تحول نوعي في موقف تونس من مسألة وجود قوات أجنبية على أراضيها وسط نشاط استخباري أميركي ملحوظ في جنوب البلاد.
افراسيانت - العرب - الجمعي قاسمي - تونس - تستعد السلطات التونسية لتمرير مشروع قانون عبر مجلس نواب الشعب (البرلمان) يسمح بتواجد قواعد عسكرية أجنبية على ترابها، تحت عناوين مُختلفة، وذلك في تحرك يُرجح أن يُثير ردود فعل غاضبة في الشارع التونسي، رغم تزامنه مع احتدام المواجهات مع داعش في الجنوب الشرقي غير بعيد عن الحدود الليبية.
وقال وزير الدفاع التونسي، فرحات الحرشاني، إنه “يجري حاليا التحضير لوضع إطار قانوني، يسمح بتواجد بواخر عسكرية وقوات أجنبية، وتقنيين عسكريين في تونس من أجل تكوين القوات العسكرية التونسية”.
ولم يوضح الحرشاني، الإطار الذي سيستوعب تواجد البواخر والقوات العسكرية الأجنبية في بلاده، واكتفى في تصريح بثته الأحد إذاعة “جوهرة أف أم” المحلية التونسية، بالإشارة إلى أن ذلك “سيندرج ضمن العلاقات الثنائية التي تربط تونس بالدول الصديقة”، على حد قوله.
وهذه المرة الأولى التي تُعلن فيها تونس رسميا عن استعدادها للقبول بحضور عسكري أجنبي على أراضيها، وذلك في سابقة من شأنها استعادة الجدل الذي عرفته البلاد خلال السنوات القليلة الماضية على خلفية التواجد العسكري الأجنبي، وخاصة منه الأميركي والفرنسي في جنوب وغرب وشمال شرق البلاد.
ويرى مراقبون أن هذا الإعلان يُعد تحولا نوعيا في موقف تونس التي كثيرا ما رددت أنها “ترفض أي تواجد عسكري لقوات أجنبية على أراضيها لما له من مس بسيادة الدولة”.
وغطى الهجوم الإرهابي الخطير الذي استهدف فجر الاثنين، ثكنة عسكرية ومراكز أمنية وسط مدينة بن قردان في أقصى الجنوب الشرقي التونسي غير بعيد عن الحدود مع ليبيا، على هذا الموقف الخطير، الذي أعاد حديث القواعد العسكرية الأجنبية في تونس إلى الواجهة من الجديد على وقع المخاطر الأمنية التي تتربص بالبلاد.
ومع ذلك، حذر زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي الممُثل في البرلمان التونسي، من خطورة ما ورد على لسان وزير الدفاع التونسي، وقال لـ”العرب” إن “كل عمل من شأنه الانتقاص من السيادة الوطنية بأي شكل من الأشكال، وتحت أي عنوان، وبغض النظر عن أسبابه ومبرراته، هو مرفوض من الشعب وقواه الحية”.
وشدد على أن التفريط في السيادة الوطنية بذريعة مكافحة الإرهاب، هو “استسلام للإرهاب، ذلك أن أجندة الإرهاب هي التفريط في الأوطان للاحتلال سواء أكان داعشيا أم غربيا”، على حد تعبيره.
ورأى زهير حمدي أنه ليس من خيار أمام السلطات التونسية “سوى التعويل على قدراتها الذاتية لمواجهة آفة الإرهاب، والتعاون والتنسيق الاستراتيجي مع دول الإقليم باعتبارها صاحبة مصلحة في دحر الإرهاب”.
ويُعتبر حديث القواعد العسكرية الأجنبية في تونس قديما جديدا، وقد اتخذ منحى تصاعديا خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية، عندما تم الكشف عن أن وحدات من الجيش الأميركي تعمل على توسيع عدد من المستشفيات التونسية في مناطق بالجنوب الشرقي التونسي غير بعيد عن الحدود الليبية.
وأكدت وسائل إعلام محلية أن بحوزتها وثائق تُثبت أن الجيش الأميركي وقع اتفاقية مع وزارة الصحة التونسية في عهد عبداللطيف المكي القيادي البارز في حركة النهضة الإسلامية، ينص على توسيع 3 مستشفيات تقع في “الفوار”، و”رمادة”، و”الذهيبة” في أقصى الجنوب التونسي، وأشارت إلى أن عددا من جنرالات سلاح الجو الأميركي يُشرفون على هذا المشروع الذي لا تستطيع وزارة الصحة التونسية مراقبة أعماله أو التدخل فيها.
وتتالت الأنباء عن تواجد قوات غربية في تونس، حيث أكد المدير السابق للمخابرات العسكرية التونسية العميد موسى الخلفي، وجود طائرات أميركية من دون طيار، وعدد من الضباط الأميركيين في جنوب شرق تونس.
وكشفت “العرب” في يوليو من العام الماضي أن تونس أبدت استعدادها لاستقبال معدات أميركية للتنصت تمهيدا لإقامة قاعدة في مدينة “الهوارية” من محافظة نابل بشمال شرق تونس.
ونفت السلطات التونسية تلك الأنباء، ولكن ذلك لم يُبدد الجدل المتصاعد حول نشاط عسكري أميركي متزايد داخل التراب التونسي، وخاصة قرب الحدود الليبية، حيث برزت تقارير إعلامية أميركية وفرنسية تؤكد صحة تلك الأنباء، منها ما ذكرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية من أن البنتاغون يعمل على تطوير قاعدة مهملة في الجنوب التونسي لـ“متابعة العمليات الجهادية في ليبيا”.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، نقلا عن مسؤول أميركي كبير، عن تقدم واشنطن بطلب لدول في شمال أفريقيا لاستقبال طائرات من دون طيار لتعزيز مراقبتها لداعش في ليبيا.