افراسيانت - محمد بلوط - موعد لـ «موسكو 2» في شباط المقبل، يتم الاتفاق عليه قريباً. حصيلة أربعة أيام من المشاورات بين المعارضة السورية أولاً، ثم بين المعارضين والوفد الحكومي السوري.
وقال مسؤول سوري من المعارضة إن الحصيلة الفعلية قد تتجسّد في التوافق على نقطتين أساسيتين تضمنان استمرار الحوار في موسكو، إذ بعد عودة رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري من مشاورات هاتفية مع دمشق، بعد ظهر أمس، رفض تسلّم لائحة بأسماء المعتقلين الذين تطالب المعارضة بالإفراج عنهم كبادرة حسن نية، قدمها المعارض ابجر ملول، واقترح تسليمها إلى الوسيط فيتالي ناومكين، ليقوم هو بتسليمها إلى الجانب السوري.
وتم الاتفاق بعدها على مواصلة المشاورات في موسكو، وعلى تحويل الوسيط الروسي إلى مستودع لكل الملفات الإنسانية، وتفويضه البحث بها، من المعتقلين إلى قضايا الإغاثة، فالهدنات. وكان وفد الحكومة السورية قد رفض تشكيل أي لجان متابعة في الملف الإنساني، سواء في ما يتعلق بملف المعتقلين أو الإمدادات الغذائية أو قضايا الهدن والمصالحات.
ويكرس الاتفاق على إيكال الروس إدارة تلك الملفات، خطوة أولى ومتواضعة نحو البدء بتنفيذ ما يمكن تنفيذه من إجراءات بناء الثقة، وخريطة الطريق التي تحدث عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمام المتحاورين في اليومين الماضيين، واعتبار الملف الإنساني مقدمة لأي حل سياسي، بالتفاهم مع دمشق.
وطلب معارضون خلال لقاءات مع الوسيط الروسي الاستعجال بتوسيع نطاق النقاش، ودعوة الإيرانيين والمصريين إلى «موسكو 2»، لزيادة فرص نجاح الحوار، عبر إشراك دول قادرة على ممارسة ضغوط على دمشق، وتسهيل الحل وتقديم ضمانات.
وقال معارض إن الروس ابلغونا انه من المبكر جدا دعوة الإيرانيين والمصريين معاً، بسبب حساسية كبيرة لا يزال يبديها المصريون للعمل مع الإيرانيين. وأشار إلى أن لقاء سريعاً جمعهم مع رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي اكبر ولايتي، طلبوا خلاله حضوراً إيرانياً في الجلسة المقبلة في موسكو. وبدا مفاجئاً توجيه الدعوة مجددا إلى الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا للمشاركة في «موسكو 2»، خصوصا انه لم يكن حاضراً، ولا ممثلاً في الأيام الأربعة الماضية، كما انه لن يتخذ أي قرار من دون ضوء اخضر أميركي.
وعهد إلى مدير الحوار المستعرب فيتالي ناومكين عرض حصيلة الأيام السورية الأربعة، في دار الضيافة التابع لوزارة الخارجية الروسية، فيما غابت المعارضة السورية عن مؤتمرات صحافية معهودة بعد كل حدث حواري مشابه.
واتهم معارضون السلطات الروسية بعرقلة حجز قاعة مخصصة للمؤتمرات الصحافية في الفندق الذي انزل فيه المعارضون. وانفرد الجعفري، رئيس الوفد الحكومي، بالكاميرات والإقبال الإعلامي في قاعة السفارة السورية .
ولم تكن مهمة الروسي، الذي أدار خلوة الحوار السوري، يسيرة لشرح غياب بيان تفصيلي أو نهائي عن «موسكو 1»، رغم انه لا يمكن إطلاق حكم قيمي بالنجاح أو الفشل على اجتماع حواري. كما أن الجهة الراعية غير مجبرة، ديبلوماسيا، على إصدار أي بيان نهائي. وقال ناومكين انه لم يكن مقدراً لاجتماع تشاوري، وليس تفاوضيا، أن يفصل نزاعاً دامياً يدور منذ أربعة أعوام، في أربعة أيام.
وهو حوار أتى بحصيلة أولية، من نداء إلى المجتمع الدولي من أربع نقاط مريحة يتلاقى حولها السوريون، للمرة الأولى في سطور موحدة، كانت لتبدو بديهية قبل أربعة أعوام من الحرب.
ويدعو «نداء موسكو» إلى تسريع وتيرة المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق السورية، ورفع أو تخفيف العقوبات الدولية، ويدين الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وسوريا، والتدخل الأجنبي فيها.
وتداعت إلى السجال «مبادئ موسكو» بنقاطها التسع، والتي رشحتها موسكو ودمشق لتصبح مساء أمس، لو وافقت المعارضة، أولى الوريقات السياسية الجامعة للحوار، قبل أن تسقط قبيل انطفاء الأضواء. وفي السجال نص «مبدأين» اقترحهما الحكوميون وصاغهما الروس على ما قال ناومكين. أولهما في تقديمه لورقة المبادئ كلها أساساً لحوار سياسي سوري، وهو ما عنى للمعارضين، من أكراد و «تنسيقيين» ومستقلين، دفناً في موسكو لبيان جنيف الذي تعتبره المعارضة أساس أي حل، والذي لا تنكره موسكو نفسها.
أما موضع السجال المعارض الثاني، فذاك الذي يذيل الورقة الروسية، بنص يخرج كل القوات الأجنبية من سوريا، إلا ما شاءت حكومتها. ومن نافل القول إن قراءة المعارضة وجدت فيه فخاً يشرعن بقاء «حزب الله» في سوريا ويجرم الآخرين. لكن ناومكين قال بأنها أضيفت دون إثارة غضب الطرف الأخر و «أخذنا بالاعتبار الحد الأدنى من المطالب، وتأييد 90 في المئة لها من خارج الحوار، لكننا لم ندخل في نقاشات طويلة حول الورقة لأننا لسنا في لقاء تفاوضي». أما الجعفري فشرح للصحافيين أن «بعض المعارضين، اعترض بصفة شخصية على مبادئ موسكو في اللحظة الأخيرة، تحت ذرائع غير مقنعة».
ولكن موسكو ستستمر. إذ تفادى بيان صدر عن «هيئة التنسيق»، القطيعة مع الروس للحفاظ على العملية الحوارية، وتجنب توجيه اتهام مباشر لهم بالانحياز إلى الحكوميين. بل وعبر البيان عن تأييده لمعظم ما جاء في المبادئ، من مكافحة الإرهاب، والحل السياسي، والحفاظ على الجيش رمزاً وطنياً، ورفض التدخل الخارجي، لكنه قال إن «موقفنا بعدم المصادقة على ورقة مبادئ نرى فيها غموضاً غير مقبول بموضوع المرجعيات وانحيازا إلى حد ما لوجهة نظر السلطة، وتبتعد عن ثوابت الشرعية الدولية ومطالب السوريين المشروعة بالانتقال الديموقراطي الشامل». وذهب الأمين العام للهيئة هيثم مناع إلى القول إن الطرف الروسي «لم يعد وسيطا مقبولا».
والحال أن تنوع المعارضة في موسكو، ودعوة شخصيات تقترب من الحكومة أكثر مما تقاسم المعارضة مواقفها، قد أدى إلى تمييع الحوار في القضايا الخلافية الحقيقية، وخلق سجالاً في مقاعد المعارضين أنفسهم، فضلا عن افتقادهم لرؤية موحدة، لم يعوض عنها حتى الآن لقاء القاهرة الذي عقدته أطراف المعارضة مؤخراً، وتأجيل التوصل فيه إلى برنامج عمل مشترك حتى نيسان المقبل، دفع بشار الجعفري إلى القول «إننا لم نحاور معارضة واحدة، وإنما معارضات، وان الخلافات كانت كثيرة». وكرر إستراتيجية دمشق في موسكو، واعتبارها مجرد محطة لتبادل الآراء والأفكار والتحاور «لكن الحوار السوري - السوري الحقيقي، سيكون في دمشق» من دون أي تدخل خارجي.
ورغم أن النقاش انتقل بسرعة إلى تنظيم «موسكو 2»، لتأكيد استمرار العملية التشاورية، إلا أن أفضل حصيلة للاجتماع هي انه قد عقد، وان الجليد قد انكسر بين بعض المعارضة السورية والحكومة، على ما قاله ديبلوماسي سوري. وابعد من الرمز، لم يكن متوقعا بأي حال أن تحصل اختراقات كبيرة، بعد عام من جنيف، فضلاً عن أن النتائج تتناسب مع السقف الذي حدده الروس منذ البداية، والأهداف الموضوعة له: إجلاس المعارضة والحكومة في قاعة واحدة لحوار مباشر من دون وسطاء.