افراسيانت - بعد أكثر من سنة على المفاوضات السياسية بين الفرقاء الليبيين برعاية أممية، مازال المشهد السياسي الليبي يتسم بالكثير من الغموض وسط مخاوف من تعمق الانقسام.
وتتضارب تصريحات أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بخصوص مصير القائد العام للجيش الليبي، الفريق خليفة حفتر، إلا أن البيانات الأخيرة للمجلس الرئاسي تعكس توجهه نحو استبعاده.
وفي حين تصر الأطراف المحسوبة على تيار الإسلام السياسي داخل المجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاق الصخيرات على استبعاد حفتر من المشهد السياسي يبدو موقف كل من موسى الكوني وفتحي المجبري أقل إصرارا على هذا الأمر.
وفي تصريح لصحيفة “الأهرام المصرية”، قال نائب رئيس حكومة الوفاق المقرب من التيار الإسلامي، أحمد امعيتيق، “على المجلس الرئاسي اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة”، في إشارة إلى استبعاد حفتر من المشهد السياسي.
وأضاف أن “المؤسسة العسكرية لا يجب أن تبنى على أفراد، كل مَن يُقدم من أجل ليبيا، لا أعتقد أنه ينتظر مقابلا. نحن نريد بناء مؤسسات في ليبيا، وهذا سيمر بمجموعة من المراحل الصعبة”.
من جانبه قال رئيس مجلس الدولة، عبدالرحمن السويحلي، المحسوب على تيار الإخوان المسلمين في إشارة إلى مجلس النواب الذي يرفض منح الثقة لحكومة الوفاق قبل تعديل المادة الثامنة المتعلقة بالمناصب السيادية، إن “هناك ضغوطا تُمارس لعرقلة تطبيق الاتفاق السياسي من قبل بعض الأطراف التي تسعى لتحقيق مصالح سياسية ضيقة، ولا يهمها ما يمر به الوطن من دماء تُسفك وأطراف تُبتر ودموع تذرف”.
ويصر مجلس النواب على ضرورة إسقاط المادة الثامنة من الاتفاق السياسي الذي يقر بتحول كل المناصب السيادية في البلاد إلى المجلس الرئاسي الذي يتولى في ما بعد توزيع هذه المناصب، الأمر الذي يعتبره رافضو الاتفاق داخل البرلمان يستهدف بالأساس القائد العام للجيش الليبي الفريق أول خليفة حفتر.
في المقابل، يرفض أعضاء الحوار، المحسوبون على التيار الإسلامي، إعادة فتح الاتفاق من جديد، معتبرين أن العودة لفتح المسودة من جديد التفاف على الاتفاق السياسي الموقع في 17 من ديسمبر الماضي في مدينة الصخيرات المغربية.
سعي المجلس الرئاسي لاستبعاد حفتر هدفه تمكين الإخوان من السيطرة على البلاد
ولئن تعكس تصريحات الإسلاميين تمسكهم بضرورة استبعاد حفتر من المشهد السياسي، إلا أن تصريحات النائب عن الجنوب، فتحي المجبري، الأخيرة ألمحت إلى وجود نية في الإبقاء عليه على رأس المؤسسة العسكرية.
وقال المجبري، في تصريحات صحافية، عقب استهداف الجماعات الإرهابية لمركز بنغازي الطبي، إن “المجلس الرئاسي سيتواصل مع القيادة العامة للجيش المتمثلة في الفريق أول ركن خليفة حفتر من أجل تنسيق الجهود ووضع أولويات لتأمين مدينة بنغازي بشكل كامل”.
واعتبر مراقبون أن هذا التصريح يحمل في طياته موقف المجبري المؤيد لبقاء حفتر على رأس المؤسسة العسكرية، لكن هذا الموقف لا وزن له خاصة وأن قرارات المجلس الرئاسي تؤخذ بالأغلبية إذا فشل الإجماع وفقا للاتفاق السياسي.
ويحظى القائد العام للجيش الليبي، خليفة حفتر، بدعم قوي داخل ليبيا خاصة في الجهة الشرقية وتحديدا في مدينة بنغازي التي استعاد جزءا كبيرا منها من قبضة الإرهابيين بعد سنتين على إطلاق عملية الكرامة. وشهدت المدينة احتجاجات متتالية ضد الاتفاق السياسي الذي اعتبروه لا يقدم ضمانات لمؤسسة الجيش الوطني. ويرى مؤيدون لحفتر أن سعي المجلس الرئاسي لاستبعاد حفتر يصب في خانة إفراغ الساحة السياسية حتى يتسنى للإخوان المسلمين السيطرة على البلاد، خاصة وأن الاتفاق السياسي أبقى على عدد من الشخصيات الجدلية في المشهد على غرار عبدالرحمان السويحلي الذي تولى منصب المجلس الأعلى للدولة.
وتحدثت مصادر إعلامية، الفترة الماضية، عن وجود مساع مصرية سعودية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين. وزار مؤخرا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مصر لينتقل بعدها إلى المملكة العربية السعودية في مسعى لإيجاد صغة توافقية جديدة ترضي جميع الأطراف وتضمن بقاء الجيش الليبي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر. ولا يلوح حتى اللحظة أي أفق لحلحلة الجمود الحاصل في تطبيق الاتفاق السياسي، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لحفتر التي أعلن فيها رفض الجيش الالتحاق بالمجلس الرئاسي قبل إخراج الميليشيات الإسلامية المتحالف معها.
وقام المجلس الرئاسي عقب دخوله العاصمة طرابلس أواخر الشهر الماضي بإدماج الميليشيات المسلحة داخل مؤسستي الجيش والشرطة الأمر الذي أثار حفيظة رافضي هذه الميليشيات.
ويرى مراقبون أن الأمم المتحدة فشلت في تحقيق التوافق المنشود، ذلك أن تركيبة المجلس الرئاسي حاليا تضم في غالبيتها موالين للتيار الإسلامي خاصة في ظل انسحاب علي القطراني وعمر الأسود، بالإضافة إلى تشكيل “الحرس الرئاسي” من مقاتلي مجلس مصراتة الذين كانوا جزءا مما عرف بتحالف فجر ليبيا، الأمر الذي يشير إلى بقاء الوضع على ما هو عليه من الانقسام.
ولا يبدو الغرب مهتما كثيرا لبقاء حفتر من عدمه على رأس المؤسسة العسكرية، لكنه في المقابل يضغط على مجلس النواب حتى يمنح الثقة لحكومة الوفاق التي يرى مراقبون أنها ستمنحه التفويض لشن عمليات عسكرية لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين في اتجاه أوروبا، وكذلك لوضع حد لتنظيم داعش الذي بات يثير مخاوفهم بعد تمدده في عدة مناطق بالبلاد.