خروج عبدربه منصور هادي من صنعاء ووصوله إلى عدن يشكل نقطة تحوّل جديدة في الأزمة اليمنية ودخول البلاد مرحلة جديدة.
صنعاء - افراسيانت - اعتبر الخبراء أن ردّة فعل القبائل اليمنية تجاه خروج الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من صنعاء إلى عدن، وإعلانها الاستعداد العسكري والشعبي للوقوف إلى جانبه ضدّ الحوثيين، موقف طبيعي ومتوقّع. فعلى مدار تاريخ اليمن لعبت القبيلة دورا هاما في الساحة السياسية وكانت في أغلب الأوقات أحد أبرز مفاتيح الصراعات.
شكّل خروج الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من صنعاء ووصوله إلى عدن، نقطة تحوّل جديدة في الأزمة اليمنية. وعلى إثر هذه العملية دخل المشهد اليمني مرحلة جديدة يرسم ملامحها من جهة رئيس يملك الشرعية الدستورية، وتُبايعه أغلب القبائل والأقاليم السُنية ويحظى بتأييد عربي، ومن جهة ثانية جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، والممسكة بمقاليد العاصمة المركزية صنعاء.
يشير الخبراء المختصّون في الشأن اليمني إلى أن الرئيس عبدربه منصور هادي، ما كان لينجح في الإقدام على هذه الخطوة لولا القاعدة الآمنة التي توفّرها القبائل اليمنية له، والتي أكّدت في مسيرات ضخمة مسلّحة أنها تقف مع السلطة المحلية في المحافظة ومؤازرتها في جهودها الساعية لحماية المحافظة والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعية وعدم السماح بالفوضى والتخريب ونهب الممتلكات العامة والخاصة.
في الفترة الماضية تركّز الاهتمام الكبير على الدور الذي يلعبه الحوثيون والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صلاح وإخوان اليمن في التغيّرات التي طرأت على البلاد منذ سقوط نظام عبدالله صالح في 11 فبراير 2011، لكن لم يتمّ بنفس القدر الاهتمام بالدور الذي لعبته القبائل اليمنية في دعم حركة الاحتجاجات السلمية في اليمن في 2011.
واهتمّت مراكز الأبحاث الغربية بتضخيم تقدّم الحوثيين إلى صنعاء دون الاهتمام بالدور الذي تلعبه هذه القبائل في التصدّي لمحاولات أنصار الله لدخول المناطق الاستراتيجية والغنية بالنفط شمال اليمن وجنوبه. وهذه القبائل هي التي جعلت “الفوز” الذي يروّج له الحوثيون بدخولهم العاصمة صنعاء فوزا سياسيا شكليّا لا يكتمل إلا بدخولهم مأرب ومنها إلى يافع وحضرموت وشبوة وغيرها من المحافظات والمناطق الاستراتيجية اليمنية.
لكن، يرابط الآلاف من رجال القبائل اليمنية على مشارف محافظتهم، بكامل عتادهم، بدءا من الأسلحة الرشاشة الخفيفة، وحتى مضادات الطيران والعيارات الثقيلة، تحسبا لأي هجوم، من قبل جماعة الحوثي المسلحة، على ضوء المتغيرات على الساحة اليمنية.
وفي ردّة فعل مؤثّرة، أعلنت قبائل يمنية كبرى، على غرار قبائل بني هلال بشبوة، وقبائل يافع ذات التاريخ الضارب في القدم والشهرة الكبيرة في الشراسة والقوة، استعدادها لمواجهة التمدد الحوثي، خاصة وأن مواجهات مسلحة بين الحوثيين ومسلحي القبائل، تدور منذ أشهر في مناطق البيضاء المجاورة لمحافظات شبوة وأبين ولحج والضالع الجنوبية.
وأعربت قبائل بني هلال، “عن فرحتها بتمكن الرئيس عبدربه منصور هادي من فك حصاره وإنهاء الإقامة الجبرية التي فرضتها مليشيات الحوثي عليه في صنعاء وانتقاله إلى عدن”.
وأعلنت “جاهزيتها واستعدادها التام لـ”حماية بلادها وحماية محافظة شبوة من أي مليشيات أو جماعة من خارج المحافظة أو من داخلها والوقوف جنبا إلى جنب مع قبائل محافظة شبوة الأخرى”.
وتشكّل قبائل بني هلال ثلث سكان محافظة شبوة، وتنقسم إلى 3 قبائل كبرى، هي آل النسي وآل خليفة وآل نمارة، ولهذه القبائل امتداد إلى محافظة حضرموت المجاورة، ويشكل عدد سكان محافظة شبوة 2،5 بالمئة من إجمالي سكان البلاد (26 مليون نسمة)، وفقا لآخر تعداد سكاني عام 2004، لكنها تحظى بأهمية كبيرة لوجود الثروة النفطية بها، فضلا عن موقعها الاستراتيجي في جنوب شرقي اليمن، وربطها بين المناطق الجبلية والصحراوية من جهة والبحر (البحر العربي) من جهة ثانية.
وذكرت قبائل العوالق (كبرى قبائل محافظة شبوة) في بيان لها، أن “القبائل أعدت 3 آلاف مقاتل لحماية المحافظة من المليشيات المسلحة من خارجها”، مضيفة “لن نسمح لأي ميليشيا بدخول المحافظة، وسنقاتل كل من يحاول دخول مديريات شبوة من خارجها”.
أما قبائل يافع، الواقعة أراضيها جنوبي البلاد، فعادت إلى صدارة الاهتمام من جديد، لكن عبر بوابة الصراع الذي تقوده جماعة أنصار الله القادمة من محافظات الشمال. وتصوّب الأنظار نحو جبل “العر”، الذي ارتبط اسمه بالعديد من المعارك، في واحدة من أشدّ مناطق الجنوب اليمني وعورة، في انتظار معركة وشيكة ستكون حاسمة، وسيُحدد من خلالها مستقبل محافظات الجنوب اليمني قاطبة.
القبائل ستكون إحدى أهم العقبات التي ستؤدي إلى فشل الحوثيين في الوصول إلى السلطة أو انقسام اليمن
وتقف قبائل يافع على تخوم جبل “العر”، فيما يتأهب المسلحون الحوثيون، في حال أحكموا سيطرتهم الكاملة على محافظة البيضاء وسط اليمن، لمهاجمة يافع، باعتبارها البوابة التي سيدلف منها مسلحو الجماعة نحو الجنوب. و”يافع” هي مدينة ومركز مديرية يافع في محافظة لحج جنوبي اليمن، وتقع شمال شرق عدن، كبرى مدن الجنوب وعاصمة دولته السابقة.
ويؤكد أهالي يافع أنهم لن يسمحوا لمسلحي الحوثي بدخول أراضيهم، وأنهم سيدافعون عنها مهما كان الثمن.
وقال محسن ديّان، صاحب كتاب “حفاة الجبال.. أطفأوا شمس الإمبراطورية”: إن حاكم عدن الإنكليزي القبطان “هينس” حين احتل عدن، وضع في حسبانه أهمية القبائل الجنوبية، وعلى رأسها قبائل يافع، وبدأ يراسل تلك القبائل لاستمالتها، باعتبارها مكونا قويا لا يمكن الاستهانة به، لكن مهمته فشلت، ليطفئ حُفاة جبال يافع بعد ذلك بسنين عديدة، شمسَ الإمبراطورية، داحضين مقولة “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”.
وتقول مصادر قبلية إن عبدالملك الحوثي، زعيم جماعة أنصار الله، يسير على خطى البريطاني هينس، في مراسلة قبائل يافع المتمركزة في جبل “العر”، في سبيل استقطابها إلى جانب جماعته، لا سيما بعد سيطرة مسلحيه على مديرية “الزاهر” القبلية في محافظة البيضاء القريبة من يافع. لكن “قبائل يافع رفضت رفضا قاطعا دخول الحوثي إلى أراضيها، وشددت على أن من يتواطأ مع الحوثي فإن مصيره القتل، وفقا لأعراف تلك القبائل”.
ومنذ عدة أيام، بدأت قبائل في محافظة البيضاء وسط اليمن، بعقد تحالفات مع قبائل منطقة يافع بمحافظة لحج الجنوبية، لصد جماعة الحوثي، على اعتبار أن منطقة يافع هي هدف الحوثيين القادم. ومنذ أيام توغلت جماعة الحوثي في عدد من مديريات البيضاء، وسط اليمن، تحت غطاء الجيش والأمن، وبدعوى محاربة القاعدة، بعد أشهر من المواجهات التي خاضتها في منطقة “رداع” مع مسلحي القبائل المدعومين بمسلحي القاعدة، راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى من الطرفين.
ووفق المصادر القبلية فإن هناك شكوكا حول دور الجيش في معارك الحوثيين، وخاصة ما تبقى من مقاتلي الحرس الجمهوري، الذي يبدو أنه يُصفّي حساباته مع قبائل يافع التي طردته في 2011، تحت قناع جماعة الحوثي.
القبائل تدعم هادي
جاءت بيانات وجهاء قبائل اليمن، بعيد خروج الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من صنعاء إلى عدن، ثم إعلانه سحب استقالته التي قدمها في 22 يناير 2015. ويشير خبراء إلى أن هروب هادي من الإقامة الجبرية في صنعاء إلى عدن جاء بعد اتصالات لمقربين منه بالقبائل والتي وعدت بدعمه لو غادر العاصمة اليمنية. وهو ما تمّ بالفعل، حيث قاد عبدربه منصور هادي “انقلابا” على انقلاب الحوثيين، بمساعدة القبائل اليمنية التي دعمته محذّرة أنصار الله من التمادي.
وظهر هادي، يوم الأحد، في محافظة عدن، وذلك لأول مرة منذ حصاره من قبل جماعة الحوثي في 22 يناير الماضي، حيث كان يمارس عمله بشكل طبيعي قبل هذا التاريخ. وكان أول عمل قام به هادي هو إصداره بيانا أكد فيه تمسكه بشرعيته رئيسا للبلاد من خلال توقيعه على البيان بصفته رئيسا للجمهورية اليمنية واعتبر كل الإجراءات التي تمت منذ 21 سبتمبر الماضي (تاريخ دخول الحوثيين صنعاء) باطلة وغير شرعية. ودعا هادي المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة ما وصفه بالانقلاب الحوثي.
تفتح خطوة الرئيس هادي صفحة جديدة في أزمة اليمن، خاصة مع تعنُّت الحوثيين، وردّات فعل الجنوبيين الانفصاليين من جهة أخرى، مقابل الاستعداد العسكري الذي أظهرته القبائل اليمنية. ويشير المحلّل السياسي عبدالناصر المودع إلى أن خروج الرئيس عبدربه منصور هادي من صنعاء وتوجهه إلى عدن في الجنوب سيحدث تغيُّرا نوعيا في المشهد اليمني.
وتوقّع المودع أن يضعف موقف الحوثيين وشرعية الأمر الواقع، وقوة السلاح التي يعتمدون عليها، خاصة مع إعلان بعض الأقاليم كتعز ومأرب والجوف وعدن ولاءهم لهادي، الذي مازال الرئيس الشرعي لليمن، كون البرلمان لم يقبل رسميا استقالته التي تقدّم بها إليه.
القبيلة في اليمن ذات أهمية سياسية في بناء الدولة وهي تشكل جزءا من سلطتها وتلعب دورا رئيسيا في صناعة القرار السياسي
وأوضح المحلّل السياسي أن الرئيس عبدربه منصور يحظى بتأييد عربي كبير، سيغيّر موازين القوى في اليمن، خاصة مع تكوين القبائل لما أطلقت عليه جيش القبائل، بجانب ألوية وفرق الجيش اليمني التي توالي هادي، والمتوقّع أن تدعّمها السعودية والخليج، وتوفّر لها الدعم الدولي والمالي والتسليح.
وأكّد عبدالناصر المودع أن جماعة الحوثي جماعة مُتعنتة، ولا تعترف بالحلول السياسية دون أن تكون مُجبرة عليها، كونها لا تفهم إلا لغة القوة والضغط، وهذا ما أوجب تحرُّكا قويا داخليا وخارجيا، لإجبار الحوثيين على الخضوع للحل السياسي والالتزام به، والتراجُع عن انقلابهم على الشرعية والرئيس المنتخب.
دور القبيلة في تاريخ اليمن
الدور الذي تلعبه قبائل اليمن اليوم ليس جديدا عليها، فعلى مدار التاريخ كانت تؤثّر بشكل كبير في مجريات الأحداث. ويشير الباحث عادل مجاهد الشرجبي، في دراسة قيّمة صدرت عن المركز العربي للبحوث والدراسات إلى أن القبيلة اليمنية استطاعت أن تتعايش مع نظام الدولة المركزية القوية. ولكن حين يدب الضعف والتحلل، تعود القبيلة إلى ممارسة أدوارها في الفضاء السياسي. وتصبح العلاقة بينها وبين الدويلات أو الإمارات صراعية الطابع.
ويتتبع الباحث في دراسته حول “العلاقة بين الدولة (القصر) والقبيلة (الديوان) في المجتمع اليمني” التحولات حتى لحظة تاريخية هامة في تاريخ اليمن الحديث، وهي لحظة التوحد بين اليمن الجنوبي والشمالي (1990)، فالصراع الذي نشأ عقب الوحدة مباشرة، أدى فيما أدى، إلى سيطرة القوى المحافظة على الدولة اليمنية الموحدة، ومنذ ذلك الحين، تحولت العلاقة بين الدولة والقبيلة إلى علاقة تمصل وتحالف.
وجاء في دراسة الشرجبي أن القبيلة اليمنية في ظل الغياب المستمر للدولة المركزية القوية، كانت تمثل تنظيما حربيا، يضطلع بكافة المهام الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت تقوم بها الدولة. وبالتالي فإن انسلاخ وانضمام القبائل من وإلى الاتحادات القبلية، أمر يرتبط بمتغير القوة العسكرية في لحظة تاريخية معينة.
وتعتبر القبيلة في اليمن لاعبا رئيسيا في المسرح السياسي نظرا إلى الدور الذي ظلت تلعبه في كثير من المراحل على مدى العقود الماضية، إضافة إلى نفوذها القوي داخل مفاصل الدولة، والذي تعزز أكثر خلال فترة حكم نظام علي عبدالله صالح وعلاقته بالخصوص بقبيلة حاشد. وكانت القبائل في اليمن قد أدت خلال السنوات الأخيرة دورا بارزا وملموسا في حل مشكلة اختطاف الأجانب والضغط على الحكومة لجلب مشاريع تنموية لمناطقها والإفراج عن معتقلين لدى السلطات اليمنية.
شكلت القبيلة اليمنية عبر تاريخ الدولة الحديثة وقبلها، أهمية كبيرة نظرا إلى تداخلها مع النظام ومؤسسات الدولة، حيث كانت تلعب دورا رئيسيا في صناعة القرار السياسي مع أنها لا تمتلك رؤية إلى التحول الاجتماعي إلا أنها تمتلك تأثيرا في معارضة أو وقف كل قرار يتعارض مع مصالحها.
وتفيد دراسة للباحث اليمني نزار العبادي أن الإحصائيات تقدر عدد القبائل اليمنية بأكثر من مئتي قبيلة (إحصائيات أخرى قدرتها بحوالي 400 قبيلة) وتتمتع القبائل اليمنية بإمكانيات مادية وبشرية، أدت إلى تعاظم تأثيرها على اتجاهات القرار السياسي للدولة، ولا سيما مع واقع انتشار ظاهرة امتلاك السلاح بشكل واسع النطاق في اليمن بين رجال القبائل بوجه خاص.
ويعتبر اليمن من أكثر بلدان العالم العربي قبلية من ناحية نفوذ زعماء القبائل وتغلغلهم في مفاصل الدولة، ولمعظم القبائل تاريخ قديم، بعضها من أيام مملكة سبأ وفي فترات مختلفة من التاريخ، وقد شكلت تحالفات قوية لبناء دول أو إسقاطها. ويقول الباحثون إن القبيلة في اليمن تفرض نفسها كلاعب أساسي على صانعي تسوية النزاعات التي تندلع في البلاد.
وقد كانت في الصفوف الأمامية خلال اندلاع ثورة 11 فبراير ضدّ نظام عبدالله صالح، الذي كان حليفا قويّا لها، كما كان لها حضور فاعل في الحوار الوطني، وقد عادت اليوم إلى ممارسة دورها التاريخي العسكري في دعم السلطة ضدّ المتمرّدين.
وتتسّع رقعة الصراع بين الحوثيين الذين يتمتعون بدعم القبائل الزيدية، وإيران، والحكومة المركزية، والمدعومة بالقبائل السنية، ودول عربية، لكن، مع صعود الدور السياسي والأمني والاجتماعي للقبيلة، ووجود دعم خارجي لعدد من الجهات الإقليمية الرافضة لتحركات الحوثيين، يتوقّع الخبراء أن تكون القبائل إحدى أهم العقبات التي ستؤدي إلى فشل الحوثيين في الوصول إلى السلطة أو انقسام اليمن.