قمع داخلي وتصعيد عسكري.. الحرس الوطني الأميركي في مواجهة الحقوق المدنية

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - تشهد الولايات المتحدة موجة احتجاجات شعبية واسعة ضد سياسات إدارة ترامب، شملت الترحيل الجماعي للمهاجرين،وتقليص الخدمات العامة، واستهداف الحقوق المدنية. وتصاعد الغضب الشعبي مع نشر القوات الفيدرالية وقمع المتظاهرين،وسط تحذيرات حقوقية من تراجع خطير في العدالة. 


شهدت الولايات المتحدة موجات متتالية من الاحتجاجات الشعبية منذ تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لولاية ثانية مطلع العام الجاري، احتجاجاً على سياسات إدارته في مجالات الهجرة والتمييز وتقليص ميزانية الخدمات العامة. 


واندلعت احتجاجات واسعة في ولاية كاليفورنيا مناهضة لعمليات الترحيل التي تنفذها إدارة الهجرة والجمارك الأميركية، وأشعلت تلك الاحتجاجات تظاهرات حاشدة في المدن الكبرى ومناطق مختلفة من البلاد. 


وقد بدأت التوترات في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا بعد أن نفذ ضباط من وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك حملة مداهمات على شركات يشتبه في قيامها بتوظيف مهاجرين غير نظاميين وتزوير سجلات التوظيف، وقاموا باعتقال العشرات بتهم تتعلق بانتهاك قوانين الهجرة، ما أدى إلى احتجاجات واسعة تحولت إلى اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، استخدمت فيها الشرطة العنف لتفريق الحشود.


وفي خطوة استثنائية، أصدر ترامب أمراً بنشر الآلاف من عناصر الحرس الوطني في مدينة لوس أنجلوس للسيطرة على الاحتجاجات، إلى جانب مئات من مشاة البحرية، الأمر الذي لاقى معارضة واسعة، وأعرب حاكم كاليفورنيا الديمقراطي، جافين نيوسوم، عن رفضه القرار، مؤكداً أن سلطات الولاية قادرة على السيطرة على الوضع بدون تدخل فيدرالي.


وانتقد العديد من الخبراء القانونيين الخطوة، واعتبروها سابقة خطيرة في استخدام القوة العسكرية ضد المدنيين داخل الولايات المتحدة، وأعلن المدعي العام لولاية كاليفورنيا رفع دعوى قضائية ضد ترامب بحجّة انتهاك القانون وتجاوز السلطات المحلية في الولاية.


المهاجرون خارج الحماية القانونية


تُعدّ عمليات الترحيل الجماعية التي تنفذها إدارة ترامب انتهاكًا لحقوق الإنسان، إذ تستهدف بشكل رئيسي المجتمعات المهاجرة وتؤدي إلى تفكيك الأسر وتدمير النسيج الاجتماعي.


ويكفل القانون الأميركي لكل من يعيش على أراضيه، بغض النظر عن وضعه القانوني، مجموعة من الحقوق الأساسية التي تعكس الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، وتشمل هذه الحماية المهاجرين غير النظاميين.


وبموجب القانون يتمتع المهاجرون غير النظاميين في الولايات المتحدة بحماية من الترحيل التعسفي، ولهم الحق في عدم التوقيف أو التفتيش بشكل غير قانوني. كما يحق لأبنائهم الالتحاق بالمدارس حتى الصف الثاني عشر، والحصول على الرعاية الطبية في الحالات الطارئة.


وفي هذا السياق، ومنذ انطلاق الحملة الشعواء ضد المهاجرين، ينظم نشطاء منظمات حقوق الإنسان دوريات مجتمعية لمراقبة تحركات إدارة الهجرة والجمارك، وإبلاغ السكان بحقوقهم، في مبادرة لاقت دعمًا واسعًا داخل المجتمع المحلي، واعتُبرت نموذجًا للتضامن المجتمعي في مواجهة السياسات الفيدرالية القمعية.


وفي كاليفورنيا، تعهدت جماعات الدفاع عن حقوق المجتمع والمهاجرين بالتعبئة لحماية المستهدفين بالترحيل، وقاموا بتأسيس مجموعة من التحالفات لتحقيق هذا الهدف، مثل: "تحالف الدفاع الذاتي المجتمعي"، الذي يضم أكثر من ستين منظمة، و"شبكة الاستجابة السريعة في لوس أنجلوس"، التي تدير خطًا ساخنًا للإبلاغ عن أنشطة دائرة الهجرة والجمارك، وتعمل على ربط الأفراد بالمساعدة القانونية.


ويُقدّر عدد المهاجرين غير النظاميين في الولايات المتحدة بحوالى 11 مليونًا، ويشكّلون جزءًا أساسيًا من حركة العمالة المتجددة، وخاصة في اتحاد عمال الخدمات الدولي، ووفق تقديرات مركز "بيو" للأبحاث للعام 2022، يمثّل المهاجرون غير النظاميين نحو 4.8% من إجمالي القوى العاملة في البلاد، بتعداد يزيد على 8 ملايين فرد.


وقد لعب المهاجرون دورًا مهمًا في النقابات العمالية على مدى العقود القليلة الماضية، لا سيما في ولاية كاليفورنيا، وكان تأثيرهم بارزًا في قطاعات مثل خدمات النظافة والرعاية الصحية والمطاعم.


التقشّف في الحقوق الأساسية

 
لم يقتصر التراجع في الحقوق المدنيّة داخل الولايات المتحدة على المهاجرين غير النظاميين، بل امتد ليطال فئات متنوعة من المجتمع، حيث باتت شريحة واسعة من المواطنين تعاني بسبب التقليص الحاد في الإنفاق على الخدمات الأساسية، الذي يؤثر  بشكل ملحوظ على جودة الحياة.


وفي مطلع نيسان/أبريل الماضي، دعت العديد من المنظمات الوطنية والمحلية إلى حملة أطلقوا عليها "ارفعوا أيديكم"، هدفت إلى تنظيم تظاهرات شعبية واسعة في جميع أنحاء البلاد، احتجاجًا على ما اعتبروه استهدافًا حكوميًا للحقوق الأساسية للمواطنين من خلال برنامج تقشف في الإنفاق الفيدرالي.


وشملت تخفيضات الإنفاق الفيدرالي قطاعات حيوية وخدمات أساسية، بما في ذلك برامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والتعليم، فضلًا عن تسريح عشرات الآلاف من الموظّفين الفيدراليين.


وتظاهر ملايين الأميركيين في نحو 1400 موقع في أرجاء الولايات المتحدة، رافعين لافتات تحمل شعارات مثل "ابتعدوا عن الضمان الاجتماعي" و"ارفعوا أيديكم عن حقوقنا"، وقد شارك في الفعاليات أكثر من 150 منظمة ومؤسسة وطنية، بما في ذلك منظمات للحقوق المدنية ونقابات عمالية.


وكشفت وسائل الإعلام الأميركية الأسبوع الماضي عن مشروع قانون لتسوية الميزانية اقترحته إدارة ترامب، والذي يتضمن تخفيضات حادة في الخدمات الاجتماعية، بما يشمل برامج الإسكان والتعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية والخدمات الإنسانية.


وأثارت هذه الخطط قلقًا واسعًا بين المنظمات الحقوقية والمجتمعية، التي حذّرت من أن هذه الإجراءات من شأنها أن تفاقم معاناة الفئات الهشة، حيث تؤثر التخفيضات بشكل مباشر على الأمهات والأطفال وكبار السن والعاملين ذوي الدخل المنخفض والأشخاص ذوي الإعاقة.


تخفيض ميزانية خدمات المحاربين القدامى


أعلنت إدارة ترامب في آذار/مارس الماضي عن خطط لتخفيض ميزانية وزارة شؤون المحاربين القدامى، ما يهدد بتقليص الخدمات المقدمة لهم، خاصة في مجالي الصحة النفسية والرعاية الطبية.


وقد أثار القرار غضبًا واسعًا في أوساط مجتمع المحاربين القدامى، الذين نظّموا احتجاجات في مدن مثل سانتا روزا وكوليدج ستيشن، مطالبين بإلغاء هذه الخطط والحفاظ على حقوقهم التي يرون أنهم اكتسبوها بتضحياتهم، ورفع المشاركون لافتات تطالب بحقوق المحاربين وعدم تقليص الخدمات المقدمة لهم. 


وفي السادس من الشهر الجاري، أطلق المحاربون القدامى جولة جديدة من التظاهرات، نظموا خلالها أكثر من 200 فعالية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وجاءت هذه التحركات رفضًا لخطة حكومية تقضي بإلغاء 80 ألف وظيفة في إدارة شؤون المحاربين القدامى، التي تقدم الرعاية الصحية وخدمات أخرى للملايين منهم، إلى جانب إنهاء مئات العقود المبرمة مع منظمات مجتمعية تقدم خدمات أساسية لهذه الفئة.


 إلغاء معيار "التأثير غير المباشر"


في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الولايات المتحدة، قررت إدارة الحكومة الأميركية إلغاء معيار "التأثير غير المباشر" أو ما يعُرف بمعيار "التأثير المتباين" في القضايا المتعلقة بالتمييز والحقوق المدنية، حيث أصدر الرئيس دونالد ترامب في نيسان/ أبريل أمرًا تنفيذيًا بعنوان "استعادة تكافؤ الفرص والجدارة"، والذي يحظر على لجنة تكافؤ فرص العمل وغيرها من الوكالات الفيدرالية استخدام معيار "التأثير غير المباشر"، معتبرًا إياه غير قانوني.


وقد شكّل معيار "التأثير غير المباشر" أداة قانونية مهمة منذ عقود، حيث مكّن السلطات القضائية في الولايات المتحدة من محاسبة المؤسسات التي قد لا تمارس التمييز بشكل صريح، ولكن سياساتها أو ممارساتها تؤدي فعليًا إلى تمييز موجه نحو فئات معينة مثل الأقليات العرقية أو النساء أو ذوي الإعاقة، وقد وفر المعيار حماية أوسع للحقوق المدنية مقارنة بالاقتصار على ملاحقة التمييز المباشر.


وقد أدان القرار العديد من منظمات حقوق الإنسان، على رأسها منظمات الدفاع عن الحقوق المدنية، معتبرة إلغاء هذا المعيار يمثل تراجعًا خطيرًا في حماية الفئات الضعيفة والمعرضة للتمييز، خاصة في قطاعات التوظيف والإسكان والتعليم والخدمات العامة.


وتعكس موجات الاحتجاج الواسعة في الولايات المتحدة عمق الأزمة التي تعاني منها العدالة الاجتماعية في البلاد، حيث يمثل تصاعد قضايا مثل الترحيل والتمييز والتقشف، تهديدًا مباشرًا لمبادئ المساواة والكرامة الإنسانية، وتؤثر سلبًا على تماسك النسيج الاجتماعي.


ويُعد إلغاء معيار "التأثير غير المباشر" خطوة إلى الوراء في حماية الفئات الأكثر ضعفًا، ويزيد من احتمالات استمرار أنماط التمييز والتهميش، ما يستدعي تعزيز الدور الرقابي للمؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني لضمان وحماية مبادئ العدالة الاجتماعية.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology