أمريكا تتظاهر دون أن تثور.. كيف تحولت السياسة الأمريكية إلى عرض مسرحي دائم؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - تشهد الساحة السياسية الأمريكية في السنوات الأخيرة ظاهرة وصفها بعض المراقبين بـ”الثورات الوهمية المتواصلة”، حيث تتدفق الملايين إلى الشوارع احتجاجًا على قضايا رمزية، دون تقديم مطالب ملموسة أو التحدي الفعلي للسلطة، بحسب ما أشارت الكاتبة كاتلين جونستون في تحليل لها.


فعلى سبيل المثال، شهدت الولايات المتحدة مؤخراً احتجاجات “لا ملوك”، التي هدفت للاعتراض على وجود ملكية سياسية افتراضية لا وجود لها. ورأت الكاتبة أن هذه الفعاليات لم تغير شيئًا من الواقع القائم، بل كانت أقرب إلى حشود تحفيزية لحزب الديمقراطيين، إذ حمل المشاركون لافتات رمزية وانتقلوا بعدها إلى حياتهم اليومية، فيما استمر الوضع السياسي والاقتصادي نفسه الذي ساهم في صعود الرئيس  دونالد ترامب.


جونستون: الهدف من هذه الظاهرة هو توجيه السخط الشعبي المتزايد نحو اتجاهات آمنة سياسيًا، بحيث يعتقد المواطنون أنهم يشاركون في “ثورة حقيقية”، بينما يستمر الأقوياء في الاحتفاظ بسلطتهم وثرواتهم.


وتؤكد جونستون أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على الجانب الليبرالي، بل تشمل أيضًا التيار الجمهوري، حيث يتصرف اليمين الأمريكي كما لو أنه يقاوم مؤسسة قمعية، بينما يسيطر حزبه على جميع فروع الحكومة. وأشارت إلى أن ترامب اعتمد أسلوبًا مسرحيًا يشبه مصارعة الـ”WWE” في السياسة، يجعل الجمهوريين يعتقدون أنهم يتبنون دور الثائر الشعبي، في حين يراها الديمقراطيون تهديدًا غير مسبوق للحرية والديمقراطية، بينما في الواقع تحافظ سياساته على الوضع القائم للإمبراطورية الأمريكية.


وتضمنت سياسات ترامب، حسب التحليل، قمع حرية التعبير، وتطبيق أنظمة مراقبة متطورة، وتمويل نزاعات مسلحة في مناطق مثل إيران واليمن وأوكرانيا، بالإضافة إلى دعم الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة. وبينما يعتقد الجمهور أنه يشارك في معركة ضد “السلطة”، يظل الواقع السياسي والاقتصادي لم يتغير.


وترى الكاتبة أن الهدف من هذه الظاهرة هو توجيه السخط الشعبي المتزايد نحو اتجاهات آمنة سياسيًا، بحيث يعتقد المواطنون أنهم يشاركون في “ثورة حقيقية”، بينما يستمر الأقوياء في الاحتفاظ بسلطتهم وثرواتهم. وتوضح جونستون أن هذه العملية، رغم طابعها الاستبدادي والدموي، تمثل عملية احتيال سياسية ذكية للغاية، إذ تمكنت من خلق وهم المشاركة في التغيير دون أي مساس بالواقع السياسي.


ويشير التقرير إلى أن هذا الوضع لم يكن موجودًا دائمًا؛ فالولايات المتحدة، رغم تاريخها الطويل في كونها دولة oligarchic (حاكمة من قِبل نخبة)، كانت تشبه إلى حد كبير سياسات الدول الغربية الأخرى. كانت الحملات الانتخابية تركز على السياسات، وتُجرى الانتخابات، ثم يقضي السياسيون فترة ولايتهم في الانشغال بالفساد أو التظاهر بالجدية، دون أن تتحول المشاركة السياسية إلى تمثيل مستمر لثورة وهمية، كما هو الحال اليوم.


وفي ظل ارتفاع معدلات الفقر وتدهور الخدمات العامة، يتصاعد سخط الجمهور على الوضع القائم، ويزداد الطلب على التغيير الحقيقي، ما يجعل إدارة هذا الغضب وتحويله إلى احتجاجات “آمنة” أداة فعالة للنظام القائم للحفاظ على سلطته.


ويخلص التحليل إلى أن السياسة الأمريكية اليوم تقوم على مزيج من المسرحية السياسية والإيهام بالثورة، بحيث يظن المشاركون أنهم يقاومون السلطة بينما يبقى النظام القائم متماسكًا، والأقوياء مستمرون في التحكم بالموارد والثروة، في واحدة من أذكى عمليات التضليل السياسي في العصر الحديث.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology