افراسيانت - جميل السلحوت - صدرت مجموعة "سقوف الرّغبة القصصيّة" للأديب محمود شقير عام 2017، عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، وتقع في 172 صفحة من الحجم المتوسّط.
والأديب محمود شقير أديب كبير غنيّ عن التّعريف، كتب القصّة القصيرة والأقصوصة، قصصا وروايات للأطفال ولليافعين، المسرحية، الرّواية، أدب الرّحلات، مسلسلات تلفزيونيّة وغيرها، وصدرت له عشرات الكتب في صنوف الأدب.
والأديب شقير كاتب متجدّد، ففي كلّ جديد له يدهشنا من جديد، وهذا ما يشاهده القارئ في مجموعة قصصه القصيرة جدّا الجديدة "سقوف الرّغبة"، التي أسرتني بلغتها الشّعريّة، ومضامين بنائها القصصيّ، وهذا ليس غريبا عن أديبنا الذي يعتبر من أشهر كتّاب القصّة العربيّة.
أثناء قراءتي للمجموعة تذكّرت مقولة لأحد الفلاسفة يقول فيها :"يبقى الانسان شابّا ما دام يشعر بذلك، ويشيخ عندما يريد ذلك"، وأديبنا المتميّز شابّ في هذه المجموعة، يكتب عن الحبّ والغزل العذريّ، بل هو قيس يتغزّل بليلى، وليلى هي الأنثى التي يتردّد اسمها في غالبيّة القصص، مع التّأكيد أنّ الكاتب في كتاباته لا يكتب عن ذاته، ويبدو أنّ الكاتب حاول الهروب من الفهم الخاطئ في سحب الشّخصيّات التي يكتب عنها إلى ذات الكاتب، فجاءت القصص على أنّها أحلام ليس أكثر، لكنّها في الأحوال كلّها تبقى درسا في الغزل العذريّ، وما يدور في أذهان العاشقين، تبدأ من النّظرة إلى الابتسامة ومن ثمّ إلى العناق والوصال. وهذا الغزل العذريّ لا اسفاف فيه، لكنّه حالة انسانيّة راقية في فهم العلاقة بين الرّجل والمرأة.
واللافت أنّ الكاتب يتلاعب بجماليات اللغة؛ ليكتب لنا أقاصيص تسرق الألباب. وأديبنا الذي طرح علاقة الرّجل بالمرأة في هذه المجموعة القصصيّة، لم يتخلّ عن حبيبته الأغلى والأعزّ وهي القدس الشّريف فقد افتتح مجموعته القصصيّة باهدائها :" إلى المدينة التي زرعت في قلبي الدّهشة، إلى القدس"ص3.
وكان للقدس نصيب في هذه الأقاصيص، فقد تجوّل فيها ليلى وقيس مرّات تليق بعشّاق المدينة.
في سقوف الرّغبة لا يعكّر صفو العاشقين"قيس وليلى" إلا جنود الاحتلال الذين لا يحترمون خصوصيّات وحرمات النّاس.
وإذا ما روى لنا التّاريخ أنّ قيس بن الملوّح جُنّ بحبّ ليلى، إلا أنّ قيس وليلى اللذين ابتدعهما الأديب شقير عاقلان يعرفان وشيعلمان ما يريدان، ويظهر أنّهما مدرسة في الحبّ، ومحمود شقير المبدع يجعل من أبسط الأشياء قصّة لافتة مدهشة، وفي قصصه سلاسة وبساطة تحمل في ثناياها خيالا ابداعيّا لا يقوى عليه كثيرون، وللدّلالة على ذلك لاحظوا معي هذه الأقصوصة التي تحمل عنوان "سطح":
" قال لها هنا على سطح الدّار، تحت سماء تسطع فيها النّجوم ويتجلّى القمر بنوره الوهّاج.
قالت: دعنا ننتظر، لعلّ الغيوم تغطّي السّماء." ص89.
ولقد استغلّ الكاتب الضّدّيّة المعروفة في القصّ الوجيز بطريقة مذهلة، لاحظوا معي الومضة المعنونة بـ "دروب":
"قالت: خذ كلامك الجميل وقبضة من تراب ولا تخش السّفر.
سافر في دروب قلبها، وهناك، هناك استقرّ."
ولم ينسَ الكاتب التّحذير من عادات ومعتقدات التّخلّف، ففي قصّة "خداع" ص 109، تذهب "نوّارة" بنت الثلاثين التي لم يأتها خطّاب صحبة والدتها؛ لتجد حلّا لمشكلتها عند "فتّاح" ، وهناك يفضّ بكارتها بصمت، وأمّها تنتظر في الغرفة المجاورة، وعندما جاءها عريس، عادت إليه أمّها، تطلب حلّا، فقال:" أنا أفكّ الألغاز. جاء إلى بيت الأهل وقال لهم وللعريس:البنت ركبها جنّيّ واستقرّ في جسدها ولا بدّ من اخراجه. قالوا له: أخرجه.
وهناك بدأ يطرح عليهم مكانا يخرج الجنّ منه مثل العين، الأذن، الحلق الأنف. وفي النّهاية :"قال في حزم ومن دون ارتباك، أخرجه من الموضع الذي لن يبقى على حاله في ليلة الزّفاف.
قالوا: ليخرج الجنّيّ من هناك.
أخرجه وسال دم، كان يخبّئه في زجاجة صغيرة، لم يرها أحد غيره" ص110و 111.
تساؤل: أثناء قراءتي للمجموعة القصصيّة، شعرت وكأنّني أقرأ رواية متسلسلة تحمل أقاصيص عن الحبّ والحياة والقدس. فهل قصد الكاتب ذلك، خصوصا وقد سبق له أن أصدر أقاصيص يمكن قراءتها كرواية، ومنها"القدس وحدها هناك"؟ أم أنّها جاءت عفو الخاطر من أديب متمرّس؟
وفي الأحوال كلّها فإنّنا أمام أديب رائع يكتب أدبا مدهشا.
20-2-2016