افراسيانت - صدر عن المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) ورقة تحليل سياسات بعنوان "خيارات وبدائل لمعالجة (الأزمة الأمنية) في الضفة الغربية"، اعدها الباحثون: اشرف بدر، حمدي "علي حسين"، ريما شبيطة وعائدة الحجار.
وحاول الباحثون من خلال هذ الدراسة الوقوف على العوامل الداخلية (نقاط الضعف) والخارجية (المخاطر) التي ساهمت في حدوث ما يمكن وصفه بأزمة أمنية في الضفة الغربية، وتقديم بدائل سياسية لمعالجة هذه الأزمة، والحد من تحولها إلى ظاهرة فلتان أمني، لا سيما في حالة تدخل العامل الإسرائيلي لإثارة حالة فوضى "تحت السيطرة" تخدم توجهات حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.
واشارت مقدمة الدراسة، الى أن الضفة الغربية قد شهدت في النصف الأول من العام الحالي أحداثًا أمنية مثيرة للقلق، من أبرز مظاهرها اللجوء إلى العنف والعنف المضاد لحسم خلافات داخلية أو شجارات عائلية، وصولًا إلى اشتباكات مسلحة سقط فيها ضحايا من قوى الأمن الفلسطيني وشبان مسلحين، في مشهد بدت فيه السلطة كأنها طرف في نزاع داخلي على مواقع القوة والنفوذ على المستويات المحلية. وكان آخر، وربما أخطر، مظاهر هذه الأزمة أحداث مدينة نابلس خلال شهر آب الماضي.
وتحدثت الدراسة عن الارتفاع في نسبة العنف المجتمعي والجرائم بأنواعها لأسباب متعددة، ومنها: دور سلطات الاحتلال في تشجيع انتشار سلاح الجريمة، وإضعاف دور السلطة وأجهزتها الأمنية، وبخاصة في المنطقة المصنفة(ج)، إضافة إلى أسباب اقتصادية ناتجة عن الفقر، وقلة فرص العمل، والبطالة، ووجود فجوة طبقية في المجتمع، وأخرى اجتماعية ناتجة عن العادات والتقاليد المجتمعية، وسيادة سلطة العائلة.
ورأت الدراسة انه على الرغم من التقارير والتوصيات التي صدرت عن العديد من المؤسسات والقوى والهيئات التي أشارت منذ أكثر من عشرة أعوام إلى ضرورة إجراء العديد من الإصلاحات الداخلية في سياسات وأجهزة السلطتين التنفيذية والقضائية، بما يعزز القدرة على تطويق المشاكل قبل استفحالها، إلا أن المتتبع لمنحى استخدام العنف يرى تصاعدًا يهدد كيان المجتمع الفلسطيني وتماسكه ككل.
يواجه المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية إشكالية حقيقية في التعامل مع العديد من القضايا الصعبة والمتشابكة الداخلية والخارجية، ومن أبرزها: أولًا، عنف الاحتلال المتمثل في التهديد المباشر من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وتأثير الاحتلال على كافة مناحي الحياة، ونتج عن ذلك شعور المواطن الفلسطيني بالعجز عن حماية نفسه وأسرته أمام همجية الاحتلال وعنفه. وثانيًا، وجود سلطة منقوصة السيادة غير قادرة على حماية مواطنيها من عنف الاحتلال.
وقد أسهمت مشاهد عمليات قتل المدنيين، وخصوصًا الأطفال، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على التعاطي مع مداهمات قوات الاحتلال وحماية المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة، بل وانسحابها عند دخول دوريات الاحتلال، في تزايد الشعور بالقلق وعدم الأمان لدى المواطنين على أمنهم وأمن عائلاتهم، إضافة إلى تراجع ثقة المواطنين بالأجهزة الأمنية والحكومة عمومًا.
العوامل والاسباب المؤثرة في الازمة الأمنية.
أولا: الاحتلال
يرى الباحثون (معدو الدراسة) أن الاحتلال يسعى من خلال سيطرته على الضفة الغربية إلى إشغال الفلسطينيين في شؤونهم الداخلية وابقائهم بعيدين عنه، ويلعب على وتر الامن الداخلي الفلسطيني من خلال دعم الخارجين عن القانون بطرق غير مباشرة، عبر توفير غطاء قانوني وملاذ آمن للمجرمين والخارجين عن القانون في المناطق الخاضعة لسيطرته أمنيا حسب اتفاقية "اوسلو"، التي فرضت بنودها على السلطة الفلسطينية عدم ملاحقة حملة الهوية الزرقاء او الهوية الفلسطينية ممن يرتكبون الجرائم في مناطقها، ورفضت اعطاء صلاحيات للاجهزة الامنية والقضاء الفلسطيني باعتقالهم او محاكمتهم او مكافحة الجرائم خارج مناطق السلطة، فمثلا لا تستطيع السلطة اعتقال او محاكمة حملة الهوية الزرقاء، او الدخول الى مناطق (ج) دون تنسيق او اذن مسبق من جانب سلطات الاحتلال.
كما يساهم الاحتلال في تقوية النزاعات العائلية وتشجيع بروز قيادات محلية على شاكلة روابط القرى سواء ي المناطق الخاضعة امنيا للسلطة الفلسطينية او في مناطق (ب) و(ج)، من خلال تشجيع التنافس العائلي وغض البصر عن السلاح الذي تملكه العائلات والذي يساهم في تعزيز ثقافة "أخذ القانون باليد" وأن السلطة القائمة هي سلطة العائلة التي تساند أفرادها.
وتجلت هذه السياسة مؤخرا في خطة وزير الحرب الاسرائيلي "افيغدور ليبرمان" الرامية الى اضعاف وتجاوز السلطة الفلسطينية والسعي لفرض القانون الاسرائيلي على مناطق (ج)، كما يظهر في ما اطلق عليه "سياسة العصا والجزرة"، التي تتضمن في جانب منها التخاطب مباشرة مع الجمهور الفلسطيني في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، من خلال ما يسمى "الادارة المدنية" الاسرائيلية، وبالاستعانة بوحدة اعلام خاصة انشئت لهذا الغرض، مع رصد 10 ملايين شيكل توضع تحت تصرف موقع الكتروني ناطق بالعربية، بهدف بناء قاعدة محلية تتفق مصالحها مع مصالح الاحتلال بعيدا عن السلطة الفلسطينية والمنظمة، واعادة احياء أطر متعاونة على شاكلة "روابط القرى" التي كانت موجودة في سبعينيات القرن الماضي.
ثانيا: تراجع ثقة المواطن الفلسطيني بالقضاء ويعود ذلك إلى أسباب عدة، من أبرزها:
طول أمد التقاضي
يرى معدو الدراسة أن كثيرا من القضايا في المحاكم الفلسطينية، خصوصا قضايا الخصومات، تتخذ وقتا وقتا واجراءات طويلة ومعقدة إلى حين البت بها، وهذا أدى إلى لجوء المواطنين لأخذ حقهم من بعضهم البعض بالقوة. و بحسب تقرير الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق اإنسان للعام 2015، فإن عدد القضايا المفصولة في المحاكم النظامية بلغ 261.981 قضية. أما العالقة، فبلغ عددها 266.223 من العام 2008 - 2013.
غياب العدالة الناجزة
أدى الانقسام الفلسطيني والصراع على السلطة الى تعطيل المجلس التشريعي وتحويل صلاحيات التشريع الى الرئيس وتمت زيادة صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية، فأصبح قرار تعديل واقرار واعتماد القوانين يتم بمرسوم رئاسي، اضافة لتعيينات القضاة واعضاء النيابة العامة وغيرهم وغيننرهم، ما افضى الى تداخل ودمج صلاحيات السلطات والسيطرة عليها من قبل السلطة التنفيذية، وتراجع استقلال القضاء ، ألأمر الذي أدى إلى خلل فني منظومة العدالة، و تراجع ثقة المواطنين في القوانين وتطبيقها.
ومن الاسباب الاخرى لتراجع ثقة المواطن الفلسطيني بالقضاء، وجود قوانين قديمة لا تزال سارية، وسيادة الانظمة العشائرية والعائلية، اضافة الى أن العادات والتقاليد لا تزال تحل محل القانون.
ثالثا: تراجع الثقة بالسلطة الفلسطينية
عزت الدراسة اسباب تراجع الثقة بالسلطة الفلسطينية إلى أسباب عدة، من أبرزها: تراجع الثقة بالاجهزة الأمنية التابعة للحكومة في الضفة الغربية. ويعود ذلك الى قصور في عقيدة ودور الاجهزة فيما يتعلق بحماية المواطنين من جرائم الاحتلال ومستوطنيه من جهة، ومن جهة اخرى، قصور دورها في تطبيق الامن وسيادة القانون في المناطق التابعة لها في ظل توفير الحكومة لميزانية خاصة بالأمن تعادل او تزيد أحيانا عن ثلث الموازنة العامة، مع توفير رواتب عالية للمتقاعدين، ورواتب أفراد تابعين للاجهزة الامنية رغم عدم التزامهم بالدوام.
ومن العوامل الاخرى لتراجع الثقة بالسلطة، الفساد في بعض مؤسسات السلطة. وأظهر استطلاع مؤسسة "أوراد" 2016 أن 96% من المواطنين في الضفة الغربية يرون أن المؤسسات الحكومية فاسدة، وهذا الاستطلاع وان كان يعكس انطباع العينة عن أداء السلطة الا أنه يؤكد أن العلاقة بين مؤسسات السلطة والمواطنين بحاجة إلى إعادة بناء من حيث الثقة والاداء والخدمات.
يضاف الى عوامل تراجع الثقة بالسلطة، تآكل شرعية القيادة والمؤسسات ممثلة بالمنظمة والسلطة والفصائل والنقابات والجمعيات.
وقد تآكلت هذه الشرعية في ظل عدم إجراء الانتخابات، وعدم وجود مؤسسات فاعلة، وترك معظم السلطات والصلاحيات في يد شخص واحد بعيدا عن الرقابة القضائية والتشريعية والاعلامية، بالاضافة الى عدم وجود استقلال تام في عمل المؤسسات الاهلية ومؤسسات المجتمع المدني. كما تنحاز العديد من المؤسسات الاعلامية للفصائل والسلطة ما يحد من دورها في نشر الصورة الحقيقية.
ومن الاسباب الاخرى لتراجع الثقة بالسلطة الفلسطينية، غياب المؤسسات القادرة على تقييم وتصويب أداء الحكومة والاجهزة الأمنية، وتردي الاحوال الاجتماعية والاقتصادية.
وتورد الورقة اسبابا اخرى، غير السابق ذكرها، لنشوء الازمة الامنية في الضفة الغربية ومن بينها انتشار السلاح غير الشرعي والخلط بينه وبين سلاح المقاومة، وصراع الاجنحة داخل السلطة والحزب الحاكم، وغياب البرنامج الوطني الجامع، والانقسام الفلسطيني وافرازاته.
مؤشرات الأزمة
رأى الباحثون أن حوادث القتل واستخدام السلاح في حل المنازعات خارج نطاق القانون، وزيادة حالات الصراع على القوة والنفوذ داخل المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية تشير كلها الى خطر تنامي الفوضى في مناطق الضفة الغربية، وبخاصة في حال تطور سيناريو المواجهة مع الاحتلال وتشجيع مظاهر الفلتان الأمني والفوضى. ومع ان استخدام السلاح في حل المنازعات امر منتشر في العديد من بلدان العالم كنتيجة لوجود الجريمة المنظمة او انتشار الفوضى، الا ان ما يحصل في الضفة يعتبر مؤشرا على غياب العدالة الناجزة، وعجز السلطة عن فرض هيبتها في كثير من المناطق، اضافة الى عجزها في حل الصراعات الدائرة داخل اركانها.
ومن مؤشرات الازمة الأمنية الاحداث الدامية التي شهدتها نابلس في آب 2016، وكذلك زيادة نسبة جرائم القتل، جرائم السرقة والمخدرات.
بدائل الازمة
حدد الباحثون جملة من البدائل لهذه الأزمة، ومن بينها اصلاح منظومة القضاء، بما يضمن الفاعلية والكفاءة وامكانية التطبيق والمرونة والوعي العام، وتعزيز دور الفصائل واللجان الشعبية، خاصة في مناطق (ج)، للتفريق بين سلاح المقاومة وسلاح الفوضى.
و تفعيل دور المؤسسات الرقابية واإلاعلامية. يضاف الى ذلك استئناف عمل المجلس التشريعي وانهاء الانقسام، وإصلاح مؤسسات السلطة، خاصة الأمنية، وتعديل السياسات الاقتصادية والاجتماعية بما يضمن مناسبتها للواقع الفلسطيني والعدالة الاجتماعية، وخلق برنامج سياسي واضح يدمج المقاومة بالعملية السياسية.
توصيات
رأى معدو الدراسة أن جميع البدائل المطروحة لها أهميتها، الا أنه يجب التركيز في المدى القصير على البدائل ذات التأثير السريع والمتعلقة بشكل مباشر بإصلاح الاجهزة الامنية وتعميق دورها مرورا بتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاهلية الرقابية، وتعزيز دور الاعلام كسلطة رابعة في تناول المشكلة وعلاجها، اضافة الى الضغط على صناع القرار لتغيير السياسات التي تمس بشكل مباشر أمن المجتمع واسنتقراره، وتؤثر سلبا على السلم الاهلي.