افراسيانت - عبد الله سليمان علي - رسائل عدة تنتشر في سماء القلمون السوري الملبدة، وتحضيرات قائمة واستعدادات لـ «أمر ما»، وإعادة انتشار ونصب حواجز، وكذلك خلافات مستمرة ومتصاعدة. المُرسِلون كُثُر، لكن المُرسَل إليه واحد: «الجيش السوري وحزب الله».
ولا يُخفي تنظيم «داعش» حجم القوة المضافة التي حصل عليها في القلمون نتيجة «البيعات» المتتالية من بعض فصائل «الجيش السوري الحر»، أو تلك التي استجلبها لنفسه بعد استيلائه على مستودعات أسلحة لفصائل إسلامية أخرى، بل على العكس، بات تنظيم «الدولة» يحاول إبراز عناصر قوته المتزايدة، سواء إعلاميًّا، من خلال تزايد نشاط مكتبه الإعلامي في «ولاية دمشق» بعد انقطاع دام أسابيع عدة، أو عسكريًّا من خلال سعيه إلى نشر المزيد من عناصره في جرود منطقة القلمون وتلالها ووديانها، ومؤخرًا قيامه بنصب حواجز على بعض الطرق بهدف المراقبة والتفتيش.
وتأتي هذه التحركات بالتزامن مع الخطاب التصعيدي الذي حمله معه الشرعي الجديد لـ «داعش» أبو الوليد المقدسي تجاه الفصائل الأخرى، ومن بينها «جبهة النصرة» التي اتهمها بـ «الردة والخيانة»، وبالتالي فالرسالة واضحة، وهي القول للجميع إن التصعيد الخطابي ليس مجرد كلام في الهواء، وإنما وراءه قوة عسكرية قابلة للترجمة على الأرض.
غير أن الرسالة الأهم موجهة إلى الجيش السوري و «حزب الله» بأن المواجهة معهما مجددًا في هذه المنطقة لم تعد بعيدة. وكان لافتًا للانتباه، في هذا السياق، الإعلان، أمس، عن تمكن بعض عناصر «داعش» من الوصول إلى جرود بلدة فليطة القريبة من الحدود اللبنانية ـــ السورية، وذلك في محاولة لتنفيذ عملية انغماسية ضد مقاتلي «حزب الله» ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين الطرفَين.
كمين محكم في عسال الورد
وكان لافتًا للانتباه أيضا أنه غداة هذه الاشتباكات، نفذ الجيش السوري كمينًا محكمًا، أمس، استهدف موكبًا لعدد من قادة المجموعات المسلحة في جرود عسال الورد بالقلمون، وأفادت المعلومات التي عممتها وسائل إعلام «حزب الله» أن بين القتلى قيادات من الصف الأول.
وبحسب مصدر أمني متابع، فإن مجموعات من «الحر» و«النصرة» تابعة للقطاع الغربي في القلمون، هاجمت، أمس، نقاطا عسكرية للمراقبة تابعة للجيش السوري و«حزب الله» في جرود عسال الورد، إلا أنها وقعت في كمين نصبه الجيش السوري الذي استخدم قوة نارية صاروخية (موجهة) ومدفعية، وتدخلت المروحيات ما أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف المهاجمين.
وتردد أن بين القتلى شخصا يدعى محمد الحسيني (لقبه «زيكو»)، وهو معروف بأنه أحد خبراء تفخيخ السيارات، وشخصا آخر يدعى محمود خلوف (لقبه «دحام»)، وهو قائد ميداني شارك منذ ثلاثة أشهر بالهجوم على بلدة عسال الورد وقد احتل مع مجموعته ما يعرف بمنطقة المداجن. وشملت الغارات الجوية السورية تجمعات لـ «داعش» عند معابر ميرا ومرطبية والزمراني في منطقة القلمون.
صاروخ «تاو» في محيط «القريتين»
ووجه تنظيم «داعش» رسالة أخرى، قد تكون أكثر أهمية وخطورة، عبر نشر مكتبه الإعلامي في «ولاية دمشق» صورة لأحد عناصره وهو يستخدم صاروخ «تاو» الأميركي الصنع المضاد للدروع خلال معركة نشبت مع مجموعة تابعة لـ «جيش الإسلام» في محيط «مدينة القريتين».
وبرغم أن «القريتين» تابعة لمحافظة حمص إلا أنها بحسب التقسيمات الخاصة بـ «داعش» تتبع «ولاية دمشق – قاطع القلمون» الأمر الذي يعني أن صواريخ «تاو» أصبحت ضمن ترسانة التنظيم في القلمون، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن التنظيم يركز جهوده العسكرية في منطقة القلمون لدرجة أنه يستخدم فيها أسلحة لم يسبق له الإعلان عن امتلاكه لها، حتى أنه لم يستخدمها في بعض المعارك التي خسر فيها مثل معركة جرف الصخر في العراق.
ولا تقتصر التحركات في «قاطع القلمون» على «الدولة الإسلامية»، إذ إن بعض الفصائل التابعة لـ «الجيش الحر»، تسعى لاستعادة حضورها. فقد أعلن «لواء الغرباء» و «كتائب أسود السنة»، التابعان لـ «الجيش الحر»، عن إنشاء معسكر في القلمون الغربي يحمل إسم «معسكر صقل المجاهدين لقطع الأوصال والشرايين».
ومن أهداف هذا المعسكر، بحسب بيان إنشائه: «إعلاء راية لا إله إلا الله، تحكيم شرع الله، صقل مهارات «المجاهدين» وتقوية عزائمهم، تنظيم ورص وتوحيد الصف من أجل نجاح العمل العسكري، وأخيرًا تحرير مدن القلمون من رجس عصابات (الرئيس بشار) الأسد وحزب الله».
ويتضمن برنامج المعسكر إقامة دورات شرعية وعسكرية (هاون وقنص وصاعقة ومهمات خاصة وتفكيك ألغام والمناورة وضرب ما وراء أهداف العدو). وتتخلل هذا المعسكر عمليات تدريب حقيقية بالذخيرة الحية، ويكون تعداد هذا المعسكر من 200 إلى 300 مقاتل. ومن المقرر «أن يتكلل هذا العمل بعمليتَين نوعيتَين لاختبار مدى قوة وصقل المقاتلين»، كما ورد في البيان.
«حزب الله» ينفي وجود أسرى
يشار إلى أن «لواء الغرباء»، المشارك في إقامة المعسكر، أعلن قبل أيام فقط عن وجود أسرى من «حزب الله» لديه، لكنه تحفظ عن ذكر أي معلومة عن الموضوع في الوقت الحالي، غير أن مصدرًا مقربًا من «حزب الله» أكد أن لا أسرى لـ «حزب الله» لدى تلك المجموعات «وكل ما يثار في بعض وسائل التواصل مجرد إشاعات لا قيمة لها».
وأكد قائد «لواء الغرباء» المدعو «أبو موفق»، لوكالة «خطوة الإخبارية»، أنه «مستمر في قتال الجيش السوري و «حزب الله» حتى تحرير المنطقة بكاملها، برغم ضعف الإمكانات والظروف الصعبة، نتيجة التآمر الخارجي والخلافات الداخلية».
وبخصوص «الخلافات الداخلية» التي أشار إليها «أبو موفق»، علم من مصدر مقرب من «حركة أحرار الشام» أن هناك خلافات كبيرة بين تيار من «جبهة النصرة في القلمون» وبين مسلحي «أحرار الشام». وقال المصدر إن هذا التيار («النصروي») لا يتوانى عن تكفير قادة «أحرار الشام» عمومًا، واتهام عناصرها الراضين بميثاق «الشرف الثوري» الذي وقعته الحركة مع فصائل أخرى قبل أشهر، بأنهم «مرتدون»، مشيرًا إلى أن الخلاف وصل إلى درجة أن بعض قادة هذا التيار يرفضون المشاركة في القتال إلى جانب عناصر «أحرار الشام».
لكن المصدر خفف من تأثير هذه الخلافات، كونها تجري بعيدًا عن رقابة أبي مالك التلي، وبالتالي لا تمثل وجهة نظر «جبهة النصرة» الرسمية، من دون أن يستبعد أن يقوم هذا التيار بمبايعة «داعش» عند أول فرصة مناسبة، مشيرًا إلى تمركزه في المناطق القريبة من جبال الزبداني ووادي بردى، لكنه تابِعٌ تنظيميًّا إلى القلمون الغربي بقيادة التلي.
الجيش اللبناني.. والتصاريح الإلزامية
ومن المقلب العرسالي، أحبط الجيش اللبناني، أمس، محاولة قام بها عناصر يأتمرون بأوامر «داعش» و «النصرة» لاقتحام أحد حواجزه عند مدخل عرسال في عين الشعب، وقرب حاجز وادي حميد، وذلك للرد على قرار المؤسسة العسكرية بإلزام كل من يريد التوجه إلى جرود عرسال بالاستحصال على تصريح من مخابرات الجيش اللبناني.
وفيما أعلن رئيس بلدية عرسال علي الحجيري أن الجيش تراجع عن مطلب نيل تصاريح المرور، أكد مصدر عسكري لـ «السفير» أن لا تراجع عن قرار التشدد والتضييق على المجموعات الإرهابية ولا تراجع عن قرار الاستحصال على تصاريح العبور الإلزامية.