افراسيانت - العرب - يبدو موقف الولايات المتحدة من الأزمة الليبية مرتبكا وغير واضح، فبعد نفي مسؤوليها وجود قوات أميركية خاصة في هذا البلد الغارق في الفوضى، يؤكد قائد هيئة أركانها المشتركة عزم بلاده إرسال مستشارين لتدريب القوات الموالية لحكومة الوفاق، وقبله نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تسريبات عن وجود جنود أميركيين في ليبيا لجمع معلومات استخباراتية حول المجموعات المتشددة.
فقد كشف الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، أن الولايات المتحدة وليبيا قد تتوصلان قريبا إلى اتفاق بشأن إرسال مستشارين أميركيين إلى ليبيا لمساعدة القوات الليبية على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي تمكن من السيطرة على عدد من المدن والمناطق المحورية.
وقال دانفورد في تصريحات نقلتها صحيفة “واشنطن بوست” “هناك مفاوضات مكثفة بين البلدين، وحتى الآن لم نتمكن من إرسال هذه القوة إلى ليبيا، بسبب عدم وجود اتفاق بهذا الشأن، ولكن ذلك قد يحدث في أي لحظة من اللحظات”.
ورجح الجنرال الأميركي “أن تكون هذه البعثة في ليبيا طويلة الأمد”، مفيدا بأن مهمة العسكريين الأميركيين في ليبيا ستتلخص في إعداد وتدريب المقاتلين الموالين لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” منذ أكثر من أسبوع، تسريبات مفادها أن هناك فريقين من الجنود الأميركيين يقل عددهما الإجمالي عن 25 جنديا، يعملان في مناطق حول مدينتي مصراتة وبنغازي، سعيا إلى استمالة حلفاء محتملين، وجمع معلومات بشأن التهديدات المحتملة للتنظيمات الجهادية والميليشيات الإسلامية.
ولم ينف الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية، بيتر كوك، تسريبات الصحيفة، لكنه أكد أن وجود هذه القوات ليس دائما في ليبيا حيث تدخل وتخرج من وقت إلى آخر.
وبالعودة إلى تصريحات جوزيف دانفورد، ذكر أن بعض دول حلف الشمال الأطلسي مهتمة بالمشاركة في المهمة الأميركية في ليبيا، “إلا أن التفاصيل الخاصة بمن سيشارك لا تزال غير واضحة” حسب قوله.
مهمة العسكريين الأميركيين في ليبيا ستتلخص في إعداد وتدريب المقاتلين الموالين لحكومة الوفاق الوطني
وأعلن منذ يومين، وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن حلف الأطلسي يمكنه أن يلعب دورا في ليبيا لدعم مهمة الاتحاد الأوروبي البحرية.
وسبق أن أفادت مصادر دبلوماسية بأن فرنسا وبريطانيا بصدد الإعداد لمشروع قرار الأمم المتحدة يسمح لسفن الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط، باعتراض سفن يشتبه بأنها تنقل أسلحة إلى ليبيا.
وبذلك سيتم توسيع عملية الاتحاد الأوروبي “صوفيا” عبر تعزيز الحظر على الأسلحة الذي وقع فرضه على ليبيا في العام 2011 خلال الانتفاضة ضد معمر القذافي.
وفسّر بعض المتابعين تصريحات كيري بخصوص المهمة البحرية الأوروبية، بأن واشنطن لن تكون في الصفوف الأولى للدول التي ستحارب داعش في ليبيا، غير أن التصريحات المتتالية من هنا وهناك للمسؤولين الأميركيين والتسريبات الصحافية بخصوص وجود قوات أميركية تفيد بعكس ذلك أو ربما الولايات المتحدة تريد أن تلعب دورا غير معلن في ليبيا حتى لو تعلّق الأمر بمحاربة تنظيم إرهابي خاصة بعد تصريحات باراك أوباما بخصوص الوضع في ليبيا.
وأقر الرئيس الأميركي بأن عدم التخطيط لما بعد التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا سنة 2011 والذي أسفر عن الإطاحة بنظام معمر القذافي، هو أكبر خطأ خلال فترة ولايته الرئاسية.
وكثيرا ما ينتقد خبراء أمنيون تدخل الناتو في ليبيا، معتبرين أنه كان السبب الرئيسي وراء الفوضى المستشرية التي تعاني منها ليبيا إلى اليوم.
ويعدّ الموقف الأميركي الحالي من الأزمة الليبية والذي يتّسم بالسلبية تعبيرا عن عدم رغبة إدارة أوباما في تكرار سيناريو التدخل سنة 2011، فقد تمسّكت الولايات المتحدة وحلفاؤها، آنذاك، بمبدأ التدخل العسكري في ليبيا رغم إدراكهما المسبق بأن إطاحة نظام معمر القذافي سيدفع نحو الفوضى وسيطلق العنان للراديكالية الإسلامية.
وكان الحلف الأطلسي نفذ في مارس 2011 غارات في ليبيا في إطار قرار لمجلس الأمن يهدف إلى حماية المدنيين من قمع النظام حينها، لكن بعض أعضاء مجلس الأمن وخصوصا روسيا والصين اعتبروا أن الغارات الأطلسية تجاوزت تفويض القرار الدولي.
وأكد مراقبون، في ذلك الوقت، أن الهدف الاستراتيجي لحلف الناتو من خلال عملياته العسكرية في ليبيا هو السيطرة على مقدرات وموارد الدولة من نفط وغاز، وكذلك جعل ليبيا موطئ قدم للأوروبيين في منطقة شمال أفريقيا، في ظل ضعف النفوذ الأوروبي الحاصل منذ سنوات، بفعل التنافس الأميركي الصيني على هذه القارة، بالإضافة إلى الموقع الجيو استراتيجي الليبي وطول الساحل البحري، الذي يؤهل ليبيا لأن تكون محطة أوروبية جديدة للنقل البحري من وإلى أفريقيا، الأمر الذي شجع الأوروبيين على القيام بتدخل عسكري مبرّره الظاهري حماية المدنيين.