افراسيانت - أمير العمري - تفتتح في الرابع والعشرين من يناير الجاري الدورة السابعة والأربعون من مهرجان روتردام السينمائي، في الميناء الهولندي الشهير الذي يعتبر أكبر موانئ أوروبا، وتختتم الدورة في 4 فبراير، مستعرضة العديد من الأفلام في عرضها الأول.
وتحفل الدورة السابعة والأربعون من مهرجان روتردام السينمائي التي تنطلق فعالياتها الأربعاء وتختتم في الرابع من فبراير القادم بالعشرات من الأفلام من الشرق والغرب، في تظاهرة تدشن موسم المهرجانات السينمائية الشتوية في القارة الأوروبية قبل مهرجان برلين مباشرة، وفي توقيت واحد تقريبا مع مهرجان سندانس الذي يقام في الولايات المتحدة، وهناك تشابه بين هذين المهرجانين في كونهما يتركزان حول أعمال السينما المستقلة وتجارب الشباب دون التخلي عن عرض نماذج لأهم وأحدث أفلام المخرجين الكبار، وهو ما يميز روتردام بوجه خاص.
يفتتح المهرجان بالفيلم السويدي “جيمي” الذي يصور كيف يهرب طفل في الرابعة من عمره من منزل أسرته ويهيم على وجهه عبر بلدان أوروبية مختلفة في رحلة سريالية مرعبة، لكنها طريفة.
والفيلم من إخراج غاسبار غانسلاندنت (40 سنة)، وهو خامس أفلامه الروائية الطويلة، أما فيلم الختام فهو الفيلم البريطاني-الفرنسي المشترك “موت ستالين” للمخرج أرماندو اينانوتشي، وهو فيلم سياسي ساخر يصور الأيام الأخيرة في حياة الزعيم السوفيتي، وما ينشأ من فوضى بعد وفاته وصراعات على السلطة في دهاليز الكرملين.
الدورة 47 من المهرجان تفتتح بالفيلم السويدي "جيمي" وتختتم بالفيلم البريطاني-الفرنسي المشترك "موت ستالين"
نبذة عن المهرجان
تأسس مهرجان روتردام السينمائي الدولي عام 1972، ولم يكن حاضرا في العرض الافتتاحي للدورة الأولى يوم 28 يونيو من العام نفسه، سوى 17 شخصا، على رأسهم بالطبع هيوبرت بالس مدير “مؤسسة روتردام للفنون” التي تحولت في ما بعد لتصبح المؤسسة المتخصصة التي تنظم المهرجان بدعم من جهات حكومية عديدة.
أما هيوبرت بالس فكان هدفه الأول من المهرجان تشجيع الأفلام الفنية وإتاحة الفرصة أمام أصحاب دور العرض السينمائية المتخصصة في عرض هذا النوع من الأفلام، وكانت قد تأسست حديثا في هولندا، لمشاهدة التجارب الشبابية المستقلة الجديدة في السينما، وكان المهرجان يقتصر في بدايته على عرض 50 فيلما ثم توسع وأصبح مهرجانا متعدد الأقسام، ولم تعد عروضه تقتصر على الأفلام الشبابية المستقلة، رغم الإبقاء على مسابقة رئيسية لهذا النوع من الأفلام حتى اليوم تحت اسم “مسابقة النمر” (رمز المدينة).
وكان مهرجان روتردام من أوائل المهرجانات التي قدمت دعما ماليا للأفلام التي تحمل طموحا فنيا من خلال إنشاء مؤسسة خاصة بهذا النوع من الدعم تحمل اسم مؤسس المهرجان هيوبرت بالس، أي مؤسسة “صندوق هيوبرت بالس” التي قدمت ومازالت تقدم الدعم إلى المئات من المشاريع السينمائية من أوروبا والعالم الثالث، سواء الدعم المادي المباشر على شكل منح إنتاجية أو لتمويل العمليات التقنية النهائية بعد التصوير، أو لدعم شراء حقوق توزيع الأفلام في هولندا.
وتعاقب على المهرجان خلال السنين بعد وفاة مؤسسه عدد من الكفاءات هم: آن هيد” (1989) وماركو موللر (1990-1991)، وإيميل فالوكس (1992-1996)، وسيمون فيلد (1996-2004)، وساندرا دن هامر (2000-2007)، وروتجر وولفسون (2008-2015)، وأخيرا المدير الحالي بيرو بيير.
وقد كبر المهرجان عبر السنين وأصبح أحد أكبر مهرجانات السينما في العالم، ففي العام الماضي وحده عرض 500 فيلم من 50 دولة ما بين الأفلام الطويلة والقصيرة والمتوسطة، التسجيلية والتجريبية والفنية والروائية.
ويحظى المهرجان الذي يقام لمدة 12 يوما بجمهور كبير، رغم إقامته في فصل الشتاء حينما تهبط درجات الحرارة إلى ما دون درجة التجمد أحيانا.
أحاديث روتردام وسينما النوم
*يفتتح برنامج “أحاديث روتردام” الذي يقام على هامش مهرجان روتردام السينمائي في 25 يناير، ويشمل لقاءات مع عدد من أبرز نجوم وصناع السينما في العالم، وسيكون اللقاء الأول مع النجمة البريطانية شارلوت رامبلنغ، التي رشحت قبل عامين لنيل جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم “45 عاما”، وأحدث أفلامها هو “هانا” إخراج أندريا بالاورو الذي عرض في مهرجان فينيسيا.
*ضمن “أحاديث روتردام” أو ما يسمى بـ”الماستر كلاس” يتحدث الفنان الشيلي ألفريدو جار الذي يستوحي أعماله من أشعار المقهورين، عن دور الفنان في العالم الذي يعرف الفقر والاستغلال والإبادة، أما المخرجة الأرجنتينية لوكريشيا مارتل التي تشارك بفيلمها الأحدث “زاما” في المهرجان، فتتحدث عن تقنيات استخدام الزمان والمكان في السينما.
*يشارك في “أحاديث روتردام” المخرج وكاتب السيناريو الأميركي بول شرايدر، والمخرج التايواني ابياتشابونج، الذي سيقدم عرضا فريدا لما يطلق عليه “سينما النوم”، حيث يمكن للمرء أن يسترخي وينام بينما يشاهد فيلما سينمائيا أعده خصيصا، وسيتيح له المهرجان قاعة خاصة مزودة بما يشبه الأسرة للنوم، ويقول بيرو بيير مدير المهرجان إن البرنامج يعتبر “لقاء للعقول بين صناع الأفلام والجمهور”.
*يعرض مهرجان روتردام السينمائي الفيلم الفلسطيني “واجب” للمخرجة آن ماري جاسر، الذي فاز بجائزة أفضل فيلم في مسابقة المهر العربي بمهرجان دبي السينمائي، وهو من بطولة محمد بكري ونجله صالح بكري اللذان فازا أيضا بجائزة أفضل تمثيل مناصفة في المهرجان نفسه، وتحضر المخرجة إلى المهرجان لمناقشة فيلمها مع الجمهور.
وفي 2017 بلغ عدد التذاكر المباعة للمترددين على عروض المهرجان 314 ألف تذكرة، وبلغ عدد السينمائيين ورجال الصناعة والموزعين ومديري المهرجانات الذين حضروا إلى المهرجان 2298 شخصا، بالإضافة إلى عدد كبير من الصحافيين ونقاد السينما من شتى أنحاء العالم.
مسابقة النمر
تشمل مسابقة الأفلام الروائية الشابة (مسابقة جوائز النمر) ثمانية أفلام من البرتغال والبرازيل وكوريا الجنوبية والفلبين والولايات المتحدة وكرواتيا، إلى جانب فيلم يمثل فلسطين هو “تقارير عن سارة وسالم” من إخراج مؤيد العليان، وهو من الإنتاج المشترك مع ألمانيا وهولندا والمكسيك.
وهذا هو الفيلم الثاني للمخرج الفلسطيني بعد فيلمه الروائي الطويل الثاني “حب وسرقة ومشاكل أخرى” الذي عرض بمهرجان برلين عام 2015، وسيكون عرض الفيلم في روتردام هو العرض العالمي الأول، وتبلغ قيمة جائزة أحسن فيلم 40 ألف يورو.
كما تمنح لجنة التحكيم جائزة خاصة 10 آلاف يورو، ويتقاسم الجائزتين مناصفة كل من منتج الفيلم الفائز ومخرجه، وعمليا يتم توزيع الجوائز مع إعلان النتائج في الثاني من فبراير، لكن عروض المهرجان تستمر حتى الرابع من الشهر نفسه.
المستقبل المشرق
المسابقة الرئيسية الثانية في مسابقات المهرجان، هي مسابقة “المستقبل المشرق” Bright Future، وهي مخصصة للمخرجين الجدد ويتنافس فيها 18 فيلما على جائزة أحسن فيلم التي تبلغ قيمتها 10 آلاف يورو، من أميركا والبرازيل والهند وألمانيا وبلجيكا وسلوفاكيا وإيطاليا والسويد والصين وبولندا وبريطانيا والفلبين والدنمارك وكوريا الجنوبية والمكسيك وكولومبيا والأرجنتين وتايوان وسنغافورة.
وكانت المخرجة المصرية هالة القوصي قد شاركت في هذه المسابقة بفيلمها البديع “زهرة الصبار” في العام الماضي، أما في مسابقة العام الحالي فيشارك الفيلم الروائي الطويل الأول “ورود مسمومة” للمخرج المصري أحمد فوزي صالح، وهو الفيلم الذي تعطل إنتاجه عدة سنوات بسبب ما واجهه من مشاكل مع وزارة الثقافة المصرية التي تقاعست عن الوفاء بالتزامها بتقديم دعم له بعد فوزه في مسابقة الدعم التي كان يقدمها المركز القومي للسينما (من خلال وزارة الثقافة)، لكنه توقف منذ سنوات.
والواضح أن المخرج نجح في الحصول على دعم مالي فرنسي لاستكمال العمليات التقنية النهائية وطباعة النسخ المطلوبة، فالفيلم يمثل مصر وفرنسا، وسيعرض للمرة الأولى على المستوى العالمي في روتردام، ويشارك فيه بالتمثيل محمود حميدة (وهو أيضا منتج مشارك) ومريهان حمدي وصفاء الطوخي وإبراهيم النجاري ومحمد بريقع.
كان مهرجان روتردام من أوائل المهرجانات التي بادرت إلى تقديم دعم مالي للأفلام التي تحمل طموحا فنيا
وتدور أحداث “ورد مسموم” حول فتاة اسمها تحية، عاملة نظافة، تساعد أخيها الأصغر في مصاريفه الدراسية على أمل أن ينجح ويجد وظيفة وينتقلا مع أمهما خارج حيهم الهامشي الفقير، وتتغير أحداث الفيلم بعد أن يقرر صقر الأخ الأصغر السفر إلى أوروبا عبر البحر من خلال وسيط يطلب منه مبلغا ماليا كبيرا لتزوير الأوراق اللازمة.
ويعرض المهرجان أيضا الفيلم الكلاسيكي المصري “المومياء” لشادي عبدالسلام في نسخة جديدة، كما يعرض فيلما قصيرا بعنوان “العالم الجديد” (11 دقيقة) اشتركت في إخراجه السورية غالية السراكبي مع الجنوب أفريقية لورين ألكسندر، وهو من الإنتاج المصري، والفيلم عبارة عن تجميع لقطات من الأرشيف ومقابلات مع بعض الأشخاص، يعرض تاريخ هجرة المصريين إلى الولايات المتحدة.
ويعرض في المسابقة أيضا الفيلم اللبناني “عد البلاط” للمخرجة الشابة سينتيا شقير، وهي مخرجة وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، ويصور فيلمها رحلة مجموعة من المهرجين إلى جزيرة ليسبوس اليونانية للتسرية عن اللاجئين السوريين الفارين من الحرب، وسيعرض الفيلم في روتردام عرضا عالميا أول.
وجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من أفلام “المستقبل المشرق” تعرض للمرة الأولى على المستوى العالمي والأوروبي، وتشمل أفلاما تسجيلية وروائية.
وهناك فيلم قصير آخر من الإنتاج المشترك بين الكويت ولبنان بعنوان “الحرفية” (16 دقيقة) للفنانة الكويتية ذات الأصول اللبنانية منيرة القديري، التي تستخدم الفنون البصرية والموسيقية هنا لعرض قصة تدور حول بحثها في جذورها الشخصية، حيث تبحث عن ذكريات طفولتها في الكويت.
وتصور المخرجة البريطانية مايف برينان في فيلمها التسجيلي المتوسط الطول “الانحراف” (51 دقيقة) ثلاثة رجال من لبنان هم: حارس لمعبد روماني قديم وميكانيكي سيارات يصنع سيارة من قطع السيارات القديمة ورجل يجمع أعمال النحت الشعبية المصنوعة من الصلصال، والهدف إبراز كيف يقاوم الإنسان تطور التاريخ.
طفل يهيم على وجهه عبر بلدان مختلفة في فيلم الافتتاح السويدي "جيمي"
بؤرة عميقة
تحت عنوان “بؤرة عميقة” يفتح مهرجان روتردام السينمائي ستة أقواس تحمل عناوين فرعية مختلفة، مثل “استعادة الزمن”، وهو قسم فرعي يتضمن عرض مجموعة من الأفلام عن عالم السينما، منها فيلم عن سيناريو كان الناقد والمنظر السينمائي الفرنسي أندريه بازان قد أعده ولم يكتب له أن يترجم إلى فيلم سينمائي “تسجيلي”، حيث توفي بازان وهو في الأربعين من عمره عام 1958، وجاء المخرج الكندي بيير إيبير لكي يصور عنه فيلما (بالأبيض والأسود) يحمل عنوان “فيلم بازان”.
ومن الأفلام العربية المشاركة في “بؤرة عميقة” الفيلم الإسرائيلي “الأرشيف الفلسطيني المنهوب والمخفي في إسرائيل” (46 دقيقة) للمخرجة رونا سيلا، وهي باحثة ومحاضرة في جامعة تل أبيب مهتمة بالتراث الفلسطيني المصور، وتقدم في هذا الفيلم كشفا مدهشا لما نهبته القوات الإسرائيلية من لبنان من صور ووثائق وأفلام كانت ضمن الأرشيف الفلسطيني.
ومن الأقسام الفرعية أيضا “توقيعات”، والذي يضم عددا من أفلام كبار السينمائيين غير التقليديين في العالم، و”أطر عمل” الذي يعرض فيه عدد من أفلام الفن البصري، ويفتح أيضا مناقشات مع الفنانين حول العلاقة بين التشكيل البصري والسينما.
وهناك قسم فرعي آخر للأفلام القصيرة وعروض استرجاعية لأفلام المخرج الأرجنتيني خوسيه كابوسانو، الذي يحتفي به المهرجان ويتم تكريمه مع شخصيات سينمائية أخرى للمشاهير مثل الممثلة البريطانية شارلوت رامبلنغ والمخرج وكاتب السيناريو الأميركي بول شرايدر.
ناقد سينمائي مصري