افراسيانت - عشية الزيارة إلى المغرب تم نشر مقال لرئيس الوزراء الروسي السيد دميتري مدفيديف، في صحيفة الأخبار.
تبدأ اليوم زيارتي إلى المملكة المغربية. وفي هذا الصدد أودّ أن اكشف أمام القراء الكرام بعض الأفكار حول أهمية المغرب بالنسبة لروسيا والمرحلة التي تمر بها علاقاتنا الثنائية حاليا وآفاق تطويرها.
هناك آلاف الكيلومترات تفصل بين دولتينا، ولكن من الصعب جدا إيجاد مواطن روسي لم يسمع عن المغرب. فالروس يعرفون عن المملكة منذ نعومة أظافرهم، قبل كل شيء بفضل علامة أنيقة على شكل المعين مع كتابة "Maroc" عليها، حيث كان الأطفال السوفيات وبعدهم الروس يجدون هذه العلامة ملصقة على البرتقال واليوسف أفندي التي تباع في المحلات التجارية الروسية في الشتاء البارد الذي يزيد من لذّتها. وتستعمل هذه الفواكه أحيانا لإضفاء الروعة على طاولة عيد رأس السنة – العيد الذي يفضله الشعب الروسي على جميع الأعياد الأخرى. ولذلك لا يندهش المرء على أنه مع مرور الزمن أصبح هذا المعين بمثابة رمز للصداقة الروسية المغربية وعطف الروس ومشاعرهم الإيجابية تجاه المملكة.
وبطبيعة الحال، بفضل التطور العلمي والتكنولوجي لا تعتبر مسافات بعيدة بين الدول حاجزا أمام التواصل بين الحكومات والشعوب. غير أنها لم تؤثر أبدا على تطور العلاقات بين روسيا والمغرب. لكلا البلدين تاريخ معقد حيث وقعت على نصيبهما اختبارات صعبة في القرن العشرين. والوضع في العالم المعاصر الذي نعيش فيه اليوم ليس سهلا ولا يصبح أسهل. ولكن، إذا نظرنا إلى الماضي، يمكن أن نقول بكل تأكيد إننا دائما نسعى إلى الحوار على أساس الاحترام المتبادل والآخذ في الاعتبار لمصالح بعضنا البعض.
للعلاقات الروسية المغربية تاريخ قديم، حيث اقترح السلطان محمد الثالث بن عبد الله على الإمبراطورة كاترينا الثانية، في العام 1777، إقامة الاتصالات والشروع في التجارة بين الإمبراطورية الروسية والدولة العلوية. ولكن مضت السنوات الـ120 الطويلة، قبل تأسيس القنصلية العامة لروسيا في طنجة وتعيين الدبلوماسي الروسي المحنك فاسيلي باخيراخت رئيسا للبعثة. يا له من تاريخ مثير للإعجاب! وفي السنة القادمة، سنحتفل باليوبيل الـ 120 على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والامبراطورية الروسية.
وانطلقت العلاقات الرسمية بين البلدين في فترة صعبة، حيث كانت أراضي شمال إفريقيا ذات الأهمية الاستراتيجية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين موضوع تصادم المصالح للقوى العالمية العظمى. وكانت عبارة "الأزمة المغربية" من أبرز العناوين الصحافية آنذاك. وكانت روسيا على الدوام معنية بتعزيز استقلال المغرب، كما استمر الاتحاد السوفياتي في هذا النهج عن طريق دعمه المتواصل لنضال الشعب المغربي من أجل التحرر من التبعية الاستعمارية.
وبدأت المرحلة الجديدة للعلاقات الثنائية بالزيارة الرسمية لصاحب جلالة المالك محمد السادس إلى روسيا في العام 2002، عندما تم التوقيع على إعلان الشراكة الاستراتيجية الذي سنحيي بعد أيام قليلة ذكرى 15 سنة لتوقيعه. وقام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بزيارة رسمية إلى المغرب في العام 2006. وشكلت زيارة جلالة المالك إلى روسيا في ربيع العام 2016 انعطافة، حيث تم الاتفاق على إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة بين البلدين تطويرا للإعلان من العام 2002، والذي يعبّر عن الحرص على مواصلة تعزيز العلاقات الثنائية على كافة الصعد وإقامة التنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية من أجل تسوية النزاعات والأزمات.
والهدف الأساسي لزيارتي، هو تعزيز الروابط التجارية الاقتصادية بكل مكوناتها وتطوير التعاون في مختلف قطاعات الاقتصاد. وبطبيعة الحال، سنناقش القضايا الدولية والإقليمية الملحة التي تهمنا.
ويُعتبر المغرب من أكبر شركاء روسيا التجاريين في إفريقيا والعالم العربي. ووفقا لإحصاءات مصلحة الجمارك الروسية، ازداد حجم التبادل التجاري بين البلدين بـ27.2% في العام 2016. وتسهم روسيا تقليديا بقسطها المهم في تلبية احتياجات المغرب في حوامل الطاقة، كما تصدر إلى المملكة القمح والمعادن والأسمدة والكبريت وسلع أخرى.
ولا يزال الصيد البحري مجالا محوريا للتعاون بين البلدين. وللشركات الروسية رصيد غني من خبرة إنشاء السدود والمحطات الحرارية وإعادة بنائها في المغرب مثل المحطة الحرارية بجرادة وسد المنصور الذهبي وكذلك مد خطوط الكهرباء بطول 200 كم، وأيضا سد مولاي يوسف. ورمز هذا التعاون – سد الوحدة الذي أنشأته شركة "تقنو بروم اكسبورت" الروسية ويعتبر سد الوحدة من اكبر السدود في إفريقيا والعالم العربي وبعد تشغيله في عام 1998 يولد 30% من الكهرباء في المغرب. كما لا بد أن أشير إلى إطلاق أول قمر صناعي مغربي منمركز بايكونور الفضائي.
ومن المهم جدا أن التعاون الروسي المغربي لا ينحصر في القطاعات التقليدية، بل ويفتح مجالات الجديدة بفضل استخدام تكنولوجيات حديثة. ومن المشاريع المثيرة للاهتمام أود أن أشير إلى تنفيذ شركة "ويست غروب" الروسية (المقيمة في تجمع التكنولوجيات المعلوماتية في مركز "سكولكوفو" الروسي للمبتكرات) مشروع ابتكاري لإدخال المنظومة الآلية للتحكم في نظام النقل في الجبال على اساس نظام الملاحة بالاقمار الصناعية "غلوناس" الروسية وكذلك مشروع ابتكاري "كاريير" لإدخال منظومة الفواعل الآلية للتحكم في العمليات الفنية في التعدين بالحفرة المكشوفة لصالح المكتب الشريف للفوسفاط في اكبر منجم للفوسفاط في المغرب بخريبكة. ومن المفترض توسيع نطاق هذا المشروع ليشمل جميع المناجم تحت اشراف المكتب الوطني في الاراضي المغربية.
كما تُبذل جهود حثيثة في اطار المشروع لترويج المحطات الالكترونية للدفع مقابل الخدمات في اسواق الممكلة المغربية، وتمتلك شركة "في 2 بي" الروسية الابتكارات للمشروع. ويتضمن المشروع ادخال منظومة المدفوعات الالكترونية عن طريق المحطات للدفع والبرمجيات من الانتاج الروسي.
كما تزداد المنتجعات المغربية شعبيةً في روسيا حيث لا يحتاج المواطنون الروس الى التاشيرة لزيارتها. وتدل ارقام اللجنة الحكومية للاحصاء على انه في عام 2016 زار المغرب حوالي 33 الف سائح روسي، ما يفوق باربعة اضعاف ارقام عام 2015 (8 الف سائح). الارقام متواضعة، ولكن ثمة مجال للمضي قدما الى الامام.
الشيء الاهم – يجب علينا الّا نكتفئ بما قد حققناه، بل ونستمر في البحث عن مجالات واعدة جديدة لتوسيع التعاون، وذلك بهدف تجسيد الفرص الكامنة. ولتحقيق هذا الهدف كل الفرص متوفرة، بيما فيها الآلية المضبوطة للشراكة العملية – اللجنة الحكومية الروسية المغربية المشتركة في التعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني التي انعقدت مؤخرا – في يوليو/تموز الماضي – دورتها السادسة.
ويعود الدور المهم والمحفز الى دوائر الاعمال في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين بكل مكوناتها. ومن دواعي سرورنا تزايد الاهتمام لرجال الاعمال في السنوات الاخيرة في اقامة التعاملات المباشرة فيما بينهم. والمثال الاخير – عقد المنتدى الاقتصادي الكبير في اكادير في سبتمبر/ايلول عام 2016 تحت عنوان "روسيا – المغرب: الشراكة الاستراتيجية الفعالة"، والذي شارك في اعماله حوالي 300 رجل اعمال من كلي البلدين. وعلى هامش زيارتي الى المملكة من المفترض تنظيم بعثة تجارية روسية الى المغرب. واتطلع على ان نتائج عملها ستصب في جهودنا المشتركة في هذا المجال.
كما اود ان اشير بشكل خاص الى تعزيز الاطر القانونية للعلاقات الثنائية على اساس منتظم. وخلال السنوات العشر الماضية تم ابرام ما يزيد عن عشرين اتفاقية للتعاون تشمل معاهدات واتفاقيات حكومية ووزارية. وفي اطار زيارتي الى المملكة من المفترض التوقيع على جملة من اتفاقيات جديدة للتعاون في مجالات الجمارك والزراعة والثقافة والتعاون الصناعي.
كما تقدر روسيا تقديرا عاليا الموقف المستقل والبناء للمغرب من القضايا الدولية الملحة، وقبل كل شيء تلك التي تتعلق بالاوضاء في الشرق الاوسط ومحاربة الارهاب. ونؤيد جهود القيادة المغربية للتصدي للتطرف ودعم وتعزيز الانسجام في المجتمع المغربي والتوافق من المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
وللتعاون الروسي المغربي امكانات هائلة وعلينا ان نبذل كل ما في وسعنا من الجهد من اجل استغلالها بصورة كاملة.
وفي الختام اود ان اذكر رمزا آخر للمغرب لدى الشعب الروسي وهو فيلم "كازبلانكا" – تحفة السينما للقرن الـXX – الذي كانت بلادكم بيئة للحدث فيه. ويعرف جميع محبي السينما المقالة الاخيرة لهذا الفيلم الرائع: "اعتقد ان هذه بداية صداقة جميلة". فإن الصداقة بين روسيا والمغرب بدات منذ زمن بعيد، وهناك اساس للاعتقاد بأنه سيتواصل تعزيزها وتوطيدها خدمة لمصالح الشعبين الروسي والمغربي.