افراسيانت - السفير - وجه الاتحاد الأوروبي، يوم امس، صفعة قويّة للاحتلال الاسرائيلي، عندما فرض وضع ملصق المنشأ على المنتجات الواردة من المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك لتمييزها عن تلك الآتية من «اسرائيل»، في إجراء أثار جنون تل أبيب، التي حذرت من عواقبه المحتملة على العلاقة مع الاتحاد الاوروبي، بينما رحّب به الفلسطينيون، داعين الى استكماله بقرار لمقاطعة البضائع الاسرائيلية.
وبالرغم من ان الخطوة الاوروبية جاءت متأخرة، لا بل ناقصة في عدم مقاطعتها لمنتجات المستوطنات الاسرائيلية التي لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي، إلا انها قد تشكل دفعاً معنوياً لحركات المقاطعة الدولية، التي اكتسبت خلال السنوات الماضية زخماً مثيراً للانتباه، ونجحت في تكريس وعي بالقضية الفلسطينية والجرائم الاسرائيلية لدى الرأي العام الغربي عموماً، والأوروبي خاصة.
وبموجب القرار الصادر أمس، طلبت المفوضية الاوروبية من الدول الثماني والعشرين في الاتحاد الاوروبي البدء بوضع ملصقات لتمييز المنتجات المستوردة من المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، حسبما ورد في بيان رسمي.
وتم تبنّي القرار، الذي أرجئ مرات عدة وتعارضه اسرائيل بشدة، في اجتماع للمفوضين الاوروبيين في بروكسل.
واستغرق وضع هذه الإرشادات من المفوضية الأوروبية ثلاث سنوات، وهي تعني أنه سيكون على المصدرين الإسرائيليين لأسواق الاتحاد الأوروبي وضع ملصقات صريحة على السلع الزراعية ومستحضرات التجميل الآتية من المستوطنات الإسرائيلية.
وبالرغم أن الاتحاد الأوروبي لم يحدد صيغة رسمية، إلا أن البضائع يجب أن تحمل كلمة «مستوطنات» في الملصق لدى طرحها للبيع في المتاجر الأوروبية.
وإذا امتنع المزارع الإسرائيلي عن فعل ذلك، فسيكون بإمكان شركة البيع بالتجزئة أن تقوم به، لأن المفوضية الأوروبية لديها معلومات كافية عن مصدر السلع.
وأكدت المفوضية الاوروبية ان تبنّي هذا التدبير رسميا ليس قانونا جديدا ووضع «اشارة توضيحية لمنشأ المنتجات»، مشيرة الى ان هذه الخطوة «تأتي تطبيقا للقانون المتعلق بحماية المستهلك والالتزام بالاشارة الى بلد المنشأ على منتج معين».
ومنذ العام 2012 طلب عدد من الدول الاعضاء توضيحات من المفوضية حول الموضوع، وكذلك البرلمان الاوروبي وممثلون عن المجتمع المدني.
وقد نشرت ثلاث دول اعضاء في الاتحاد الاوروبي توصيات لتمييز المنشأ بين اسرائيل والاراضي الفلسطينية المحتلة، وهي بريطانيا (2009) والدنمارك (2013) وبلجيكا (2014).
ويقول الاتحاد الاوروبي انه يتبع القانون الدولي في هذا المجال ويعترف بـ «حدود» اسرائيل كما كانت قبل حرب حزيران العام 1967. ويعتبر بالتالي ان هضبة الجولان وقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية التي ضمتها اسرائيل، ليست جزءا من الاراضي الاسرائيلية. وبحسب التشريع الساري المفعول فإن الاشارة الى منتج منشأه المستوطنات الواقعة في الاراضي المحتلة على انه صنع في اسرائيل تعتبر «مغلوطة وخادعة»، كما ورد في المذكرة التي ستصدر في الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي اليوم.
ومع ذلك، فإن القرار الصادر أمس لا يعني مقاطعة منتجات تلك المستوطنات.
وبصورة عامة، فإن هذه المنتجات ليست واردة في الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل.
وبحسب المعلومات التي أعلنتها المفوضية الاوروبية، فإن الاشارة الى بلد المنشأ يجب أن تأخذ في الحسبان التعبير الاكثر شيوعاً الذي تعرف به الاراضي.
وعلى سبيل المثال، فإن الاشارة الى «مستوطنة اسرائيلية» يجب وضعها بين قوسين. وقد تكون الاشارة على الشكل التالي «منتج من الضفة الغربية (مستوطنة اسرائيلية)». وان كان المنتج واردا من فلسطين وليس من مستوطنة تكون الاشارة على الشكل التالي «منتج من الضفة الغربية (منتج فلسطيني)».
وتترك الصياغة لرغبة الدول الأعضاء المكلفة تطبيق وفرض احترام التشريع الاوروبي حول حماية المستهلك.
وذكر المنشأ إلزامي بالنسبة للفاكهة والخضار الطازجة وايضا النبيذ والعسل وزيت الزيتون والبيض والدواجن والمنتجات البيولوجية ومستحضرات التجميل. وتصبح اختيارية بالنسبة للمنتجات الغذائية المعلبة ومعظم المنتجات الصناعية.
وفي الحالة التي لا يكون فيها ملصق المنشأ إلزامياً، يشير القانون المتعلق بحماية المستهلك الى حالة «غش عن طريق الإغفال». والقرار بشأن الالتزام بوضع الملصق متروك لتقدير الدول الاعضاء كما أوضح مصدر في المفوضية.
ولا بد من الاشارة هنا الى ان الغالبية العظمى من الصادرات الصناعية للمستوطنات من مكونات أو قطع منفصلة يتم دمجها في منتجات اخرى، ما يجعل تتبعها صعبا. وفي القطاع الزراعي، تصدر المستوطنات التمور والفاكهة والخضار ونبيذ الجولان. كما ان مستحضرات التجميل الآتية من البحر الميت لها مكانها.
ورحب الفلسطينيون بالخطوة الاوروبية، معتبرين انها إيجابية ولكن غير كافية.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي «نرحب بالخطوة الاوروبية وان كانت متأخرة وغير كافية» داعيا الاتحاد الاوروبي الى «مقاطعة شاملة للمستوطنات والاستيطان».
من جهته، قال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات «نرحب بهذه الخطوة الاوروبية وندعو الاتحاد الاوروبي الى مقاطعة شاملة وكاملة للمستوطنات الاسرائيلية».
وأضاف عريقات ان «الاستيطان جريمة حرب ومقاطعة المستوطنات والمستوطنين هو تطبيق للقانون الدولي والشرعية الدولية».
وأعربت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة اسرائيل في بيان عن ارتياحها للقرار الاوروبي، معتبرة انه يدل على ان الحكومات الاوروبية أصبحت أكثر ميلا للقيام ببعض الخطوات ضد انتهاكات اسرائيل للقانون الدولي.
ورأى المنسق العام للجنة المقاطعة الفلسطينية محمود النواجعة ان وضع ملصقات على عدد صغير من المنتجات الاسرائيلية «ليس ردا بمستوى حجم جرائم الحرب الاسرائيلية المتواصلة».
في المقابل، اعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان وضع ملصقات تدل على منشأ منتجات المستوطنات الاسرائيلية اتخذ لأسباب قانونية مرتبطة بمصدر السلع وليس إجراء سياسيا.
وقال نتنياهو، الموجود حالياً في واشنطن، ان «قرار الاتحاد الأوروبي هو عبارة عن نفاق وسياسة الكيل بمكيالين لأنه يشمل فقط اسرائيل وليس 200 نزاع آخر يدور في العالم».
وأضاف نتنياهو «الاقتصاد الاسرائيلي متين وقادر على التغلب على هذه الخطوة، ولكن الطرف الذي سيتضرر منها سيكون الفلسطينيين الذين يعملون في المصانع الاسرائيلية» معتبرا انه «يجب على الاتحاد الأوروبي أن يخجل من نفسه».
واستدعت اسرائيل على الفور ممثل الاتحاد الاوروبي لديها.
واتهمت وزارة الخارجية الاسرائيلية الاتحاد الاوروبي بأنه تسبب عبر هذا «الإجراء التمييزي» الذي اتخذه «لأسباب سياسية»، بمزيد من التعقيد في عملية التسوية مع الفلسطينيين المتوقفة منذ ربيع العام 2014.
وعبّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية عمانوئيل نحشون، في بيان، عن استيائه إزاء سياسة «الكيل بمكيالين» التي اتهم الاتحاد الاوروبي بممارستها بينما «هناك أكثر من مئتي نزاع على أراض في العالم»، فيما «تواجه اسرائيل حالياً موجة إرهاب».
وأضاف ان «وضع ملصقات على المنتجات لا يؤدي الى دفع عملية السلام قدما بين اسرائيل والفلسطينيين بل بالعكس».
وتابع المتحدث ان هذا الإجراء «يمكن ان تكون له انعكاسات على العلاقات بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي».
أما وزيرة العدل الاسرائيلية اييليت شاكيد فذهبت أبعد من اذلك، اذ اتهمت الاتحاد الاوروبي بمعاداة السامية، معتبرة ان الإجراء المتخذ هو «قرار ضد الاسرائيليين واليهود»، وان «النفاق الاوروبي والكراهية ضد اسرائيل تخطيا كل الحدود».
وشبه مسؤول اسرائيلي آخر القرار بـ «المقاطعة»، فيما اعتبره آخر «مكافأة للارهاب»، فيما اقترح أحد النواب الاسرائيليين وضع ملصقات على المنتجات الاوروبية التي تورّد الى اسرائيل، في دعوة واضحة الى مقاطعة هذه المنتجات.
وأمام رد الفعل الجنوني من جانب اسرائيل، سعى الاتحاد الاوروبي الى التقليل من أهمية خطوته. وأكد نائب رئيس السلطة التنفيذية الاوروبية فالديس دومبروفسكيس، في مؤتمر صحافي، ان الخطوة الأخيرة «مسألة تقنية وليست موقفا سياسيا»، مذكرا بأن الاتحاد «لا يدعم أي شكل من أشكال مقاطعة أو فرض عقوبات على اسرائيل».
وأضاف ان وضع الملصق له علاقة بسياسة حماية المستهلك في الاتحاد الاوروبي الذي تشكل دوله الثماني والعشرون سوقاً تعد 500 مليون شخص، موضحاً ان «المفوضية توفر إرشادات الى الدول الاعضاء والهيئات الاقتصادية لضمان توحيد تطبيق التشريعات المتصلة بتحديد منشأ منتجات المستوطنات الاسرائيلية».
وأشار دمبروفسكيس الى ان قرار الاتحاد الاوروبي الذي جرت مناقشته منذ العام 2012 «ليس تشريعا جديدا او سياسة جديدة، بل يوضح بعض العناصر المتصلة بالتفسير والتطبيق الفعال للتشريع الاوروبي القائم».
وتشكل السلع المعنية ومعظمها منتجات زراعية (فاكهة وخضار ونبيذ) ومستحضرات تجميل، «اقل من 1 في المئة» من مجمل المبادلات التجارية بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل، أي ما قيمته 154 مليون يورو في العام 2014، بحسب ارقام المفوضية.
لكن فضلا عن تأثير القرار الاوروبي على الميزان التجاري، تخشى الحكومة الاسرائيلية من أن يؤدي التدبير الاوروبي ايضا الى «دعم وتشجيع» حركة المقاطعة العالمية التي تكتسب زخماً.