تونس - افراسيانت - دق التفجير الانتحاري الذي نفذته الاثنين، فتاة ثلاثينية وسط شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، ناقوس الخطر في مجمل البلاد التي تعيش على وقع أزمة سياسية مُستفحلة بأبعاد اقتصادية واجتماعية، وكذلك أمنية.
وساهم هذا التفجير الإرهابي غير المسبوق، من حيث التوقيت، والمكان، وأداة التنفيذ، في رفع منسوب القلق الذي ينتاب غالبية الفاعلين السياسيين منذ مدة بسبب حالة الانسداد التي وصلتها الأزمة السياسية، وما رافقها من تزايد في حدة مُفردات العنف في الخطاب السياسي.
ويتقاطع هذا القلق مع منحى الخيارات الصعبة التي تواجهها تونس، والتي تُضيف إلى الهواجس الكثيرة، قائمة لا تنتهي من السيناريوهات التي تعيد المشهد العام إلى أجواء التجاذبات الساخنة التي تفسح المجال للمستثمرين في الإرهاب للتحرك في مختلف الاتجاهات لمزيد تعكير المناخ العام.
ووصف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي العملية بـ“الفاجعة”، مشيرا إلى أن ''المناخ السياسي في تونس اليوم سيء... ونحن منشغلون بالكراسي وبالحزب الذي سيفوز".
وشدّد السبسي، في تصريح له من العاصمة الألمانية برلين حيث يشارك في قمة العشرين للاستثمار في أفريقيا، على أنّ العملية كانت رسالة موجّهة للدولة وهيبتها، لكن من يدفع الضريبة دائما هم الأمنيون.
وأعلنت وزارة الداخلية التونسية عن وقوع تفجير انتحاري بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، نفذته امرأة في عقدها الثالث، ما أسفر في حصيلة أولية عن مقتل الانتحارية، وإصابة ثمانية من أفراد الشرطة، إلى جانب جرح مدني واحد.
وأوضحت أن التفجير استهدف دورية أمنية بالقرب من مركز “البالماريوم” التجاري وسط شارع الحبيب بورقيبة الذي يحظى برمزية كبيرة لدى التونسيين.
ولم تعلن إلى حد مساء الإثنين أي جهة تبنيها للعملية. فيما أكدت وزارة الداخلية أن المهاجمة “غير معروفة لدى المصالح الأمنية بالتطرف”. ونشرت صور لجثة منفذة التفجير، وهي ملقاة على جادة الشارع الذي تطوقه الشرطة.
وتزامن التفجير مع تظاهرة احتجاجية نظمتها في قلب شارع الحبيب بورقيبة أعداد من نساء أحد الأحياء القريبة من العاصمة تونس كن يحتججن على مقتل أحد الشبان في صدامات بين مهربين وعناصر حكومية.
ولم يستبعد مراقبون أن تكون عملية التفجير منظمة لتتزامن مع هذا الاحتجاج وتكليف امرأة بالتنفيذ لسهولة اختلاطها بالمحتجات، وأن الهدف تحقيق عدد أكبر من الخسائر في صفوف قوات الأمن التي كانت تحيط بالتظاهرة الاحتجاجية، فضلا عن تحقيق صدى إعلامي قوي للحادث في أهم الأماكن المراقبة بشكل تام من قوات الشرطة.
وأغلقت المحال التجارية أبوابها في الشارع الذي يعد من أكثر شوارع العاصمة ازدحاما، فضلا عن كونه المكان الأكثر رمزية في مواجهة الحكومات المتعاقبة، خاصة احتجاجات 2011.
وفيما التزم السياسيون الصمت أمام هذا العمل الإرهابي بانتظار توفر المزيد من المعطيات، استنكر نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، العملية الانتحارية، ووصفها بـ”الخطيرة بالنظر لرمزية المكان والظرف الراهن”.
واعتبر أنه ”رغم رمزية التفجير الانتحاري في شارع الحبيب بورقيبة إلا أنه لا يجب التهويل، ولا يجب اعتبار العملية انتصارا للخفافيش والإرهابيين، وأن الإرهاب ليست له حاضنة شعبية ولا مكان له في تونس″.
ويقول مراقبون إن الإرهاب الذي تمت محاصرته أمنيا وسياسيا لم يعد يقدر على التسلل إلى المدن لتنفيذ عملياته إلا من خلال الأزمات السياسية، وخاصة الأزمة الحالية التي شلت عمل الحكومة، فضلا عن فشل سبع سنوات من الانتقال السياسي في تحقيق أي نجاحات تذكر، وهو ما وسع دائرة التشاؤم خاصة في صفوف خريجي الجامعة وعموم الشباب التونسي.
وأشاروا إلى أنه من الواضح أن العملية الانتحارية رسالة شديدة الخطورة إلى تونس برمتها يجب أن توليها السلطات والأحزاب المتنافسة أهمية فائقة لقطع الطريق أمام عودة الإرهاب، خاصة أن التراخي يزيد من جرأته ويهدد الاستقرار الذي طال قطاعات حيوية مثل السياحة، محذرين من أن عملية من هذا النوع وفي قلب العاصمة قد تبعث برسائل سلبية إلى الخارج.
وحث رئيس مجلس النواب محمد الناصر على الإسراع بالمصادقة على مشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداءات على الأمنيين ما يسهل عليهم التحرك بأكثر فاعلية في مواجهة عمليات من هذا النوع.
وفي غضون ذلك، تضاربت الأنباء حول الأداة المستخدمة في العمل الإرهابي، حيث ذكر سفيان الزعق، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، أن حزاما ناسفا تقليدي الصنع تم استخدامه في هذا التفجير، وأشار مصدر أمني آخر إلى أن التفجير تم عن بعد عبر عبوة ناسفة كانت داخل حقيبة المرأة.
وبغض النظر عن آلية التفجير، فإن هذا العمل الإرهابي الأول من نوعه الذي يشهده شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة، أعاد إلى الأذهان التفجيرات الإرهابية التي عرفتها البلاد، وخاصة منها التفجير الانتحاري الذي استهدف في 24 نوفمبر 2015 حافلة للأمن الرئاسي، بشارع محمد الخامس، والذي خلف 12 قتيلا في صفوف الأمنيين، إلى جانب مقتل منفذ الهجوم.
كما أنه ولأول مرة تدفع الجماعات المتشددة في تونس بانتحارية لتنفيذ الهجوم، ما يؤكد حالة العزلة التي تعيشها وكذلك حجم النجاحات الأمنية التي تحققت في الغرض.
ولا يختلف هذا التفجير الإرهابي عن السياق العام للأعمال الإرهابية التي عرفتها تونس، لا سيما وأنه يحمل رسائل تؤكد من جديد أن استمرار حالة الاحتقان السياسي، والتقاذف بالاتهامات من شأنه توفير فرص إضافية للإرهابيين لمزيد تعكير المناخ العام في البلاد.
وفي هذا السياق، تدفع كل المؤشرات إلى أن هذا التفجير الإرهابي سيُحدث ارتجاجات وارتدادات في المشهد العام، رغم الإدراك المشترك لدى الجميع بأن المطلوب الآن الخروج من المأزق السياسي الراهن لقطع الطريق أمام الذين يستثمرون في الإرهاب لتشكيل المشهد السياسي على إيقاعه.
الجمعي قاسمي
صحافي تونسي