افراسيانت - د. عصام يوسف - خطط ومقترحات كثيرة يتداولها الإعلام والمؤسسات والمصادر الخاصة منذ أسابيع عدة لتقديم الدعم لغزة، ومن لا يفرح لتلك الأخبار في ظل ما يعيشه الشعب الفلسطيني من مجاعة حقيقية؟! لكن كل ما يقال ويُكتب ويُخطط له ويعلن "يُخشى أن يكون شرًّا يراد بأهل غزة".
فغزة وأهلها المظلومون والمكلومون والجائعون والنازحون، والذين يعيشون الإبادة كل لحظة منذ ما يزيد عن عامٍ ونصفٍ، يحتاجون السماح بدخول المواد الغذائية وجميع مواد مقومات الحياة الكريمة، سواء من خلال المساعدات الإنسانية والإغاثية أو عبر بضائع التجار.
تتحدث المقترحات عن نقاط توزيع محددة، لتكون نقاط موت ومصائد اغتيال حقيقية، فقد أثبتت التجارب منذ بداية الحرب أن الجيش لن يتورع عن قتل الناس بقصف تلك الحشود الجائعة جوًا وبرًا بحجج مختلفة
لكن كرامة الإنسان قبل لقمة الطعام وقبل الشراب، وكل حديثهم ومقترحاتهم لا تراعي كرامة الإنسان، وأول تلك الكرامة أن تُفتح كل المعابر فورًا، ويسمح بدخول الطعام والشراب لمن يموت جوعًا ولا يجد شربة ماء ورغيف خبز، وهذا ليس حديثًا مجازيًا عن المجاعة، بل حقيقة، والشهادات والصور من غزة، بل واعترافات الاحتلال نفسه، تؤكد أن الوضع في غزة كارثي، والجوع وصل كل بيت وكل فرد، وقادة الاحتلال يتفاخرون برفض إدخال حبة قمح واحدة.
فالكلمات لم تعد كافية لوصف هول الوضع الذي يقاسيه الفلسطينيون في غزة، وفق ما يقول أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أضاف: "فرض سياسة الحصار والتجويع هو استخفاف بالقانون الدولي، ومن الواجب أن يُرفع الحصار عن دخول المساعدات الإنسانية فورًا".
تلك المقترحات غير المنطقية، والتي لا تعني سوى المزيد من الموت للسكان، تتوافق -مع الأسف- مع جريمة الإبادة الإسرائيلية التي حرمت الناس من العيش الكريم، وهي بذاتها مشاركة في ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
تتحدث المقترحات عن نقاط توزيع محددة، لتكون نقاط موت ومصائد اغتيال حقيقية، فقد أثبتت التجارب منذ بداية الحرب أن الجيش لن يتورع عن قتل الناس بقصف تلك الحشود الجائعة جوًا وبرًا بحجج مختلفة، وما أسهل أن يكذب جيش الاحتلال وناطقوه، ويختلقوا فبركات تبرر جرائمهم، وعشرات الجرائم التي ارتكبت بحق التكايا الخيرية ومخازن المساعدات خير دليل على ذلك، حتى وصل الأمر لاستهداف عمال ونشطاء أجانب خلال عملهم عبر مؤسساتهم الدولية، كما حدث مع المطبخ العالمي.
تكديس الناس في ممرات ومناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي سيجعلهم أهدافًا سهلة لا يمكن التمييز فيها في حال وقع العدوان عليها. والمقترح رفضته نحو 15 هيئة تابعة للأمم المتحدة و200 منظمة غير حكومية، واعتبرت أن الخطة الجديدة تعني "استخدام المساعدات كسلاح"، وتهدد بالتسبب بنزوح جماعي للفلسطينيين.
فمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) رفضت الخطة الإسرائيلية، التي تفرض استخدام تقنية التعرف على الوجه كشرط للحصول على المساعدات، واعتبرتها "انتهاكًا لجميع المبادئ الإنسانية"، وأنها تساهم في "مراقبة المستفيدين لأغراض استخباراتية".
في حين قال مسؤولون في الأمم المتحدة إن النهج العسكري للأمر يتعارض مع الاحتياجات الدقيقة للعمل الإنساني، ولا ينسجم مع أهداف التنمية طويلة الأمد. فليس من الإنسانية في شيء أن يُجبر الناس في أشهر الصيف القادمة على الوقوف لساعات طويلة في العراء، وفي لهيب الشمس الحارقة.
لو نفذ الأمر فمن المتوقع وصول عشرات الآلاف من المواطنين إلى مناطق التوزيع المقترحة، والتي سيصعب فيها على أي جهة تحرس هذه المناطق السيطرة على تصرف الجياع من الناس، وهذا يعني وجود صدام بين المحتاجين أنفسهم أو مع الجهات الأمنية، الغريبة عن المجتمع المحلي، والتي ستكون في الغالب مُسلحة ومستفزة، وسيكون المواطن الجائع هو "المجرم المعتدي المندس" وفق روايتهم!
كل تصريحات المنظمات الدولية -بما فيها الإدارة الأميركية- نفت وبشكل قاطع أن تكون حماس قد مارست الاستيلاء على مواد الإغاثة الإنسانية، بل أثبتت سنوات الحصار أن السلطات المحلية وفرت وساهمت في توفير المواد الإنسانية لسكان القطاع على كل مستويات المعيشة المتعلقة بالتعليم والصحة والبناء والتنمية، وتعاونت مع دول عدة ومنظمات أممية بوسائل متعددة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى من لا تصنفه إسرائيل من قوى حماس، بما في ذلك المساعدات القطرية التي كانت تتم بموافقة الإدارة الإسرائيلية، والتي تقدر بما لا يقل عن خمسين مليون دولار شهريًا، وفق كشوف معتمدة من الإدارة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي.
الحراك الشعبي العربي والإسلامي الدولي بات تحت الاختبار لإنسانيته وقدرته على إيجاد حل لهذه الحرب
لقد حذّرت اليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي من "كارثة وشيكة"؛ إذ إنّ 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أمّ معرّضون لخطر الإصابة بسوء التغذية الحاد.
لا حل لهذه الكارثة الإنسانية إلا طريق وقف الحرب الإجرامية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي، والتي استهدف فيها المدنيين العزل، فقتل أكثر من 53 ألفًا، جلهم من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، وجرح أكثر من مئة ألف آخرين.
لم يعد مقبولًا ولا منطقيًا من الدول العربية والإسلامية أن تظل في موقف الصامت والمتفرج على إبادة أهالي قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
الحراك الشعبي العربي والإسلامي الدولي بات تحت الاختبار لإنسانيته وقدرته على إيجاد حل سلمي لهذه الحرب القذرة.. وإلا، فعلى الدنيا السلام.
د. عصام يوسف - رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة