اليمين يُغرق نفسه بتعادل انتخابي .. والفلسطينيون قوة ثالثة .. الكنيست الجديدة: العنصرية تنتصر .. ونتنياهو أول ضعيف
افراسيانت - حلمي موسى - انتقلت الانتخابات الإسرائيلية الحالية بسرعة كبيرة من كونها الحدث الأشد رتابة وجموداً إلى حدث بالغ الحيوية والإثارة.
والواقع أن كل الانتخابات الإسرائيلية في العقدين الأخيرين، من العام 1996 وحتى اليوم كانت معروفة النتائج سلفاً وخلت تقريباً من الإثارة. الانتخابات الحالية التي بدأت رتيبة تحولت بسرعة إلى واحدة من أشد الانتخابات إثارة، بل أن مستطلعي الآراء في إسرائيل لاحظوا أن التغييرات كانت تجري حتى مساء يوم الانتخابات ذاته.
ومن المؤكد أنها تشكل خسارة لليمين و «الليكود» على حد سواء، رغم أنها منحت «الليكود» ما فاق التوقعات. فقد كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ينعم بائتلاف، رغم الخلافات بين مكوناته، إلا أنه كان مستقراً وقادراً على البقاء حتى اليوم الأخير من ولايته بعد حوالي عامين. لكن الجشع الذي ميز نتنياهو، و «الليكود» من خلفه، دفعه إلى محاولة استباق الظروف وتكريس ولاية لأربع سنوات دفعة واحدة مع تأديب بعض شركائه. وهكذا كانت النتيجة: خسارة لليمين، حتى وإن لم تكن كبيرة إلا أنها كانت كافية لنقل الجميع إلى مربع التعادل وانعدام الحسم.
وأظهرت النتائج الأولية تعادلاً بين «الليكود» و «المعسكر الصهيوني» بحصول كل منهما على 27 مقعداً وفق القناتين الأولى والعاشرة، وتفوق «الليكود» بمقعد وفق القناة الثانية من اصل 120 مقعداً في الكنيست. وغدت القائمة العربية القوة الثالثة ولها 12-13 مقعداً، و «هناك مستقبل» 11-12 مقعدا و «كلنا» 10 مقاعد، في حين تراجعت بشدة قوة «البيت اليهودي» ونال 8-9 مقاعد. أما «شاس» فنالت 7 مقاعد، و «يهدوت هتوراه» 6-7 مقاعد. ونالت قائمة «إسرائيل بيتنا» 5-6 مقاعد، و «ميرتس» 5 مقاعد.
المؤكد أن «الليكود» سيعرض النتيجة على أنها انتصار حاسم، وتأكيد على استمرار نتنياهو في رئاسة الحكومة. لكن هذا التعادل بين الحزبين يكاد يفقد قيمته عند قياس الائتلاف الذي بوسع كل منهما تكوينه لتشكيل الحكومة المقبلة، خصوصا في ظل نتائج القوى الأخرى. وقال نتنياهو، عبر حسابه على موقع «تويتر»، «رغم كل الصعاب: انتصار عظيم لليكود.. انتصار عظيم للمعسكر القومي بقيادة ليكود.. انتصار عظيم لشعب اسرائيل».
في كل الأحوال، وإذا بقيت النتائج النهائية على حال النتائج الأولية هذه، فقد يكون مستحيلاً تشكيل حكومة يمين ضيقة، أو حتى حكومة يمين - وسط ، نظراً الى تاريخ العلاقة القريبة بين هذه القوى. فـ «الليكود» كحزب حاكم دخل الانتخابات وهو و «إسرائيل بيتنا» يملكان 30 مقعداً في الكنيست، في حين أن «حزب العمل» وحركة تسيبي ليفني اللذان يشكلان «المعسكر الصهيوني» كانا يملكان حوالي 17 مقعداً فقط.
وبديهي أن يعتبر «الليكود» نفسه حافظ على قوته، لكن هذا لا يسمح له بتشكيل ائتلاف، لا كما يريد ولا أفضل مما كان. فـ «الليكود» و «البيت اليهودي» الذي نال 8 مقاعد، و «إسرائيل بيتنا» خمسة مقاعد، و «يهدوت هتوراه» ستة مقاعد، و «شاس» سبعة مقاعد، لا يستطيعون تشكيل ائتلاف حكومي إذا لم ينضم إليهم زعيم «كلنا» موشي كحلون.
وحتى مع كحلون سيكون هذا ائتلافا فائق الهشاشة نظراً للخلافات العميقة بين «الليكود» و «البيت اليهودي» و «إسرائيل بيتنا»، وحتى مع كحلون من دون ذكر الخلافات بين الحريديم وكل من «البيت اليهودي» و «إسرائيل بيتنا». وعدا ذلك ستتوفر معارضة قوية جداً، ممثلة بـ «المعسكر الصهيوني» 27 مقعداً، والقائمة العربية 13، و «هناك مستقبل» 12، و «ميرتس» 5 مقاعد، بمجموع 57 مقعداً.
وإذا اختلفت النتائج قليلاً، أو أفلح «المعسكر الصهيوني» في اجتذاب الحريديم وحزب كحلون فمن شبه المؤكد أن بوسعه تشكيل حكومة أكثر استقراراً، خصوصا أنه يمكن للقائمة العربية دعم هذا الائتلاف من الخارج لمنع اليمين من العودة إلى الحكم. ولكن ائتلافاً من هذا النوع سيعجز كثيراً عن مواجهة صخب المعارضة اليمينية في الشارع، وكذلك في المستوطنات.
لقد كان نتنياهو واثقا يوم فكك حكومته وطرد يائير لبيد و «هناك مستقبل» أنه ذاهب إلى انتخابات يريدها، وهو يضمن نتائجها، فبادر الى حل الكنيست وتحديد موعد الانتخابات المبكرة. ويوم الانتخابات كان واضحا أنه حتى لو نجح نتنياهو بالفوز وشكل الحكومة الرابعة فإنه لن ينال ائتلافاً أفضل. وحسب خبراء فإن نتنياهو باع ائتلافاً «غير معقول» من أجل شراء ائتلاف «مستحيل».
لكن خطوة نتنياهو هذه جعلت كثيرين ينظرون إليه على أنه «عربيد سياسي»، وبالتالي عملوا على الوقوف ضده. وتشكل ما يشبه الائتلاف الواسع بعنوان «المهم ألا يكون نتنياهو»، وهو ما أفاد تقريبا خصوم نتنياهو وليس حلفاءه «الطبيعيين». فقد جرت الانتخابات وكأنها استفتاء على نتنياهو، وليس بالضبط على سياسته، في ظل نوع من الضجر المتزايد منه ومن أساليبه في الحكم.
وطوال يوم أمس كان التوتر سيد الموقف في ظل تأكيد الجمهور الإسرائيلي على عدم الخروج عن عاداته والبقاء بعيداً عن صناديق الاقتراع، حتى ما قبل ساعتين من إغلاق الصناديق. وأشارت المعطيات إلى أن نسبة التصويت كانت طوال النهار أقل من نسب التصويت في السنوات الماضية، والتي كانت في تراجع مستمر، لكنها ازدادت قليلا في الساعتين الأخيرتين عن نسبة التصويت في الانتخابات السابقة. ويرى البعض أن تعديل نسبة التصويت في وقت متأخر قادت إلى تحسين النتائج لصالح «الليكود» حتى على حساب شركائه في اليمين. وحدها نسبة التصويت في وسط فلسطينيي الـ48 تأثرت باتحاد الأحزاب في قائمة موحدة، رداً على الحملة العنصرية المتواصلة ضدهم، ما قاد إلى نوع من المفاجأة المركبة: صعود العرب كقوة ثالثة جسد جوهرياً معنى تراجع قوة اليمين.
وفي ساعات ما قبل اغلاق مراكز الاقتراع شدد قادة الأحزاب نبرتهم في محاولة لكسب أصوات قد تعدل النتائج المتوقعة. وخلافاً للمعهود، حاول نتنياهو عقد مؤتمر صحافي خارج مقره الحكومي من أجل حث ناخبي اليمين للذهاب بجموعهم رداً على تصويت فلسطينيي الـ48. غير أن رئيس لجنة الانتخابات المركزية القاضي سليم جبران حظر بث هذا المؤتمر الصحافي، معتبرا إياه دعاية انتخابية. وأثار هذا حفيظة نتنياهو الذي أعلن أن هذا «تكميم أفواه» وأنه الشخص الوحيد الذي تعرض إلى «هذا الظلم» ولكن «لا أحد يستطيع تكميم أفواهنا». وقد بث نتنياهو مؤتمره الصحافي على الانترنت لتجاوز رقابة لجنة الانتخابات.
في كل حال ظل القلق سيد الموقف حتى آخر لحظة. فـ «المعسكر الصهيوني» ظل قلقاً من احتمال ألا يحافظ على الفارق بينه وبين «الليكود». و «الليكود» كان شديد القلق من احتمال ألا تنجح جهوده في ردم الهوة مع «المعسكر الصهيوني». وكان الصراع على أشده بين «البيت اليهودي» و «هناك مستقبل» و «القائمة العربية المشتركة» وحزب «كلنا» على من يحتل موقع القوة الثالثة في الكنيست بعد «الليكود» و «المعسكر الصهيوني». لكن القلق الأكبر كان من نصيب كل من «إسرائيل بيتنا» بزعامة افيغدور ليبرمان و «ميرتس» و «ياحد» برئاسة إيلي يشاي المنشق عن «شاس»، وكلهم كانوا يخشون من احتمال ألا يفلحوا في اجتياز نسبة الحسم.
ومن المؤكد أنه بعد ظهور نتائج العينات، سيتجه الصراع نحو انتظار النتائج النهائية وذلك بسبب حراجة الوضع من ناحية وتقارب الأعداد. وليس مستبعداً أن تشهد الأيام المقبلة توترات وصراعات شديدة للتأثير على طبيعة الترتيبات لتشكيل ائتلافات متوقعة. وإذا بقيت هذه هي النتيجة فإن كحلون، الذي رغم ماضيه «الليكودي»، شكل قائمة غالبيتها من الوسط الذي يميل إلى اليسار قد يغدو «متوج الملوك» والرجل الذي يقود نتنياهو إلى صفوف المعارضة أو اعتزال الحياة السياسية. والكثير سيعتمد على تقدير الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين عند قراره بتكليف نتنياهو أو زعيم «المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ لرئاسة الحكومة.
نشر هذا المقال في جريدة السفير