افراسيانت - الوعيد لمراسلي الحروب: الولايات المتحدة وحرية الميديا
المؤلف: كرس بترسن
الصفحات: 220
الناشر: بلوتوبرس، لندن
الطبعة: الأولى، 2014
عرض/ زياد منى
ثمة مقولة معروفة عن الحروب وهي أن الحقيقة تكون أولى ضحاياها. لكن في العصر الحديث، ومع تعدد مصادر الأخبار، يصير من الصعب بمكان على أي طرف احتكار الخبر و"الحقيقة". الكذب والتزوير ممكنان فقط عندما يقتصر نقل الخبر على مصدر واحد، ونعني بذلك من منظور الفكر وليس العدد، أي الكيف وليس الكم.
هذا الكتاب يُعنى بموضوع المراسلين الحربيين، المستقلين منهم والممثلين لوسائط إخبارية، وكيفية تعامل الولايات المتحدة الأميركية معهم.
الكتاب يستعرض فيه مؤلفه -وهو أستاذ الميديا والاتصالات في جامعات بالولايات المتحدة وجامعة ليدز بالمملكة المتحدة، وعمل مصورا إخباريا تلفزيونيا- موقف الإدارات الأميركية المختلفة من الإعلاميين الحربيين، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والذين غطوا العدوان الأميركي على العراق.
ففي الوقت الذي تعد فيه حرية الصحافة -أيا كان المقصودُ بذلك- من أسس النظام في الولايات المتحدة، لاحظ المؤلف ميلا متعاظما لوسائل الإعلام الأميركية إلى التغطية على الحقيقة.
الإعلام الأميركي -في رأي الكاتب- يميل باطراد نحو الخضوع لرغبات الإدارات وكذلك القوات الأميركية العاملة في ما لا يقل عن 134 دولة. ومن تجليات انحياز الإعلام، تغطية شاشات التلفزة بالأعلام، وإذاعة موسيقى عسكرية، وانتقاد الصحفيين من أصحاب الرأي المخالف، بل ومهاجمتهم من منظور سياسي فكري ومهني.
تابع الكاتب الموضوع على مدى عقد من الزمن، ووصل إلى القناعة الآتية: تصرفات الإدارات الأميركية تجاه الميديا يجب أن تستدعي النفير العام، ليس من بوابة فضح ممارساتها السرية تجاه الصحفيين كأفراد، وإنما أيضا من كونها تهدد أسس النظام الديمقراطي الليبرالي، وتشكل تحذيرا من مستقبل محفوف بالمخاطر تمس فيه كل الدول حقوق الإنسان وتذهب نحو تشكيل "دولة أرويلية".
المؤلف لا يناقش حقيقة توافر عدد كبير من الكتب والمقالات التي تتعامل مع مادة كتابه، إلا أنه يوضح أنه عمل على نشر تفاصيل أحداث ذات علاقة لم تشر إليها الكتب الأخرى إلا عرضيا، وهذا الكتاب يروي قصة دولة عظمى سَكرى بقوتها وجاهزة -عن قصد وسبق إصرار- للتضحية باستقلالية العاملين في حقل الإعلام لصالح مغامرات عسكرية تحركها النيوليبرالية.
ينوه الكاتب إلى أن عنوان المؤلف يختصر محتواه، أي كون حياة المراسلين الحربيين معرضة على نحو مستمر للخطر، لكن هذا لا يشكل خبرا بحد ذاته، مما يجعلهم أبطالا في نظر المؤسسات التي يعملون فيها ونظر أناس من خارجها.
"تصرفات الإدارات الأميركية تجاه الميديا يجب أن تستدعي النفير العام، ليس من بوابة فضح ممارساتها السرية تجاه الصحفيين كأفراد، وإنما أيضا من كونها تهدد أسس النظام الديمقراطي الليبرالي وحقوق الإنسان"
هذا كله ليس بجديد، لكن من الأمور الرئيسية ذات العلاقة -ومن الواجب لفت الانتباه إليها- أن الدولة التي تتبنى مفهوم حرية الوصول إلى المعلومة هي التي تهدد حيوات المراسلين الحربيين، وأن الميديا نفسها تتجاهل هذه الحقائق.
هدف المؤلَّف هو وضع الولايات المتحدة على قدم وساق مع كافة الأطراف الأخرى (الرسمية وغير الرسمية) التي لا معنى لديها لمفهوم حرية الميديا، وبالتالي تشجيع العاملين في تلك الدول على مواجهة الحقائق والمعايير المزدوجة التي يمارسونها. والهدف الرئيسي الآخر هو حماية المهنة من تلك القوة العظمى وأصدقائها في الشرق الأوسط، والذين يطالبون جميعا بحرية الميديا لكنهم يمارسون غير ذلك.
قسم الكاتب مؤلفه إلى ستة فصول أثراها بملحقين نعود إليهما لاحقا. ففي الفصل الأول "الحرب الخفية على الميديا"؛ تناول موضوع إخفاء تلك الحرب على وسائل الإعلام عن الخطاب العام -المبني على رديفه الحكومي الإستراتيجي- المتعلق بنزاع الشرق الأوسط والموجه للاستهلاك المحلي والدولي، وكيف يتم الصمت عن الهجوم على الصحفيين.
والفصل الثاني "ثقافة عدم التسامح مع الصحافة"؛ خصصه الكاتب للحديث في السياسات الحكومية تجاه الميديا التي أدت إلى خلق أجواء مناسبة للعنف ضد الصحافة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
وفي الفصل الثالث "نماذج العنف: تجهيزات الميديا والعاملون في الحقل"؛ تطرق الكاتب لمختلف أشكال الهجمات بعد عام 1999، والتي تجلت في أفغانستان والعراق، والظاهر أنه إعادة تجربة لما وقع إبان الهجوم على صربيا من تدمير لمقر التلفزيون هناك لقمع الرأي الآخر.
واستعرض الكاتب في هذا الفصل هجمات القوات الأميركية والبريطانية على الميديا كرونولوجيًا، كما استعرض مسألة التحكم في الميديا وعلاقته بالاعتداءات الإسرائيلية، ذاكرا الهجوم على مخيم جنين تحديدا كمثال إضافي. ويسجل الكاتب أيضا أساليب تعامل القوات الأميركية مع العاملين في الحقل، ومن ذلك الاعتقال والتعذيب.
خصص الكاتب الفصل الرابع "رد الميديا"؛ لصمت وسائل الإعلام العالمية المريب عن الهجمات على العاملين في الحقل الإعلامي. ويجلب الكاتب أمثلة عديدة تؤكد ذلك، ومن ذلك صمت صحيفة نيويورك تايمز عن اعتقال مصور قناة الجزيرة سامي الحاج في غوانتانامو حتى أطلق سراحه عام 2009، وصمت وسائل الإعلام عن فيلم التلفزيون الإسباني عن هجوم القوات الأميركية في العراق على فندق فلسطين الذي أودى بحياة أحد زملائهم.
وأوضح المؤلف في الفصل الخامس "القانونية"؛ كون هجوم قوات الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط على العاملين في الميديا أمرا غير شرعي وتجب ملاحقته قانونيا.
"مع أن الكاتب خصص القسم الأكبر من المؤلف للحديث عن انتهاكات القوات الأميركية بالخصوص، فإنه لا يقصر تقصيه عليها، بل يمتد لينال بالنقد والكشف ممارسات حلفائها في المشرق العربي"
أما الفصل السادس والأخير "نزاع غير مرئي؟"؛ فقد خصصه المؤلف للحديث عن أن التهديد المستجد في نهايات التسعينيات للعاملين في الميديا نابع من إستراتيجية أميركية قائمة على ثلاث رُؤى: أولاها، قبول الأوساط العسكرية بمبدأ إسكات وسائل الاتصال لدى العدو المحتمل عن طريق الهيمنة على فضاء التواصل.
والرؤية الثانية، قبول الأوساط العليا في الإدارة الأميركية توظيف عنف قاتل ضد الصحفيين الذين هم مدنيون. أما الرؤية الثالثة، فهي نشوء مبدأ السماح باستخدام القوة المفرطة ضد أي تهديد متخيل -مهما كان ذلك مستبعدا- للعمليات العسكرية.
ويورد المؤلف هنا مثالَ ميلِ إدارة جورج بوش الابن لقصف مقر قناة الجزيرة في الدوحة، الذي كشفته صحيفة الديلي ميل البريطانية.
الكتاب يحوي كثيرا من المعلومات التفصيلية، وما لم يتناوله منها بالتفصيل ذكر مراجع يمكن للمهتم العودة إليها بشأنه.
المؤلف أثرى كتابه بملحق كرنولوجي عن هجمات القوات الأميركية على تجهيزات وسائل الإعلام، ذاكرا الجزيرة مع "سي أن أن" في قندهار وكابل، وحدثا ثالثا في فندق شيراتون بالبصرة، ورابعا في المقر الإعلامي الدولي بمبنى وزارة الإعلام العراقية، ومن ثم الهجوم على موقع الجزيرة في بغداد الذي أسفر عن ضحية، وبعد ذلك الهجوم على الجزيرة في الفلوجة.
كما يذكر هجمات القوات الأميركية على العاملين، مع تاريخ الهجوم وتفاصيله وأسماء الضحايا، ومنهم طارق أيوب وحسين سمير من الجزيرة، ومازن دانا من رويترز، وكمال عنبر (مراسل مستقل)، ونيكولا كاليباري المسؤول الحكومي الإيطالي الذي كان يرافق الصحفية الإيطالية الرهينة جوليانا سيرينا.
الملحق الثاني خصصه الكاتب لذكر أسماء المنظمات العالمية المعنية بسلامة العاملين في حقل الإعلام والدفاع عن حرياتهم.
ومع أن الكاتب خصص القسم الأكبر من المؤلف للحديث عن انتهاكات القوات الأميركية بالخصوص، فإنه لا يقصر تقصيه عليها، بل يمتد لينال بالنقد والكشف ممارسات حلفائها في المشرق العربي. وهكذا يؤكد الكاتب أن الهجوم على الميديا وسائل وأفرادا مسألة منهجية مبرمجة منذ عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وهدفها كتم كل الأصوات المخالفة لرأي الدوائر الحاكمة في واشنطن.