افراسيانت - رشا السرميطي: تراحيل الأرمن – رواية ميسون أسدي الصادرة عن دار الرّصيف للنشر والاعلام/ رام الله، في (139) صفحة من القطع الصغير. رواية تتحدث عن الأرمن بين الماضي والحاضر، قصة شعب تعذب، تشرد، وقاوم، لم يزل هناك في حيفا ربما يحمل أعباء الماضي وتراحيله، أرمنيون جدد يتحدثون بالعبرية بدلا من الأرمنية، فهم لا يشبهون الأرمن في أرمينيا وموسكو وأمريكا وفرنسا.
تصنف الرواية ضمن باب الرواية التاريخية، إذ كتبت بها ميسون أسدي أحداثا، تاريخيّة مرّت على الشعب الأرمنيّ، في تراحيل لم تحمل فصولها سوى الوجع والألم مع اختلاف في الزمان والأمكنة، لكنّ الجور على هذه الأقليّة يتكرّر باختلاف فاعله، ليغدو التشتت من نصيب عائلاتهم، ويكبر المصاب بعدما تتوالى السنون، في أوراقها تطرقت لهذه العائلة الأرمنية الكبيرة والمتشعبة بعاداتها وتقاليدها وكذا طقوس احتفالاتها وشعائرها.
أثقلت الكاتبة على القارئ بالأسماء المتفرعة وتفصيل معانيها، إذ كنت أرى لو تركتها دون إيضاح لكان ذلك أيسر على القارئ وأكثر تشويقا لفهم المعنى ضمنيا، وربما أرادت الكاتبة ربط دلالات الأسماء بأصحابها رغم أنها ابتدأت بنفي ذلك عنها صفحة (10) لتقول:" نادرا ما يشبه الشخص الاسم الذي أعطاه إياه ذووه". لم توفق الكاتبة من وجهة نظري في تفصيل الشخصيات صفحة (8) إذ لم يكن ذلك ضروريا، بالنسبة لي كقارئة لا أعرف شيئا عن الأرمن وأسمائهم، كنت أفضل لو بدت الأسماء لي مبهمة أجنبية.
الهجرة والشتات لون النص- تراحيل الأرمن- حكاية قلم وفيّ لما سمعته كاتبته من أرواح صادقة، بنيت عليها أعمدة الرواية جميعها، وقد اعتمدت الروائية أسلوب الحوار بالسؤال والجواب مع سردية قصيية بسيطة عما أرادت اخبارنا عنه من أحداث الرواية، التي كانت تدعو بها للمسامحة والانسانية والتعارف من أجل تقليل العدائية؛ لاكتشاف الآخر في الانسان المختلف عنا، وقد غنيت نصوصها بعادات أرمنية مثل الهريسة المصنوعة من اللحم والقمح، قنابل الأرمن وهي الكبة، مباركة العنب وهو طقس ديني له شعائره بالكنيسة في شهر آب، مباركة الزرع في كانون، ومباركة السنابل في أيار. حيفا كانت سيدة المكان في الوصف والسرد، حي وادي النسناس، كنائسها، الأديرة، ساحة الحناطير، جبلها وبحرها، مستشفى رمبام، سوق تلبيوت، قرية الأرمن "الشيخ بريك" قرب عتليت، ميناء حيفا، شارع عباس، الهدار وغيرها.
أعتقد أنّ هدف كتابة الرواية هو الاخبار عن الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 على يد العثمانيين، وما تعرض له الأرمن من أمواج عصفت بتاريخ هذا الشعب، تاريخ يعيد نفسه ببطولات مختلفة لكنّها متكررة، تلا ذلك ما حلّ بهم في حرب 1948 على يد الكيان الصهيوني الاسرائيلي، ليغدو ما تبقى من هؤلاء مهجرين ومتشتتين في المخيمات والاطراف الأخرى من البلاد.
من الأحداث التي أحبت مشاركتنا بها الكاتبة، قرع جرس الكنيسة الأرمنية بغير المناسبات الدينية والزواج والموت، عندما حضر الفنان " وليام سارويان" المولود في كاليفورنيا إلى حيفا، طرد طلاب الأرمن من مدرسة راهبات الناصرة، حكاية البسطار، نحاس الصحراء وهي رحلة البطل إلى ايلات وعمله في مناجم النحاس، وقصص أخرى قدمها الرحالة " البرق" جايزاك بطريقة سلسلة وبسيطة يبغي منها الإخبار، والتدليل لكون هذه الشعوب إنسانية محبة، لا تستحق تلك الإبادة والتنكيل الذي تعرضت له من قبل أي جهة معتدية.
هل اكتملت أدوات وعناصر الرواية الفنية في تراحيل الأرمن؟
استطاعت الكاتبة سرد الأحداث وتنقلت بالقارئ من مرحلة إلى أخرى، لكن الوصف بدا مقتضبا، أعتقد بأننا أمام مجموعة قصصية وليست رواية، لقد فقدت الكاتبة خيط الأحداث والحوار الداخلي والذاتي للمؤلف، لم تبرز عقدة لتأخذ القارئ للتفكير والتحليل أي لم تكن مربكة له، وبدأت تتواتر القصص على لسان جايزاك دون ترابط يلملم شمل هذه الأحداث الغزيرة، التي لم توظف في سياق روائي من حيث الوصف والاسهاب وكذا التشويق، لقد كانت بمثابة سرد مثل ومضات عن حياة الأرمن، وما يجري معهم في بقاع الأرض فرحا وترحا، كما أنها كانت مباشرة دون غموض أو خيال،أي بلغة تقريرية دون الاستنجاد بصور بلاغية وصفية للمكان والأشخاص، لم أعرف شخصيا كقارئة عن أبطال الرواية أكثر من أسمائهم، حتى جايزاك الذي تربع على منصة السرد كان يسرد الأحداث منحيا رأيه وفكره كانسان، لم تثر في داخلي قصصه الأسئلة، فمررت عنها لغرض المعرفة فقط. أما الفكرة الرئيسية للرواية فهي واضحة: الانسان لا يفرقه عن الانسان دين أو لغة، وإنما علينا أن نسمو في تقبل الآخر والتعياش معه، وهذه رسالة لشعوب العالم وليس للأرمن فقط.
أعجبت بالخاطرة (بلا بطاقة) صفحة (120) للشاعر الأرمني " بايروير سيفاك" التي قرأتها عبلة – مصدرة الأسئلة – على جايزاك، تقول:" أنا عميل للفرح/ وبائع للسرور الواسع/ إنني أملك حانوتا على مصراعيه/ للضحكة الرنانة/ وأملك أيضا/ دكانا مغلقا نصف إغلاقة لبيع الابتسامة/ أما راحة كفي/ وأصابعي العشرة/ فهي ناقلة للسعادة/ فمي غرفة مطالعة للحب/ وقدماي سيارة تقلني إلى المواعيد/ وأما يداي/ فهما واسطة ذكية للاحتضان/ صدري لوحة لوسام/ لوحة لوسام اسمه القلب/ والذي يحملونه في الوجه الداخلي للوحة/ بعد كل هذا/ فما هي الحاجة؟/ لكي أكتب عن نفسي/ كل هذا شعرا/ أنا../ أنا بطاقة موجهة إلى العالم/ لا تثنوني/ ولا تلصقوني بالصمغ..".
تطرقت الكاتبة للعنصرية التي يمارسها اليهود والعرب ضد الأرمن، وقد دللت على ذلك بتطبيق قاعدة " كل أربعين يهودي بأرمني واحد"، وهذا مطبق في مجال العمل والتعليم وتقلد الوظائف، التجارة والمناقصات، تقول:" نحن في بلاد الحرب الدائمة، والأرمن في إسرائيل عندهم مشكلة كبيرة مع هذا الوضع"، " العرب أيضا لا يحبون الأرمن، لأنهم يشعرون بأنهم أحسن منهم، فلا يعطي العرب الأرمن أي شغل".
أخيرا وبعد انتشار دخان الوجع الذي حملته صفحات – تراحيل الأرمن – طارت الفراشة حتى وصلت لزهرة عربية فقرأتها، ونقلت رحيقها لكثير من العرب المسلمين حولها، لنسمو بانسانيتنا ونغدو شعوبا متحضرة، لا يفرقها الدين والحزب والتوجه واختلاف الأفكار فما ذلك إلا ثراء.