افراسيانت - عبد الله سليمان علي - السفير - أيام عصيبة تمر بها الأزمة السورية. فالولايات المتحدة تسعى الى تعزيز التصويب على معقل تنظيم «داعش» في محافظة الرقة، من دون أن يكون واضحاً ما هي التداعيات والأبعاد السياسية والعسكرية التي يمكن أن تترتب على فتح هذه المعركة في هذا التوقيت.
ومن جهة ثانية، تبدو الهدنة كأنها تلفظ الأنفاس الأخيرة التي بقيت لها فقط بفضل الإصرار الأميركي ـ الروسي على عدم إعلان وفاتها، برغم كل الانتهاكات والخروقات التي تعرضت لها. وهذا ما يجعل الساحة السورية في المرحلة المقبلة مرشحة لتصعيد قد يكون غير مسبوق. لكن التصعيد قد لا يكون حكراً على سوريا فحسب، بل على المنطقة والعالم، لا سيما في ظل تهديدات «داعش» الجديدة باستهداف السعودية وأميركا خصوصاً، والغرب عموماً.
وبالرغم من الشكوك التي تثار حول إمكانية فتح معركة الرقة بالأسلوب والتوقيت الذي توحي به التصريحات والتحركات الأميركية، إلا أن الزيارة الأولى من نوعها منذ بدء الحملة الدولية ضد «داعش» لمسؤول أميركي على هذا المستوى للأراضي السورية، والتي قام بها قائد القوات المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل إلى عين العرب (كوباني)، تعتبر تتويجاً لمجمل المؤشرات الأميركية بخصوص قرب إطلاق معركة الرقة، خصوصاً أن المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى «التحالف الدولي» بريت ماكغورك كان صريحاً في وضع زيارة الجنرال الأميركي في إطار «التحضير من أجل معركة الرقة»، كما كتب على صفحته على «تويتر».
وذكر بيان القيادة الأميركية المركزية، أمس، أن فوتيل التقى المسؤولين العسكريين الأميركيين في سوريا، من دون أن يتم تحديد المكان الذي تم اللقاء فيه. لكن وكالة «أسوشييتد برس» أكدت أنه زار مدينة عين العرب. كما أشارت وسائل إعلام أميركية إلى أن فوتيل بقي في سوريا لمدة 11 ساعة.
وتأتي زيارة فوتيل، التي وصفت بالسرية، بالتزامن مع تصاعد الحديث عن حملة عسكرية مرتقبة، ستطلقها خلال ساعات «قوات سوريا الديموقراطية» بغطاء جوي أميركي. كما تأتي الزيارة بعد أيام من دخول ماكغورك، برفقة مسؤولين فرنسيين وبريطانيين، إلى عين العرب ولقائه قادة «مجلس سوريا الديموقراطية». وكان هدف هذه اللقاءات، بحسب ماكغورك، «تقييم حالة حملة التصدي لتنظيم داعش في سوريا». وكانت طائرات التحالف قد ألقت قبل أيام، مناشير على مدينة الرقة تدعو المواطنين فيها للنزوح، لأن «وقت الرحيل قد حان» كما كتب على أحد هذه المناشير، وهو ما اعتبره البعض مؤشراً على أن المعركة باتت قاب قوسين أو أدنى.
وفي هذا السياق، أكد نشطاء معارضون أن مجموعة من الطوافات الأميركية هبطت، أمس الأول، في المطار الزراعي الصغير في منطقة الرميلان الغنية بالنفط في ريف الحسكة. كما كشفت حملة «الرقة تُذبح بصمت» عن وجود 25 عنصراً من الجيش الأميركي في مدينة عين عيسى شمال الرقة، يشرفون على تدريب المقاتلين الأكراد، بالإضافة إلى إدارة حركة الطيران الحربي في المنطقة والعمليات العسكرية التي تجري هناك. وقد وصف موقع «الحملة» الوجود الأميركي بأنه «الأكثر جرأة» حتى الآن. كما عززت القوات الأميركية وجودها في معمل لافارج للأسمنت الواقع بالقرب من قرية خراب عشق، والذي قالت الحملة إنه بدأ يتحول إلى قاعدة عسكرية. ومع ذلك فإن أحد نشطاء «الرقة تُذبح بصمت»، والذي رفض الكشف عن اسمه، أكد لـ «السفير» أن التحركات الأميركية الأخيرة لا تعني أن «معركة الرقة» باتت محسومة من حيث وقوعها، مشيراً إلى أن الوقائع على الأرض توحي أن الصراع ما زال طويلاً ولا بوادر على انتهائه خلال فترة زمنية قصيرة.
وهناك العديد من العقبات التي تجعل فتح معركة الرقة من دون العمل على تجاوزها بحكم المغامرة. وأهم هذه العقبات تحديد القوة التي ستدخل المدينة، وضرورة وجود تمثيل عربي وازن فيها يعادل التمثيل الكردي. وكذلك عدم وجود محاور كافية لإطلاق هجوم كبير باتجاه الرقة، إلا من جهة الشمال والشمال الشرقي حيث المسافة بين أقرب نقطة كردية وبين المدينة تصل إلى حوالي 50 كيلومتراً، وهو ما يعني أن الوصول إلى الرقة يحتاج إلى وقت ليس بقصير.
كما يشكل مصير المدنيين في الرقة، والبالغ تعدادهم حوالي 600 ألف شخص، عقبة تحول دون إطلاق معركة كبيرة قبل اتخاذ إجراءات تسمح لهم بالهروب من مناطق الاشتباكات المحتملة من دون التعرض للخطر. وفي هذا السياق، أكدت مصادر محلية من الرقة، لـ «السفير»، أن تنظيم «داعش» يفرض بطريقة غير مباشرة مبالغ طائلة على كل عائلة ترغب بالخروج من الرقة، مشترطاً على هذه العائلات عدم التوجه نحو الريف الشمالي للمحافظة.
ويبقى الأهم هو مدى التنسيق الأميركي في هذه الخطوة باتجاه الرقة مع الطرف الروسي؟ وما هو الموقف الروسي والسوري في حال إطلاق المعركة من دون التنسيق معهما؟ ومن الجدير بالذكر هنا أن مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة في جنيف ألكسي بورودافكين كان قد صرح أواخر الشهر الماضي أن «الجيش السوري بدعم من سلاح الجو الروسي يخطط للهجوم باتجاه دير الزور والرقة». وتأتي هذه التساؤلات في ظل ما يمكن أن تؤدي إليه معركة الرقة من تأثيرات على جبهات يقودها الجيش السوري ضد «داعش»، سواء في دير الزور أو ريف حمص، لأن أي تراجع للتنظيم في الرقة سيدفعه إلى حشد عناصره المنسحبين من المدينة باتجاه إحدى هاتين الجبهتين، وهو ما سيشكل عبئاً إضافياً على الجيش وحلفائه.
العدناني يهدد
واستجابة للتطورات السابقة التي تشكل تهديداً جدياً لمعقله الرئيسي في سوريا، قام «داعش» بتحصين مواقعه في ريف الرقة الشمالي، من خلال زيادة عدد عناصره ونشرهم بكثافة داخل القرى والحقول الزراعية المحيطة بها، كما أنشأ العديد من الخنادق والمتاريس وحقول الألغام بهدف عرقلة أي تقدم تقوم به «قوات سوريا الديموقراطية». هذا بالإضافة إلى استعداده للقيام بعمليات انغماسية في عمق صفوف خصومه بهدف إرباكها وتشتيت جهودها.
في غضون ذلك، كان لافتاً خروج المتحدث باسم «داعش» أبي محمد العدناني كي يقلل من أهمية خسارة المدن والمناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وذلك في تسجيل صوتي نشرته مؤسسة «الفرقان»، وحمل عنوان «ويحي من حيّ عن بينة».
وعلى الرغم من أن البعض اعتبر كلام العدناني «انهزامياً»، وفيه إشارة إلى احتمال هزيمة التنظيم وخسارته المزيد من المدن، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا، إلا أن مقربين من «داعش» رأوا ضرورة أن يؤخذ كلام العدناني بحرفيته وأنه «تعبير عن إستراتيجية التنظيم المتبعة في مواجهة الحملة العالمية ضده». فالتنظيم، بحسب هؤلاء، بات أكثر إدراكاً أنه غير قادر على الحفاظ على المساحات الشاسعة من المدن والمناطق التي يسيطر عليها، وأنه مهما طال الزمن سيضطر إلى الانسحاب منها تحت وطأة العملية العسكرية ضده، وهو ما دفعه إلى تغيير إستراتيجيته، مستفيداً من معركة عين العرب التي كلّفته خسائر كبيرة.
وقد يكون من أهم معالم الإستراتيجية الجديدة، بالإضافة إلى التخلي عن المعارك الدفاعية الباهظة الثمن، هو تكثيف العمليات الخارجية. ووجه العدناني تهديدات مباشرة إلى كل من السعودية والولايات المتحدة وأوروبا. وتحدث عن «فتح جزيرة العرب»، طالباً من أنصاره أن «يتهيأوا ويتأهبوا.. فها قد أتاكم شهر رمضان، شهر الغزو والجهاد، شهر الفتوحات». كما خصّ «جنود الخلافة وأنصارها في أوروبا وأميركا» بالدعوة إلى «فتح باب الجهاد» رداً على إغلاق باب الهجرة في وجوههم، طالباً منهم تنفيذ العمليات في أي مكان وضد أي هدف، وعدم الاقتصار على الأهداف العسكرية، مشدداً على جواز استهداف المدنيين صغاراً أو كباراً، بل اعتبر استهداف المدنيين «أحب إلينا وأنجع كونه أنكى بهم وأوجع».
الفصائل: الهدنة بحكم المنهارة
واستبقت مجموعة كبيرة من الفصائل موعدَ انتهاء المهلة التي وضعتها روسيا الاربعاء، قبل أن تبدأ بعمليات القصف ضد الفصائل الرافضة للهدنة، ووضعت مهلة تنتهي في الموعد نفسه تقريباً.
وقالت الفصائل، في بيان أمس، إنها «تعتبر اتفاق وقف الأعمال القتالية بحكم المنهار تماماً»، وإنها «ستتخذ كل الإجراءات الممكنة وترد بكل الوسائل وفي جميع الجبهات».
وأمهل البيان «الأطرافَ الراعية لاتفاق وقف الأعمال العدائية 48 ساعة لإنقاذ ما تبقى من هذا الاتفاق»، وهو الموعد الذي يتصادف مع نهاية المهلة الروسية الأربعاء المقبل. ولم تكتف الفصائل بذلك، بل اعتبرت أن «العملية السياسية برمّتها ستكون في مهب الريح»، وأن الفصائل ستفكر جدياً بالانسحاب «من عملية سياسية عقيمة».
ووقع على البيان حوالي 40 فصيلاً، مدعوماً من الغرب ومن تركيا والسعودية، بينها «جيش الإسلام»، «الفرقة الشمالية»، «جيش المجاهدين»، «فرقة السلطان مراد»، «جبهة ثوار سوريا»، «فيلق الشام»، «فيلق الرحمن»، «الجبهة الشامية»، «جيش النصر»، «لواء الحبيب محمد»، «حركة نور الدين الزنكي»، «لواء صقور جبل الزاوية»، «جبهة الأصالة والتنمية»، «اللواء العاشر في الساحل»، «تجمع فاستقم كما أمرت»، «جيش اليرموك»، «فيلق حمص»، «كتائب أنصار الشام»، «تجمع أسد الله غالب».