يافا - افراسيانت - من محمد ابو خضير - حالة من الغليان تسود مدينة يافا منذ ايام مضت بعد ان عادت شركات إسرائيلية استثمارية لرفع دعوتين قضائيتين تطالبان بمنع المسلمين من دفن موتاهم في مقبرة طاسو بالمدينة ، وطالبت بدفع 15 مليون شيكل لإستعمالهم جزء من المقبرة لمدة 44 عاماً، التي تزعم هذه الشركات انها اشترت نصف ارض المقبرة من لجنة معينة من وزارة المالية الإسرائيلية في العام 1973، علماً ان الارض وقف إسلامي لا تباع.
وقال عضو المجلس البلدي السابق أحمد مشهراوي ل"القدس" : "نحن فوجئنا بتقديم دعوتين من شركة استثمار يهودية ضخمة مكونة من 3 شركاء، تقدم بهما المستثمرون اليهود الأسبوع الماضي إلى المحكمة المركزية في تل أبيب"، مؤكداً ان اهالي يافا شكلوا لجنة جماهيرية تضم كافة ابناء المدينة العربية للتصدي لأي مس او انتهاك بحق مقبرة طاسو او اي عقارات او اوقاف إسلامية في المدينة.
بدوره دعا القاضي البروفيسور احمد الناطور خلال حديث خاص ب"القدس" ، الى اقامة لجنة قطرية دائمة للدفاع عن المقدسات الإسلامية في فلسطين كافة تكون قادرة على نقل المعاناة والتصدي للمخططات الاسرائيلية بالنضال الجماهيري المشروع والحفاظ على المقبرة وسائر المقدسات الإسلامية في الداخل الفلسطيني .
وتنص الدعوتان الإسرائيليتان على ما يلي:
1- مطالبة لجنة الأمناء الإسلامية ومسلمي يافا بدفع مبلغ 15.508.281 مليون شيكل أجرة استعمال نصف أرض المقبرة على مدى 44 سنة.
2- مطالبة المسلمين برفع ايديهم عن نصف المقبرة وإزالة القبور من القسيمة المذكورة .
3- مطالبة بلدية تل أبيب -يافا بمعاقبة كل من يدفن موتاه بالقسيمة المذكورة.
4- مطالبة لجنة الأمناء ووزارة المالية بالعمل الفوري على إخلاء القسيمة .
5- مطالبة المستشار القضائي الحكومي بأمر النيابة العامة، العمل الفوري ضد لجنة الامناء على مخالفتها للقانون.
6- مطالبة وزارة الصحة بمنع المسلمين من دفن موتاهم في القسيمة المذكورة"في طاسو".
7- مطالبة وزارة الداخلية "قسم الأديان غير اليهودية" بمواصلة الاجراءات القانونية لمنع دفن الاموات في القسيمة المذكورة.
ولفت مشهراوي الى ان اتفاقية بيع ٤٠ دونما من اراضي مقبرة طاسو بيافا والتي تمت على مرحلتين عامي 1973 - 1977 باطلة من لجنة معينة من قبل السلطات الإسرائيلية .
يشار إلى أن مقبرة طاسو هي المقبرة الوحيدة التي تخدم المسلمين في مدينة يافا ومساحتها الكاملة 80 دونماً .
نضالات شعبية ...
ولفت المشهراوي إلى ان مدينة يافا تخوض في هذه الأيام نضالات شعبية كبرى للتصدي للمحاولات الإسرائيلية للمس بمقبرة "طاسو"، كونها المقبرة الإسلامية الوحيدة، وتجريفها تمهيداً لبناء أبراج تجارية عليها، وكذلك سكان المدينة العرب يتعرضون لمحنة كبيرة باستهداف المقبرة الوحيدة واستهداف للصيادين في يافا ومينائها القديمة قدم التاريخ، باستهداف الصيادين في مصدر رزقهم الوحيد حيث يتعرضون للعديد من المضايقات في الفترة الاخيرة.
واشار مشهرواي الى انه لا يعقل خلال مداولات في 3 مذكرات استئناف للمحكمة العليا الإسرائيلية يجري المصادقة على صفقة واضح انها فاسدة ونتيجة عمل غير قانوني. وتساءل :كيف يجري هذا في دولة تدعي الديمقراطية ان تسمح لنفسها بهذه العملية الباطلة ؟، وللمقارنة لو كان الوضع معاكسا وقامت مجموعة عربية فلسطينية واشترت نصف مقبرة "اليركون "التي هي في وسط مدينة ، هل "العليا" الإسرائيلية ستصادق على مثل هذه الاتفاقية وتأمر بتجريف قبور اليهود ؟! الرد معروف .
واكد مشهرواي ان أهالي يافا اليوم يدركون هذه المؤامرة وهذا الاستهداف لوجودهم ولأوقافهم ومقبرتهم الوحيدة ، وقال ان المئات من أهالي يافا على استعداد للاستشهاد دفاعاً عن هذه المقبرة ومن فيها من الاموات .
ودعا مشهراوي السلطات الإسرائيلية الى ان لا تغامر وتجرب المساس بالمقبرة لان في ذلك مس خطير لكرامة وقدسية آلاف الموتى والاحياء في يافا وخارجها "وأهالي المدينة لن يقفوا مكتوفي الايدي وهم يرون الجرافات تقتلع وتدوس امواتهم ."
وقال ان الحل معروف ومن عين لجنة امناء هي دولة إسرائيل والذي "حرر ارض المقبرة من الوقف لتتم صفقة البيع هي دولة إسرائيل ،وهذه الصفقة تمت بسرية وفي اجواء تعتيم شاملة لتمريرها على اهالي يافا،من قبل شخصيات مرتبطة بهذه الدولة "،مؤكداً ان الاهالي لن يقفوا ولن يصمتوا على هذه المؤامرة ".
بدوره قال قاضي محكمة الاستئناف السابق البروفيسور أحمد ناطور ل"القدس"، ان تقديم جهات إسرائيلية دعوى الى محاكمهم تطالب بإخلاء مقبر طاسو من القبور الإسلامية وتسليمها ارضها المقدسة انما هو مغالاة في السقوط الذي بلغته هذه المؤسسات في الانحدار والتدهور الاخلاقي، مستهجناً صمت العالم على هذه الانتهاكات الإسرائيلية .
واضاف الناطور :"ان إسرائيل أجهزت على الاارضي العربية في البلاد كافة ولم تراع فينا إلاً ولا ذمة حتى انها لم توفر مسجداً او مقبرة ، مع انها تملؤ الفضاء صراخاً إذا سقط حجر من قبر أو كتب شيء على جدار مقبرة في جزيرة منسية في اخر الدنيا فيرجف العالم دون توقف. "
طرق ملتوية للسيطرة ...
واوضح :"ان إسرائيل استهدفت منذ البدء هذه المقدسات وسيطرت عليها وقد استخدمت في سبيل ذلك كل السبل الملتوية لتحقيق أهدافها ، فحرثت المقابر وهدمت وأغلقت المساجد والعالم ينظر دون ان يرى وينصت دون ان يسمع، وانا لا ارجو خيراً من الجهاز القضائي الإسرائيلي ولدينا تجربة مرة معه، خاصة عندما يتعلق الامر بالاراضي والاوقاف العربية مع انها مقابر مقدسة ووقف إسلامي".
واكد القاضى الناطور ان السبيل الوحيد لقطع الطريق على هذه المخططات الشيطانية انما هي بالنضال الجماهيري المشروع ، وقال ان قضية مقابر يافا ليست محلية تخص أهل المدينة فقط، وانما تخص العرب والمسلمين عامة والدفاع عن حرمتها هو فرض عين على كل عربي ومسلم مكلف في البلاد وخارجها".
واضاف :"ان مقبرة طاسو كغيرها من مقابر فلسطين بنفس الحرمة والكرامة الى ان تقوم الساعة ، وحرمتها دائمة لا تزول ولا تزال مهما جهدوا في استصدار القرارات والاوامر" .
دعوة لاقامة لجنة دفاع دائمة ...
ودعا القاضي الناطور الى اقامة لجنة قطرية دائمة للدفاع عن المقدسات الإسلامية في فلسطين كافة، تكون قادرة على نقل المعاناة، ووقف هذا الظلم الغاشم من قبل كل صاحب ضمير في العالم اجمع وتدافع عن هذه المقبرة في هذا الوقت العصيب ".
واكد القاضي الناطور ان مقبرة طاسو هي المقبرة الوحيدة التي يقبر فيها كل سكان يافا لان سائر المقابر الاخرى اغلقت،اما التي في القرى المحيطة ليافا فقد تم الاستيلاء عليها منذ عقود من قبل الاجهزة الإسرائيلية المختلفة .
حملة شاملة ...
وقال ان المحاولات الإسرائيلية للإستيلاء على مقبرة طاسو هي ضمن حملة شاملة على المقابر والاوقاف الإسلامية والوجود العربي في المدينة العريقة، وليست اول مرة يجري الاعتداء على المقدسات الإسلامية بشكل عام في يافا وفلسطين من الجليل الى النقب حتى ايلات ، ولكن في يافا هناك عملية مكثفة في السنوات الاخيرة تشمل الاعتداء على المقابر وقد جرى تدمير العديد منها.
واضاف ان السلطات الاسرائيلية في هذه المرة تحاول استهداف المقبرة الوحيدة المتبقية للمسلمين والاستيلاء عليها، مؤكداً انهم لن يتمكنوا لان الامر لم يعد يتعلق بأملاك عادية بل بمكان مقدس ومقبرة تضم رفات أهل المدينة وذويهم الذين مازالوا في اراضيهم، وحرمة هذه المقبر قائم الى يوم القيامة.
على قلب رجل واحد ....
واكد ان سكان المدينة على قلب رجل واحد لن يقبولوا مسلمين وغير مسلمين بهذه المصيبة، والاعتداء على القبور ،لان الميت المسلم كسائر اموات الناس في هذا العالم له حرمة ومكانة وكرامة يجب احترامها، وهو مودع بين يدي الله الى قيام الساعة.
واشار القاضي الشرعي الناطور ،الى ان السلطات الاسرائيلية والشركات التابعة لها ، تصر طالما لا ترى رد فعل جماهيري قوي على هذه الاعتداءات، وقال : انهم يعتقدوا بان الامر هين وسهل، والواقع غير ذلك، ومن حيث المقارنة أي اقتراب من مقبرة يهودية تقوم الدنيا ولا تقعد ... لا سامية وغير ذلك من الخطابات، ولكن عندما يتعلق الامر بمقابر المسلمين الامثلة كثيرة في الاعتداء عليها وتجريفها وخير دليل ما حل بمقبرة "مأمن الله" في القدس التي تم تقطيعها كفندق وحديقة واخر هذه الانتهاكات إقامة متحف يسمى ب"متحف التسامح" بكل وقاحة واستهزاء، وغيرها من المقابر والمساجد التي هدمت وحولت الى متاحف ومساكن او تم إغلاقها في طول البلاد وعرضها.
وقال الناطور:" انه منذ العام ١٩٨٧ عندما كنت قاضياً في يافا، أصدرنا فتوى بان المقابر هي وقف له حرمة مؤبدة، وانه لا يجوز استخدام ارض المقبرة إلا للدفن وحرمتها قائمة حتى قيام الساعة ، واي فتوى اخرى غير جائزة ، وهذه الفتوى القائمة منذ العام ١٩٨٧حتى يومنا هذا، وقد صدر مرسوم قضائي في المحاكم الشرعية رقم 1، عام 1994، الذي رسخ هذه الفتوى وشدد على عدم جواز القبول باي فتوى اخرى ولا يجوز استخدام ارض المقبرة لاي غرض دنيوي اخر.
زبدة: المقبرة لم تسلم من المؤامرات ....
اما قاضي محكمة يافا الشرعية محمد رشيد زبدة فقال :ان مقبرة طاسو الاسلامية لم تسلم من مؤمرات البيع ومحاولات الاستيلاء كمثيلتها من المقابر الاسلامية، امثال مقبرة "عبد النبي" شمال يافا وعلى عظام موتاها اقيم فندق هيلتون وحديقة عامة وموقف سيارات لسفارة بريطانية ومقبرتي اجليل الشرقية واجليل الغربية "مباني وعمارات في هرتسليا" ومقبرة الشيخ مونس "مواقف لسيارات جامعة تل ابيب ومباني حكومية؛ ومقبرتي قرية سلمة "مباني سكنية" وغيرها الكثير من المقابر الاسلامية في شتى انحاء البلاد.
واوضح ان الله تعالى كشف للمسلمين امر هذه المؤامرة فهبوا لمنع تنفيذ هذه الصفقة بكل ما اوتوا من قوة وهمة، على الصعيدين الشعبي والقضائي فتقدموا بالدعاوى القضائية وبنوا الاسوار حول ارض المقبرة وخرجوا بتظاهرات محلية وقطرية وابوا إلا ان يدفنوا موتاهم في الجزء الذي تعرض للبيع إجهاضاً لصفقة البيع المشؤومة .
وشدد القاضي زبدة على ان حرمة الميت كحرمة الحي وان قبر المسلم الميت بيته ولا يملك احدا مهما كانت قوته وسلطته اخراجه منه وهذا ما اكده ديننا الحنيف في القرآن والسنة، وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية في ذلك:" فإن قبر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة, اذ هو بيت المسلم الميت فلا يوطأ ولا يُداس ولا يتكأ عليه". وعليه فإن المسلمين في يافا وفي شتى انحاء البلاد مطالبون بالدفاع عن مقبرتهم وعن قبور موتاهم بكل ما اوتوا من قوة وهمة ونضال، وليعلموا ان هذا الامر هو واجب ديني وان من يتخاذل في ذلك فهو اّثم.