الأهداف الكامنة وراء خريطة طريق بايدن لإنهاء الحرب في غزة

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - شرحبيل الغريب  - ما تضمّنته خريطة إنهاء الحرب هو نتاج نقاشات بين "إسرائيل" وأميركا وأطراف دولية باتت ترى أن هذه الخريطة تعدّ الأنسب من حيث التوقيت لإنهاء الحرب، وترسخ قناعة أميركية باستحالة القضاء على حركة حماس وفق الطريقة الإسرائيلية.


إعلان الرئيس الأميركي بايدن لأول مرة خريطة طريق لإيقاف الحرب على قطاع غزة، يعدّ خطاباً يحمل في طيّاته رسائل كثيرة لأطراف عديدة، ويشكّل إعلاناً أميركياً صريحاً الانتقال من مرحلة دعم الحرب وإدارتها إلى مرحلة ضرورة إنهاء الحرب فعلياً، وهذا يعدّ تحوّلاً في الموقف الأميركي.


الرسائل التي تضمّنها خطاب بايدن شملت العديد من الأطراف، يمكن حصرها في ثلاث وجهات أساسية، الأولى استهدفت بنيامين نتنياهو، والثانية للمجتمع الإسرائيلي، والثالثة ذات أهمية للعالم أجمع.
الرسالة الأولى، وما تضمّنه الإعلان عن خطة إنهاء الحرب جاءت بقصد إنهاء مناورات نتنياهو ووضعه في الزاوية لضمان عدم التلاعب في الاتفاق، كما جرى في الاتفاق السابق الذي وافقت عليه حركة حماس.


أما الرسالة الثانية، فاستهدفت المجتمع الإسرائيلي المنتفض في وجه نتنياهو، والذي يضغط عليه لإبرام صفقة تبادل، ومفادها أن هذه الفرصة الأخيرة لوقف الحرب وإمكانية إبرام صفقة تبادل للأسرى مع حماس، فيما استهدفت الرسالة الثالثة العالم، وتفيد بأن هناك التزاماً أميركياً هذه المرة بمتابعة الاتفاق وضمان تنفيذه.


واضح أن ما تضمّنته خريطة إنهاء الحرب هو نتاج نقاشات مطوّلة بين "إسرائيل" وأميركا وأطراف دولية أخرى باتت ترى أن هذه الخريطة تعدّ الأنسب من حيث التوقيت لإنهاء الحرب على قطاع غزة، وترسخ قناعة أميركية باستحالة القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة وفق الطريقة الإسرائيلية مع تلاشي شعار النصر الساحق الذي أعلنه نتنياهو، في ظل زيادة المخاوف الأميركية من زيادة عزلة "إسرائيل" أكثر على مستوى العالم إذا ما استمرت هذه الحرب بلا استراتيجية أو أهداف كما هي عليه الآن، خاصة بعد دخول "إسرائيل" فعلياً في حرب استنزاف وفشل كبير في حسم المعركة بعد قرابة الشهر على اجتياح مدينة رفح دون أي إنجازات.


اللافت في الإعلان أن خطاب بايدن تبنى مطالب المقاومة الفلسطينية بشكل كامل، وتحدث بشكل واضح عن وقف شامل للحرب وانسحاب لقوات الاحتلال من غزة وعودة النازحين إلى شمالها انتهاءً بالتعهد الواضح بإعادة الإعمار، وهذا إعلان فيه انتصار للمقاومة وهزيمة لـ "إسرائيل" باعتبارها مطالب المقاومة منذ اليوم الأول لشن الحرب على غزة، واستجابة لمطالب حماس بتوفير ضمانات علنية واضحة من أميركا تجاه أي اتفاق.


سؤال يتردد كثيراً هذه الآونة، هل تنجح المبادرة الأميركية في فرض حل هذه المرة يؤسس لإنهاء الحرب في غزة؟


من حيث المبدأ، فإن ترحيب حركة حماس بالمبادرة الصادرة عن الرئيس بايدن وبأي مبادرات تضمن وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، وعدم نفي "إسرائيل" لها يعطي مؤشراً على زيادة احتمالية فرص نجاح الجهود المبذولة لوقف الحرب هذه المرة، رغم ما يعترض هذه الخريطة من تحديات إسرائيلية داخلية، وربما ملاحظات قد تبديها حركة حماس على المقترح يضمن التزام "إسرائيل" وتنفيذها بشكل دقيق لأي اتفاق.


توقيت إعلان خريطة الطريق على لسان الرئيس بايدن أنها مقترح إسرائيلي يهدف في الدرجة الأولى إلى إنقاذ "إسرائيل" من حال الانهيار الذي يعصف بها نتيجة تعثر الحرب في غزة، ومحاولة إنقاذ "إسرائيل" قبل تفكك مجلس الحرب في قادم الأيام ودخولها في صراعات لا تحمد عقباها، واستشعار بزيادة المخاطر التي تزيد من عزلة "إسرائيل" على مستوى العالم، وإدراك حجم الضرر الاستراتيجي الذي قد يلحق بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، كما أنها خطوة مبكرة لمنع أي توسع لدائرة الحرب على الجبهة الشمالية مع حزب الله بعد تصاعد وتيرة التهديد والوعيد عن توجهات نتنياهو لتوسيع نطاق المعركة في الشمال.


صحيح أن الإعلان يحمل رؤية أميركية واضحة لإنهاء الحرب، لكنّ جزءاً من مضمونه يحمل هدفين أساسيين، يتعلق أحدهما بقرب الحملة الانتخابية للرئيس بايدن، والأخرى توظيف ما صدر بحق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من أحكام، باعتباره نصراً سياسياً له في المعركة الانتخابية المقبلة.


 استناداً إلى الخطوط العريضة في خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس بايدن، فإن احتمالية الموافقة الإسرائيلية على بنود الصفقة واردة، وتعود إلى أسباب عديدة، أبرزها، قرارات محكمة العدل الدولية وانعكاساتها على نتنياهو ويؤآف غالانت وقادة "جيشه"، والمهلة التي منحها بيني غانتس لنتنياهو بالانسحاب من مجلس الحرب لعدم وضوح أهداف ورؤية استراتيجية للحرب، وارتفاع وتيرة التظاهرات الداعية إلى إبرام صفقة تبادل للأسرى داخل "إسرائيل"، واستمرار التظاهرات في الجامعات الأميركية وتأثيرها في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، ثم قيام نتنياهو باجتياح رفح بالكامل، وهذا يعني وفق المنطق، فقده الأمل في العثور على الأسرى، وسقوط آخر أوراقه التي كان يلوّح بها لحسم الحرب مع حركة حماس، ويعني أيضاً مزيداً من الفشل في تحقيق الأهداف سوى القتل والدمار، والذي يضاف إلى الهزيمة التي لحقت بـ"إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر.


هدفان استراتيجيان لصالح أميركا، إذ يحتاج الرئيس بايدن أكثر من أي وقت مضى في مبادرة إنهاء الحرب إلى تحسين صورته في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما يهدف من وراء هذه الخريطة إلى دفع ملف التطبيع إلى الأمام بين "إسرائيل" والسعودية، وإطلاق تسوية سياسية تعيد تبريد الأوضاع في المنطقة بعد ثمانية شهور ساخنة من المواجهة مع حماس وحزب الله وحركة أنصار الله في اليمن.


من الملاحظات المهمة واللافتة التي عرضت في المقترح تراجع نتنياهو عن بعض شروطه التي تمسك بها طيلة فترة الحرب بالإعلان عن القضاء على حركة حماس، واكتفت المبادرة بالإعلان عن عدم قدرة حماس على تنفيذ 7 أكتوبر جديد، وكذلك بند القضاء على قدرات حماس بدلاً من القضاء على حماس، وهذا يعدّ تراجعاً ونزولاً عن الشجرة من كل الأطراف.


يدفع الرئيس بايدن هذه المرة في اتجاه إنجاح المبادرة باستنفار كل أدواته السياسية والدبلوماسية وحلفائه لإنقاذ "إسرائيل" من جهة، وإنقاذ نفسه بالإعلان الصريح من جهة أخرى بتحسين صورته في الانتخابات الرئاسية، أنه حان وقت الانتخابات ولا نريد ما يعكر صفوها.


 واضح هناك التوافق الأميركي- الإسرائيلي على خروج نتنياهو بماء الوجه بعدما تكرّست صورته عالمياً أخطر مجرم حرب في التاريخ، وزادت عزلته وبات الفشل يلاحق قادة وضباط "جيشه"، وفق آخر استطلاع للرأي في "إسرائيل" نشرته "يديعوت أحرونوت" أفاد بأن طلبات الضباط للتقاعد من "الجيش" تضاعفت أثناء الحرب، وهو ما شكل صدمة مذهلة وكبيرة لقادة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي تكرست الصورة القاتمة في "إسرائيل" أن حرب غزة مدمرة لـ"إسرائيل" أولاً، وهي ليست حدثاً عادياً، وإنما لها تداعيات كبيرة في المنطقة، وأن المسار الوحيد الذي تبقى أمام نتنياهو إما الخوض في صفقة شاملة أو نهاية حتمية له ترافقها هزيمة حتمية لـ"إسرائيل" و"جيشها" المهزوم في غزة.

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology