افراسيانت - جميل السلحوت - صدرت في أواخر العام 2016 رواية "سبيريتزما" للكاتب المقدسيّ عزام توفيق أبو السعود، وغلاف الرّواية من تصميم نفوذ كريمة الكاتب، وتقع الرّواية التي قدّم لها الدّكتور محمود العطشان أستاذ الأدب العربيّ في جامعة بير زيت في 146 صفحة من الحجم المتوسّط.
قبل البدء: تشكّل هذه الرّواية الجزء الرّابع من مسلسل الكاتب الرّوائي"صبري"، "حمّام العين"، والستيفادور" هكذا أرادها الكاتب كما جاء على غلافها الأوّل، ولا أعرف لماذا لم يعتبرها الكاتب جزءا خامسا بإضافة رواية "سوق العطّارين" لها.
اسم الرّواية: توقّفت كثيرا أمام الاسم الذي اختاره الكاتب لروايته"سبيريتزما" أي تحضير الأرواح، ولماذا لم يقم بتعريبه، خصوصا وأنّ روايته باللغة العربيّة، وموجّهة للقارئ العربيّ؟ أم أنّه أراد إثارة فضول القارئ لمعرفة ماذا يعنيه هذا الاسم الأعجمي؟ وطبعا لا ينفي هذا التّساؤل حقّ الكاتب في كتابة ما يريد، وعلينا أن نحترم هذا الحق.
مضمون الرّواية: تسرد الرّواية بعضا من تاريخ القدس الشّفويّ بين نكبتي العام 1948 و 1967، ثمّ تعرّج على حرب حزيران 1967، وما نتج عنها من احتلال وضياع وتشتّت.
تحضير الأرواح: معروف أنّ الخرافة والأساطير موجودة عند الشّعوب كافّة، وإن كان للخيال الشّرقيّ دور الرّيادة في ذلك، وقد انتشرت ظاهرة تحضير الأرواح في القدس وبقيّة الأراضي الفلسطينيّة بشكل لافت، بعد نكبتي العام 1948 و 1967، ويبدو أنّ عدم استيعاب أسباب الهزيمة عند العامّة كان له دور في تغذية االغيبيّات الخرافيّة، ومنها "تحضير الأرواح"، مع أنّها محرّمة دينيّا. لذا فقد وجدنا "جيهان" تلجأ كثيرا إلى سلّة "سبيرتزما" لمعرفة أمور تجهلها، ولا أدري لماذا جاء في الرّواية أنّ جيهان تعلّمت تحضير الأرواح من "ديانا" البريطانيّة، لأنّ الخرافة متنتشرة ولا تزال في الشّرق أكثر من الغرب، ونجد من يغذّيها وينشرها، حتّى أنّ هناك مئات الفضائيّات المخصّصة للشّعوذة وتفسير الأحلام، وقراءة الطالع، وغيرها، وتبثّ باللغة العربيّة، وموجّهة للمشاهد العربيّ لتزيده جهلا على جهل.
وفي المرحلة التي كتب عنها الكاتب روايته كان مشعوذون في القدس، يحضّرون "أرواح الموتى"! وكان لهم دور بارز في تخريب بعض البيوت.
الشّتات الفلسطينيّ: جاء في الرّواية أنّ صبري قد هرب من يافا إلى بيروت زمن الانتداب البريطاني، وتجوّل في بعلبك وبلجيكا وقبض عليه، ونفي إلى جزيرة سيشيل، ليعود بعدها إلى القاهرة، ومن هناك يسافر للعمل في السّعوديّة، ويحصل على الجنسيّة السّعوديّة، ليعود إلى الأردن والقدس كمواطن سعوديّ، حصل على "فيزا" لدخول الأردن ومدينته القدس، ويشارك في المجلس الوطنيّ الأوّل، حيث تمّ تأسيس منظّمة التّحرير الفلسطينيّة برئاسة أحمد الشّقيري، وما دار حول ذلك من تكهّنات تفيد أن تأسيس المنظمّة جاء بايعاز من دول عربيّة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة من خلال منظّمة فلسطينيّة، ليعتقل بعدها لمدّة يومين هو وبضعة أشخاص من أعيان القدس. ولتشتعل لاحقا حرب حزيران 1967 وما نتج عنها من وقوع ما تبقّى من فلسطين إضافة إلى صحراء سيناء المصريّة ومرتفعات الجولان السّورية تحت الاحتلال الاسرائيلي. يضاف إلى ذلك مزيد من تشتّت الأسر والعائلات الفلسطينيّة.
تساؤل: لا أعرف لماذا اختار الكاتب متطوّعين "يوسف ونبيل"؛ ليسرد قصّتهما مع حرب حزيران 1967، مع أنّ دورهما كان ثانويّا، ولم يُطلقا رصاصة واحدة في تلك الحرب، ولماذا لم يختر جنودا من الجيش العربيّ الأردنيّ بدلا منهما؟
حيرة الشّباب وضياعهم: لاحظنا في الرّواية حيرة الشّباب الفلسطينيّ بين أن يتمّوا عملهم أو أن يلتحقوا بالعمل الفدائي، حيث كانت منظّمة فتح قائمة قبل الحرب بعامين ونصف، وتحوّلت حركة القوميّين العرب إلى منظمة فدائيّة"الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين" وأصبح لحزب البعث جناح مسلّح "الصّاعقة" وتبع ذلك منظّمات أخرى، فنبيل ويوسف قرّرا الالتحاق بالمقاومة، وما لبث يوسف أن سافر إلى القاهرة لدراسة الهندسة، وأحمد بن صبري ذهب للدّراسة في جامعة كامبريج في بريطانيا، حيث درس أبوه.
اختلاف الثّقافات: ورد في الرّواية أنّ أحمد ارتبط بعلاقة حبّ مع فتاة بريطانيّة، واستغرب كيف عرّفته على والديها، وكيف حملت منه، بينما كان هو خائفا من والده إذا ما علم بعلاقته تلك، وأنّ ابنه قد فقد "عذريته" مع تلك الفتاة، وكذلك يوسف عندما أقام علاقة غراميّة مع الفتاة القاهريّة "يسريّة".
موقف مؤثّر: بعد هزيمة حزيران 1967، قامت جيهان وزوجها عليّ بجولة في القدس الغربيّة، وطافوا على البيوت التي يعرفون أصحابها، حتّى وصلوا بيتهما الذي تشرّداا منه في نكبة العام 1948، وكيف سمحت لهما المستوطنة التي تسكن البيت بالدّخول، وأعطت جيهان صورها العائليّة ورسائلها مع شقيقها صبري، وقد أبدع الكاتب في وصف هذا المشهد العاطفيّ المؤثّر.
البناء الرّوائيّ: يلاحظ أنّ الكاتب قد أكثر من السّرد الاخباري-خصوصا في بداية الرّواية- حيث كان السّرد أشبه ما يكون بتقارير اخباريّة.
يبقى أن نقول أنّ هذه الرّواية تضيف شيئا للرّواية الفلسطينيّة عن القدس.