطات المخيمات الفلسطينية مع حزب الله استباقا لما تنوي عليه الادارة الامريكية وحلفاؤها في المنطقة لممارسة الضغوط على ايران من خلال الساحة اللبنانية وتحديدا من خلال الضغط على حزب الله .
ما هو المطلوب؟
لا تكفي التظاهرات والبيانات المنددة والخطابات الحماسية للرد على خطوة ترامب . ولا ننسى ان هذه المسالة سرعان ما استغلت من قبل الاحزاب الاسلامية وعلى راسها جماعة الاخوان المسلمين التي راتها فرصة للعودة بعد انحسار وجودها في العديد من دول المنطقة ,
اذن .. ما هي الخطوات القادمة المطلوبة للحفاظ على هذا الزخم العالمي المناصر لشعبنا وقضيته وعاصمة دولته القادمة والمنشودة لا محالة؟
ان الجواب على هذا السؤال يكمن أولا وقبل كل شي في اتخاذ خطوات عملية وملموسة على أرض الواقع بالسير قدما في المصالحة الوطنية الفلسطينية ، وعدم الإبطاء بذلك كما هو حاصل الآن، فهناك اتفاقات تمت الموافقة عليها جديدا وقديما سواء كانت برعاية ومشاركة مصرية أو اتفاق مخيم الشاطىء وسواها من اتفاقات يجب القيام بتنفيذها، خاصة في ضوء المؤامرة الأميركية - الإسرائيلية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وليس ما قرر ترامب بشأن القدس سوى مقدمة لذلك.
فترتيب البيت الفلسطيني بات له الآن الأولوية القصوى لكي يتم وضع استراتيجية نضالية ودعم انتفاضة الشعب الفلسطيني السلمية، والضغط على الدول العربية والإسلامية من أجل دعم الشعب الفلسطيني في نضاله الشعبي المشروع والمقر دوليا، وخاصة تعزيز صمود المقدسيين الذين تستهدفهم سلطات وقوات الاحتلال يوميا من خلال الاعتقالات والانتهاكات وهدم المنازل ومحاولات أسرلة التعليم وتهويد المدينة وتهجيرهم منها والمس بالمقدسات الخ.
أما الخطوة الثانية فهي مواصلة النضال السياسي والدبلوماسي للإبقاء على النجاحات التي تحققت على مستوى العالم، ولعدم الفتور أو العودة لما قبل هذه النجاحات وخوفا من استكانة العالم بعد محاصرة وعزلة ترامب وإدارته ، وذلك باللجوء مرة أخرى إلى مجلس الأمن وإلى العمل الفاعل مع مختلف الدول المؤيدة لشعبنا وقضيته وعاصمته الأبدية من أجل الاعتراف بدولة فلسطين.
وهناك أيضا خطوة أخرى على القيادة الفلسطينية العمل من أجلها وهي رفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية ضد قرار ترامب، باعتباره مخالفا لقرارات الشرعية الدولية، وكذلك ضد دولة الاحتلال على جرائمها ضد شعبنا وضد الاستيطان، خاصة .
هذا على الصعيد الفلسطين , اما على الصعيد العربي فالمسالة تتلخص ببساطة , وهي ان على العرب ان يسمو فوق خلافاتهم , وان لا يكونوا اداة في يد الولايات المتحدة لتمرير مخططاتها .
ليس مطلوبا ولا هو واقعي ان نعود للمناداة بالوحدة العربية , لكن على الاقل نقول بان على الدول العربية ان تضع خلافاتها بعيدا وتعيد صياغة وجودها المهدد بالزوال وسط كل هذه الاعاصير التي تحيط بالمنطقة.
ايضا فان على بعض الدول التي تظن انها بعيدة عن احتمالات ان يطالها اعصار التآمر الامريكي الاسرائيلي . وذلك بسبب امتلاكها للمال من جهه واغداقها هذا المال كوسيلة لطلب الحماية الامريكي واستخدام هذا المال للضغط على الفلسطينيين ناهيك عن الضغط على بعض الدول الاخرى التي يعاني اقتصادها من عدم الاستقرار.
التوقف عن شراء الاسلحة من الولايات المتحدة التي هي تشترط اصلا ان لا تستخدم هذا الاسلحة ضد اسرائيل ولا مانع لديها من استخدامها ضد الشعوب العربية داخل وخارج هذه الدول.
التفعيل الجدي لمؤسسة الجامعة العربية المصابة بالشلل ,والتعامل بين الدول الاعضاء على مستوى الندية ومراجعة كل ما سبق من قرارات الجامعه التي كانت تخضع للمساومة والبيع والشراء كما هو قرار ابعاد سوريا عن الجامعة العربية.
لقد اصبحت المسالة مسالة وجود .. فلا سلام ولا استقرار ولا تنمية في غياب الحلول العادلة للقضية الفلسطينية .والمنطقة برمتها ستظل مفتوحة على كل الاحتمالات في الحرب وفي تفاقم الارهاب وفي غضبة الشعوب.