مواجهة «ذكية» في سوريا ورفع للحظر النووي عن إيران وتسليم «إس ـ 300»
افراسيانت - السفير - كثيرة هي الدلالات التي حملتها زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لطهران، وما خرجت به التصريحات الروسية والإيرانية إن على مستوى الشراكة الاستراتيجية، او في ما يتعلق بمجمل القضايا الإقليمية.
وفي خضم تحوّلات إقليمية ودولية كبرى، على خلفية الحرب الكونية ضد تنظيم «الدولة الاسلامية ـ داعش»، ودخول العلاقات الإيرانية ـ الاميركية مرحلة «السلام النووي»، والدخول الروسي المباشر على خط الصراع الجيوسياسي في الشرق الاوسط، جاءت زيارة «قيصر» الكرملين لإيران، وهي الاولى منذ العام 2007، لتضع النقاط على الحروف في الكثير من القضايا، بدءاً بمرحلة ما بعد اتفاق فيينا النووي، مروراً بسوريا، وصولاً الى التعاون الاقتصادي سواء على المستوى النفطي أو على مستوى التبادل التجاري، عبر مقترح إقامة منطقة للتجارة الحرة بين الجمهورية الإسلامية والاتحاد الأوراسي.
وعلى المستوى الاستراتيجي، بدت زيارة بوتين لطهران بمثابة الحجر الأساس لتحالف ـ او «شراكة» بحسب الأدبيات الروسية ـ بين قوّتين دولية وإقليمية تقارعان محاولات الهيمنة الاميركية، وهو ما عبّر عنه بوتين برسائل مباشرة وغير مباشرة للقيادة الإيرانية، أبرزها قرار الكرملين رفع الحظر المفروض على توريد التكنولوجيا النووية لإيران، وتأكيد بوتين أن بلاده «لا تطعن حلفاءها من الظهر» و «لا تعمل ضدهم خلف الكواليس» كما يفعل الآخرون، في إشارة الى الولايات المتحدة.
وعلاوة على الجانب السياسي، فقد كانت للزيارة جوانب اقتصادية لا تقل أهمية في بعدها الاستراتيجي، وتتمثل في ما صدر من مواقف خلال منتدى الدول المصدّرة للغاز الطبيعي، او ما يعرف باسم «أوبك ـ غاز»، في دورته الثالثة، وخصوصاً لجهة التأكيد على الثقل الذي تمثله الدول المشاركة في هذا التكتّل على مستوى سياسات الطاقة، وعلى اهمية التكامل الاقتصادي بين هذه المجموعة الإقليمية والتكتلات الاقتصادية الأخرى، كـ«منتدى شانغهاي» و«مجموعة الدول المطلّة على قزوين»، وتجمّع «بريكس»، و«الاتحاد الأوراسي».
وبالإضافة الى الأبعاد الاستراتيجية، فإن زيارة بوتين، التي تأتي في خضم «عاصفة السوخوي» في سوريا، قد أتت لتغلق الباب امام تأويلات غربية (وكذلك عربية) لبعض التصريحات التي صدرت في الفترة الاخيرة عن مسؤولين إيرانيين، وتراوحت ما بين الانتقادات والتحفظات على المقاربة الروسية للأزمة في سوريا، حيث جاءت اللقاءات التي أجراها الرئيس الروسي في طهران لتؤكد توافقاً تاماً في وجهات النظر الروسية - الإيرانية إزاء هذا الملف، عبَّر عنه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي حين خاطب بوتين قائلاً إن «الإجراءات الروسية في سوريا زادت مصداقيتكم ومصداقية روسيا في المنطقة والعالم»، وأكده الرئيس الروسي حين أشار إلى أن «عمليتنا العسكرية في سوريا تجري بالتنسيق التام مع إيران ولولاها لكان من المستحيل تنفيذها».
وفي محور زيارة بوتين لطهران ساعتان أمضاهما الرئيس الروسي مع مرشد الجمهورية الإسلامية لتبادل الضمانات وتوضيح المواقف في ملفات ما بعد الاتفاق النووي الإيراني، والانخراط الروسي المتزايد الذي قد يتجه نحو النزول في البر السوري، والتحدث بصوت واحد بشأن الخلافات التي أثارتها تصريحات قادة الحرس الإيراني من شكوك في نيات الروس السياسية حيال الرئيس بشار الأسد، وعدم تطابق مواقف موسكو مع طهران في التمسك ببقاء الأسد في منصبه في منتهى المسار السياسي الذي اتفق عليه في فيينا، في وقت لم تعمّر فيه المبادرة الإيرانية طويلاً، خصوصاً أنها لم تملك عناصر التأييد الكافية للانطلاق، بما فيه من القيادة السورية، والمشاركة في المبادرة الروسية نفسها.
وبدا واضحاً ان ما صدر عن الزعيمين الروسي والإيراني قد وضع النقاط على الحروف في ما يتعلق بهذه المسألة، بالقول إنه لا يحق لأحد ان يفرض شيئاً على الشعب السوري. وتصدت الزيارة لمهمة تبادل تطمينات كان لا بد منها للطرفين بعد التفاهم على الملف النووي الإيراني.
وفي لحظة تزايد النفوذ الروسي في سوريا، لا يبدي الإيرانيون اعتراضاً على نزول الروس في البر السوري، الذي يفترض المزيد من المنافسة على تحديد جهة الحل والإمساك بواجهة المتوسط الشرقي، وتطوير العمليات العسكرية في سوريا.
وثمة تقديرات إيرانية بأن الاجتماع بين الزعيمين أتاح إيضاح هذه النقاط، فضلاً عن اعتقاد إيراني بأنّ الروس لن يكرروا أخطاء أفغانستان بالذهاب بعيداً في عملية برية.
وعكست التصريحات المتبادلة بين خامنئي وبوتين أن الجانبين توصلا الى تفاهمات بشأن مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك.
ورحب خامنئي «بتوسيع التعاون الثنائي والإقليمي والدولي» بين إيران وروسيا، «مثنياً» على «التواجد المؤثر لموسكو في القضایا الإقلیمیة لا سیما سوریا». كما أعرب عن شكره للجهود الروسية في المفاوضات النووية. كما أشاد بالدور الروسي في مواجهة «المخططات الأميركية» قائلاً إن مواقف بوتين كانت «جیدة جداً ومبدعة».
وتوجه خامنئي الى بوتين بالقول: «الأميركيون یحاولون دائماً دفع منافسیهم الی موضع الانفعال، لكنكم أفشلتم هذه السياسة».
ورأى خامنئي أن «قرارات وإجراءات روسيا في الموضوع السوري أسهمت في زیادة المصداقیة الإقلیمیة والعالمیة لروسیا والرئیس بوتین شخصیاً».
وحذر خامنئي من ان «الاميركيين یحاولون، ضمن مخطط طویل الأمد، السیطرة علی سوریا، ومن ثم توسیع سیطرتهم للتعویض عن الفراغ التاریخي لعدم السیطرة علی غرب آسیا»، مشدداً على ان «هذا المخطط يشكل تهدیداً لجمیع الشعوب والبلدان لا سیما لروسیا وإیران».
وأشار خامنئي الى ان «الأميركيين ومن یتبعونهم في القضیة السوریة بصدد تحقیق أهدافهم التي لم تتحقق بالطرق العسکریة في المیدان السیاسي وخلف طاولة المحادثات، ویجب التصدي لذلك بذکاء وفاعلیة».
واعتبر خامنئي أن «إصرار الأميرکیین علی رحیل بشار الأسد، أي الرئیس القانوني والمنتخب من الشعب السوري، هو من مواقع ضعف السیاسات المعلنة من قبل واشنطن»، مذكراً بأن الأسد «فاز في انتخابات عامة بأصوات غالبیة الشعب السوري من مختلف الرؤی السیاسیة والمذهبیة والعرقیة.. ولا یحق لأميرکا تجاهل صوت الشعب السوري وانتخابه»، ومنتقداً «المساعدات الأميركية المباشرة وغير المباشرة للمجموعات (المسلحة) بما في ذلك (داعش)». وأکد خامنئي أنه «لهذا السبب فإننا لا نجري، ولن نجري، مباحثات ثنائیة مع اميركا، لا بشأن سوریا، ولا بشأن أي موضوع آخر في ما عدا القضیة النوویة».
وشدد خامنئي على الأهمية البالغة لحل الازمة السورية بشكل صحيح، محذراً من انه «اذا لم يتم قمع الارهابيين الذين ارتكبوا هذه الجرائم والفظائع في سوريا، فإن نطاق نشاطاتهم المخربة ستمتد الى آسيا الوسطى والمناطق الأخرى أيضاً».
من جهته، قال بوتين إن إيران «بلد مستقل وصامد ویتمتع بآفاق زاهرة للغایة». وأضاف «إننا نعتبرکم حلیفاً موثوقاً به ویعوّل علیه فی المنطقة والعالم». وتابع «علی النقیض من البعض، نحن ملتزمون بألا نطعن شرکاءنا من الخلف، وألا نقْدم علی أي إجراء خلف الکوالیس ضد أصدقائنا، وإن کانت لدینا خلافات فيمكن أن نتوصل الی تفاهم من خلال الحوار».
واعتبر بوتين أن مواقف روسيا وإيران تجاه سوريا «متقاربة جداً»، مشیراً الی الأهمیة البالغة للتعاون في هذا المجال. وأضاف «أننا نؤکد ان تسویة الازمة السوریة تتم فقط بالطرق السیاسیة وقبول صوت الشعب السوري ومطلب جمیع الأعراق والمجموعات السوریة، ولا یحق لأي أحد فرض رأیه علی الشعب السوري، وأن یقرر عنه هیکلیة الحکم ومصیر الرئیس السوري».
وتوجه بوتين الى خامنئي بالقول «كما تفضلتم فإنّ الاميرکیین یریدون تحقیق اهدافهم التي لم تتحقق في ساحات القتال في سوریا، خلف طاولة المفاوضات... ونحن نرصد هذه القضیة».
وعكست التطمينات المتبادلة من قبل الطرفين غلبة الخيارات الجيو - استراتيجية على ما عداها من مصالح اقتصادية مباشرة. اذ قدم الإيرانيون تطمينات بألا تتحول إيران، ما بعد اتفاق فيينا النووي، الى منافس للغاز الروسي في الأسواق الاوروبية، وقدموا عروضاً بتصريف الغاز الروسي من قزوين حتى محطات تصديره على الخليج، نحو الاسواق الاوروبية. كما رفع الروس اي حظر على تبادل اليورانيوم المخصب مع إيران، لتسهيل تنفيذ الاتفاق النووي الذي كان المرشد الاعلى يشترط تحقيق هذا التبادل، بالإضافة الى الحفاظ على منشأة أراك العاملة بالمياه الثقيلة.
الى ذلك، أكد بوتين أن العملية العسكرية في سوريا ستستمر حتى تتم معاقبة الإرهابيين الذين تسببوا بإسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء.
وفي ما بدا رداً على انتقادات بشأن صواريخ «كروز» التي تطلقها روسيا من بحر قزوين، قال بوتين، خلال محادثات مع نظيره التركماني قربان قولي بيردي محمدوف، إنه يتفهم قلق الدول الصديقة لموسكو في المنطقة بسبب استخدام الجيش الروسي أجواء منطقة قزوين في محاربة الإرهابيين في سوريا.
وأضاف «نحن ندرك أن هناك أسباباً معينة للإزعاج. ولكن من المعروف في الوقت ذاته أن جميع الجهود التي تبذلها روسيا لمكافحة الإرهاب تثقل أعباؤها كاهل روسيا قبل غيرها... والتنظيمات الإرهابية مثل (داعش) وغيره لا ترحم أحداً وتمارس أعمالاً وحشية، وتستهدف حتى الطائرات المدنية. لذا إذا كان هناك ما يسبب الإزعاج فلا بد من تخفيف حدته، لكننا سنفعل ذلك خلال وقت نجده ضرورياً لمعاقبة المذنبين انطلاقاً من خبرتنا المأساوية مع طائرتنا».
وكان لافتاً أن بوتين استبق زيارته الى ايران باتخاذ قرار برفع الحظر على تصدير التكنولوجيا النووية للجمهورية الاسلامية، في رسالة سياسية بالغة الوضوح. وبموجب القرار الروسي، فقد بات يحق لموسكو بيع وتسليم طهران مواد وتجهيزات ترمي الى «تحديث» منشأة فوردو ومفاعل أراك النوويين.
كما اجازت روسيا «استيراد اليورانيوم المخصب من ايران، بكمية تفوق 300 كيلوغرام، مقابل تسليم ايران اليورانيوم الطبيعي».
كما قال السفير الإيراني لدى موسكو مهدي صانعي إن روسيا بدأت إجراءات تزويد طهران بنظام صواريخ «إس 300» المضادة للصواريخ والطائرات.
الى ذلك، قال بوتين، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن روسيا تعتزم العمل على تنفيذ خطة الأعمال المتعلقة ببرنامج إيران النووي، كما أنها ستساعد طهران في تخصيب اليورانيوم لأغراض علمية.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن الطرفين اتفقا على مواصلة التنسيق في مجال مواجهة الإرهاب وتسوية الأزمة في سوريا في إطار القانون الدولي، من أجل تحقيق القرارات الخاصة بإطلاق عملية سياسية شاملة في سوريا.
وجدد بوتين القول أن لا بديل عن حل سياسي للأزمة السورية، قائلا ان «العملية الروسية لمكافحة الإرهاب في سوريا تعطي ثمارها... وإيران تقيم نتائجها إيجاباً». وشدد على أنه «لا يوجد أي إمكانية لحل مشاكل سوريا حلاً طويل الأمد سوى بمفاوضات سياسية».