سياسة رفع الرسوم الجمركية والردّة الجديدة على آدم سميث

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - إبراهيم علوش - انخفاض سعر الدولار، والنفط، هو الأثر المطلوب من سياسة رفع الرسوم الجمركية، وليس علامةً على انهيارات في الاقتصاد الأميركي. 


على هامش حملات رفع الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس ترامب، تهز عاصفة هوجاء أركان كليات الاقتصاد في الجامعات الغربية.  فما كاد أنصار المدرسة النيوكلاسيكية في علم الاقتصاد، الرافضة بشدة للتدخل الحكومي في الاقتصاد، ومنه التجارة الخارجية، يظنون أنهم أحكموا قبضاتهم على توجهات الفكر الاقتصادي عالمياً، حتى فاجأتهم تدخلات ترامب الفظة، من وجهة نظرهم، في التجارة الدولية، وصدحت معها أصوات جديدة تنسف نظرياتهم نسفاً، ومعها "احتكار الخبرة" الذي فرضوه على العالم بقوة نماذجهم الرياضية المعقدة.


كان أبو المدرسة الكلاسيكية في علم الاقتصاد، آدم سميث، واضع الكتب الخمسة التي تكوّن "ثروة الأمم" (1776)، رداً على الفكر التجاري (المركنتيلية) الذي حكم الدول المركزية في القرن الـ 18 عندما كانت ما تزال في طور بناء مؤسساتها وجيوشها.  تجلى ذلك، على وجه الخصوص، في الكتاب الرابع من "ثروة الأمم"، الذي شن فيه سميث حملة ضارية على:


أ – فرض رسوم جمركية لحماية الصناعة المحلية.


ب – سعي الأمم لمراكمة المعادن الثمينة كالذهب والفضة، من خلال التصدير أكثر من الاستيراد.


كان الكتاب الرابع في "ثروة الأمم" أيضاً هو الذي ظهر فيه تعبير "اليد الخفية" للإشارة إلى دور السوق الحرة في تعظيم ثروة الأمم من تلقاء ذاتها، من دون أي تدخل حكومي في الاقتصاد.


ويستند علم الاقتصاد، منذ سميث واقتصادي كلاسيكي آخر هو ديفيد ريكاردو، مطور نظرية الميزة النسبية سنة 1817، إلى "بديهية" صاغها سميث، وهي أن اقتصادات الأمم تنمو، أكثر ما تنمو، عندما يُطلق العنان للتجارة الحرة وعندما تكف الدول عن محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي واللحاق بغيرها، لتتجه، عوضاً عن ذلك، نحو التجارة والتخصص فقط في تلك السلع والخدمات التي تستطيع أن تنتجها بصورة أكثر كفاءةً من غيرها، بصورة نسبية مطلقة أو نسبية.


وهي الفكرة الجوهرية التي أعيد إحياؤها بقوة في عصر العولمة في سياق اندياح الشركات متعدية الحدود عبر كوكب الأرض، ونفض آثار التدخل الحكومي في الاقتصاد.    


العبرة أن ما اصطدم به ترامب ليس أقل من "لاهوت مقدس" في علم التجارة الدولية منذ آدم سميث. والحقيقة أن حرب الرسوم الجمركية التي يشنها ترامب لا تصطدم بقوى العولمة في أحياز الأعمال والسياسة والمحاكم والإعلام فحسب، بل بتراثٍ غنيٍ جداً من النظريات الكلاسيكية والنيوكلاسيكية، تمتد جذوره قروناً  إلى الخلف في الأكاديميا الغربية، وهي نظريات فرضت ذاتها أيضاً مرجعيةً للمؤسسات الاقتصادية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي IMF.  ويا لخيبة من التحقوا بركب "تحرير الاقتصاد من التدخل الحكومي" متأخرين!   


يخوض ترامب حرب الرسوم الجمركية على تلك الجبهة الثانية، النظرية والفكرية، برأسي حربة، يتمثلان برجلين، أحدهما أشهر من الآخر في الإعلام، واسمه بيتر نافارو، وصفته الرسمية حالياً "المستشار الأول للرئيس لشؤون التجارة والتصنيع".  


أما الرجل الثاني فأقل شهرةً وأبلغ أثراً في صنع السياسات الاقتصادية، واسمه ستِفان ميران، وصفته الرسمية حالياً "رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين"، وهو مجلس يتبع مباشرة لمكتب رئيس الولايات المتحدة منذ تأسس سنة 1946.


كلا الرجلين يحمل شهادة دكتوراة في علم الاقتصاد من جامعة هارفرد، وهي من جامعات نخبة النخبة (مدارس رابطة اللبلاب Ivy League Schools).  لكن نافارو، أكبر سناً، ظهوره الإعلامي أكثر كثافةً، وسبق أن وضع أكثر من 12 كتاباً، نشر أولها عندما كان طالباً للدكتوراة سنة 1984، ومن بين كتبه عناوين مثل "حروب الصين المقبلة" (2006)، و"الموت بيد الصين" (2011).  وهو من غلاة المعادين للصين. 


عمل بيتر نافارو أستاذاً جامعياً في ولاية كاليفورنيا أكثر من عقدين، وترشح للانتخابات المحلية مراراً هناك، من دون أن يحالفه الحظ.  وفي حملة ترامب الانتخابية الأولى سنة 2016، أصبح نافارو مستشاره الاقتصادي، داعياً إلى تطبيق سياسات حمائية وانعزالية. وكان من استقطبه إلى ذلك المنصب هو صهر ترامب، جاريد كوشنر، بحسب ما تداولته وسائل الإعلام.


أما ستِفان ميران، الأصغر سناً من نافارو، فالمعلومات عنه شحيحة في الإنترنت، سوى أنه نال شهادة الدكتوراة من جامعة هارفرد سنة 2010، وأنه مخطط استراتيجي أعلى في صندوق تحوط اسمه Hudson Bay Capital، يدير رؤوس أموال بقيمة 31 مليار دولار فقط، وهو صندوق أميركي له عدة مقرات عالمية منها دبي. 


يقود ذلك الصندوق صهيونيان معروفان هما ساندر غِربر، والذي يُنسب إليه "فضل" إطلاق حملة إيقاف رواتب عائلات الشهداء، سنة 2017، من طرف السلطة الفلسطينية، ويوآف روث، وتجدون اسمه مباشرةً تحت اسم شريكه غِربر على رأس عريضة روّج الإثنان لها، وطلبا من مديري صناديق الاستثمار الكبرى توقيعها، يدعوان فيها إلى مناهضة "معاداة السامية"، ودعم الكيان الصهيوني و"حقه" في الدفاع عن نفسه ضد حماس، وضد كل الناس (هكذا حرفياً!) والدول والمنظمات التي تهدد "دولة إسرائيل" و"الشعب اليهودي".  


يرتبط ستِفان ميران، المخطط الاستراتيجي الأول لهذين الاثنين في شركتهما، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في مكتب ترامب حالياً، بمركز أبحاث مرموق لصقور المحافظين أيضاً اسمه "معهد مانهاتن"، بصفة زميل مساعد، كما تدل المعلومات المحدودة المتوافرة عن سيرته الذاتية.  


وكان وليم كايسي، الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في عهد رونالد ريغان، ورجل الأعمال البريطاني، أنتوني فيشر، مؤسسَي "معهد مانهاتن" سنة 1978.  ويُذكر أن فيشر، المولود سنة 1915، قُتل أبوه في غزة في الحرب العالمية الأولى عندما كان في الثانية من عمره.  ويعد فيشر متطرفاً في نزعته النيوليبرالية اقتصادياً، وكان من أكبر مؤسسي مراكز الأبحاث والجمعيات عالمياً. 


المهم أن ستفان ميران، رجل الاستثمارات المالية القابع في الظلال عادةً، نشر ورقة من 41 صفحة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، عشية انتخاب دونالد ترامب رئيساً، بلور فيها الأسس النظرية لما أصبح فيما بعد سياسة ترامب في حرب الرسوم الجمركية فعلياً.    


وعلى الرغم من أن ستفان ميران عمل مستشاراً لوزير المالية بين عامي 2020 و2021، في آخر فترة ترامب الأولى، فإنه أصر في ورقته، المنشورة في موقع شركة Hudson Bay Capital بصفته مخططاً استراتيجياً أعلى "سابقاً" فيها، على أنها تمثل آراءه الشخصية فحسب، ولا تمثل الرئيس ترامب، ولا فريقه، ولا الشركة.  


تمثل ورقة ميران رِدةً على كل تراث آدم سميث في نظريات التجارة الدولية، من أقصى اليمين، ومن عقر دار إحدى أهم مؤسسات رأس المال المالي الدولي، عبر الموقع الإلكتروني لصندوق استثماري يدير عشرات مليارات الدولارات من الأصول، ويمثل تجسيداً للوحدة العضوية مع الشبكات اليهودية العالمية على ضفتي الموقف من العولمة.  


لذلك، فإن كل ما يتصل بتلك الورقة يعدّ مفارقة لافتة جداً.  وما كانت ستكون كذلك لو جاء الهجوم على مبادئ التجارة الحرة من اليسار الراديكالي أو دعاة التنمية المستقلة في الجنوب العالمي.   


ولأن ورقة ستفان ميران متماسكة نظرياً، وكاتبَها ضليعٌ في علم الاقتصاد النيوكلاسيكي، ولأن التوصيات الواردة فيها جارٍ تطبيقها حالياً، وخصوصاً بعد أن أصبح واضعها رئيس مكتب المستشارين الاقتصاديين في مكتب ترامب، فإنها شكلت صدمةً حقيقيةً لكليات الاقتصاد في الجامعات الغربية.


تداولت وسائل الإعلام تهجم الملياردير إيلون ماسك، أحد كبار مستشاري ترامب حالياً، على بيتر نافارو، والذي وصفه ماسك بأنه "مغفل"، بحسب أكسيوس في 5/4/2025، بعد هبوط القيمة الرأسمالية لشركة تسلا بقيمة 18 مليار دولار، حتى ذلك التاريخ، بعد موجات الرسوم الجمركية التي شرع ترامب بفرضها، مع العلم أن ماسك يملك أكثر من ثُمن أسهم تلك الشركة. 


لكنّ نافارو يتصدر الدفاع إعلامياً عن رسوم ترامب الجمركية، فهو يخاطب الجمهور، ويسهم في صنع السياسات.  أما ميران في ورقته فيخاطب المختصين، ولا يخفي انطلاقه، في ورقته، من حسابات لا تقتصر على النظرية الاقتصادية، بل تتعداها إلى الأمن القومي، أي إلى السياسة، الأمر الذي يعيد الفكر الاقتصادي إلى مربع الاقتصاد السياسي، بعيداً من البعد الاقتصادي "الصرف".  وهذا يعد نوعاً من "التجديف" في عُرف مدرسة الاقتصاد النيوكلاسيكي.


بدأ التحول من المدرسة الكلاسيكية إلى المدرسة الكلاسيكية الجديدة (النيوكلاسيكية) في علم الاقتصاد بعد نحو قرن من آدم سميث، على يد الاقتصادي ألفرد مارشال.  وكانت من علامات ذلك التحول التركيز على عنصري العرض والطلب في تحديد القيمة، بدلاً من الرؤيا الكلاسيكية القديمة التي ركزت على عنصر العرض جاعلةً العمل البشري أساس القيمة، والتي استلّ كارل ماركس نظرية "فائض القيمة" من صلبها. 


كما أن النيوكلاسيكية جعلت الاقتصاد علماً رياضياً، وغيرت اسمه، بحيث أصبح "علم الاقتصاد" Economics فحسب، بدلاً من مصطلح "الاقتصاد السياسي" Political Economy، والذي اعتمده آدم سميث والاقتصاديون الكلاسيكيون.


ليس هذا تغيراً شكلياً كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل يستند إلى المقولة الأيديولوجية للفكر النيوكلاسيكي: إذا كان الاقتصاد شأناً مختلفاً جداً عن السياسة، وإذا كان لا يجوز للدولة أو الهيئات العامة أن تتدخل فيه، فإن ذلك الحقل الدراسي يفترض أن يختص به علمُ اقتصاد بحت، لا اقتصاد "سياسي".  وعند تناول أي عامل غير اقتصادي من زاوية أثره في الاقتصاد، فإن ذلك يفترض أن يجري بأدوات التحليل الاقتصادي، الرياضية والإحصائية، "المحايدة".


من هنا مثلاً يدرس طلاب مادة التجارة الدولية في الجامعات الأثر السلبي للرسوم الجمركية والعوائق غير الجمركية للتجارة الدولية على "الرفاه الاجتماعي" social welfare، والتي دأبت نظريات التجارة الدولية على إبراز سلبياتها.  


وفي السنوات الجامعية الثالثة أو الرابعة، يفترض بطلاب مادة التجارة الدولية أن يلقَنوا بالتفصيل، باستخدام الرسوم البيانية، الآثار السلبية للعوائق الجمركية وغير الجمركية في التجارة الدولية على أسعار السلع والخدمات ارتفاعاً، وعلى جودتها انخفاضاً، وعلى دور تلك العوائق في تخفيض الإنتاج، وبالتالي العمالة والتوظيف، في القطاع المستهدف، وفي تدهور رفاهية مستهلك السلعة أو الخدمة المستهدفة بتلك العوائق. 


لكنّ حتى باستخدام أدوات التحليل النيوكلاسيكي لأثر الرسوم الجمركية في الاقتصاد، بإمكاننا أن نظهر الآتي:


أ – أن الحالة التي يدفع فيها المستهلك المحلي كل الرسم الجمركي المفروض على المستوردات هي حالة تقتصر على الاقتصادات الصغيرة.  وكلما ازداد حجم الاقتصاد المستورِد، دفع المنتجُ الأجنبي نسبة أكبر من الرسوم الجمركية المفروضة على المستوردات.  فما بالك بالسوق الأميركية والتي تمثل أكبر سوق مستوردات في العالم، بقيمة 3،3 تريليونات دولار سنة 2024؟


ب – أن النسبة التي يدفعها المنتج الأجنبي من الرسوم الجمركية المفروضة على المستوردات إلى السوق الكبيرة تزداد طردياً كلما قلت مرونة عرض المستوردات، أي كلما كان منحنى عرض الواردات أكثر انحداراً، وكذلك كلما كان منحنى الطلب الأميركي على تلك الواردات أكثر مرونة، أي أكثر انبساطاً.  


يعني هذا أن النفط العراقي المصدّر إلى السوق الأميركية مثلاً قد يدفع نسبة أكبر من الرسوم الجمركية الأميركية مقارنةً بما يدفعه المستهلك الأميركي منها لأن بدائل شرائه أميركياً كثيرة، ولأن بدائل بيعه، خارج السوق الأميركية الكبيرة، لدى المنتج العراقي أقل نسبياً.  


يعني هذا أيضاً أن الدولة الكبيرة التي تفرض رسوماً جمركية على مستورداتها يمكن أن تقتص من المنتج الأجنبي عائداً ريعياً كبيراً يفوق الزيادة السعرية التي يدفعها المستهلك المحلي بحيث يكون الأثر على الرفاه العام من جراء الرسوم الجمركية إيجابياً للولايات المتحدة، ولو كان مؤذياً للتجارة الدولية ككل، ولبقية دول العالم.  لذلك، يمكن تسويغ ما يقوم به ترامب حتى بأدوات التحليل النيوكلاسيكية.


في جميع الأحوال، تعاني نظريتا الميزة المطلقة والميزة النسبية، اللتان تستند إليهما فكرة التجارة الحرة، من ثغرة جوهرية هي استنادهما إلى نظرية "العمل أصل القيمة" الكلاسيكية، وهي نظرية لا تأخذ في الحسبان تكاليف الإنتاج الأخرى، مثل المواد الخام ورأس المال إلخ... 


وعندما جرى تجاوز تلك الثغرة في نماذج مثل نظرية "هكشر-أولِن"، فإن ثغرة منهجيةً أخرى تطل برأسها هي عدم أخذ عامل الطلب وأثره في سعر السوق في الحسبان.


أما من منظور الجنوب العالمي، فإن نظرية الميزة النسبية، والتي ينسبها بعض الأبحاث المحكمة إلى آدم سميث، لا ديفيد ريكاردو، تعني تكريس تقسيم دولي للعمل تتخصص الاقتصادات المتقدمة بموجبه في السلع والخدمات الأكثر إنتاجاً للقيمة المضافة، كالتكنولوجياً مثلاً، في حين تتخصص الاقتصادات النامية في إنتاج المواد الخام أو السلع والخدمات المعتمدة على اليد العاملة الرخيصة.


لكن ستفان ميران لا ينطلق من أيٍ مما سبق، بل يقول إن العجز المزمن في الميزان التجاري الأميركي جاء نتيجة ازدياد قيمة الدولار عالمياً بنحو 25% مما كان سيكون عليه لو لم يكن الدولار (وأذونات الخزينة الأميركية) أصلاً مطلوباً لذاته، كمنافس للذهب مثلاً.  


ومن البديهي أن ارتفاع قيمة عملة دولة ما يجعل سلعها وخدماتها خارجياً، ومنها السياحة مثلاً، أعلى كلفةً، الأمر الذي يقلل الطلب عليها.  كما أن ارتفاع قيمة الدولار يجعل الواردات أقل تكلفة بالنسبة إلى الأميركيين.  والنتيجة الواضحة لارتفاع سعر صادرات بلدٍ ما، وانخفاض سعر وارداته، هي عجزٌ مزمنٌ في ميزانه التجاري.


ينبع ذلك العجز، برأي ميران، من "العبء" الذي تحمله الولايات المتحدة، بالنيابة عن العالم، عندما أصبح الدولار الأميركي عملة العالم، من دون أن يغفل ميران فوائد مثل ذلك "العبء" في منح الولايات المتحدة القدرة على أن تستهلك أكثر مما تنتج، وعلى معاقبة الدول التي تخرج عن طوعها سياسياً.


المطلوب إذاً هو جعل بقية دول العالم، الشريكة والحليفة والمنافسة، على حدٍ سواء، تدفع رسوماً مقابل "التضحية" التي تقدمها في مقابل تحملها عبء حماية أمن العالم عسكرياً، وفي مقابل استخدام تلك الدول الدولار الأميركي في احتياطياتها النقدية أو لممارسة التجارة والاستثمار الدوليين. 


يتطلب ذلك، بحسب ميران، أن تدفع تلك الدول رسوماً جمركية على صادراتها إلى السوق الأميركية، من دون أن تجرؤ على الرد بالمثل على الصادرات الأميركية إليها.  كما يتطلب أن تشتري طواعيةً سندات حكومية أميركية طويلة المدى (لمدة 50 أو 100 عام) بدلاً من أذونات الخزينة الأميركية قصيرة الأجل، الأمر الذي يعني اقتراض الحكومة الأميركية من تلك الدول إلى أجل غير مسمى فعلياً.  ويتطلب منها أيضاً القبول بعقد اتفاقات مع الولايات المتحدة ترضى بموجبها، "طواعيةً"، بشراء عملتها المحلية بالدولارات الأميركية كلما انخفض سعرها إزاء الدولار الأميركي، كي لا تراكم فوائض تجارية مع الولايات المتحدة.


وهذا هو معنى "الاتفاقات التجارية" التي يطالب ترامب بعقدها مع دول العالم.  ومن لا يرضى بكل ذلك "طواعيةً"، فإن عليه أن يتحمل غضب الولايات المتحدة، والذي يتمثل، فيما يتمثل به، بفرض رسوم جمركية تصاعدية على صادراته إلى السوق الأميركية تزداد بصورة مركبة 2% شهرياً، إضافةً إلى منظومة العقوبات المألوفة.


ليكن واضحاً أن ترامب وميران لا يرغبان بأن يكف الدولار الأميركي عن أن يكون "عملة العالم"، بل يريدان أن تنخفض قيمته نحو 20% مبدئياً، كي يتحسن الميزان التجاري للولايات المتحدة.  ويريدان أن ينخفض سعر النفط عالمياً لامتصاص جزءٍ من الأثر التضخمي للرسوم الجمركية، ومن هنا السعي لإزالة العوائق القانونية المتعلقة بالبيئة أمام شركات الطاقة تحت شعار Drill, baby drill!           


الفكرة أن انخفاض سعر الدولار، والنفط، هو الأثر المطلوب من سياسة رفع الرسوم الجمركية، وليس علامةً على انهيارات في الاقتصاد الأميركي.


أما الأثر الآخر المطلوب طبعاً، فهو إجبار الشركات الأجنبية على نقل مصانعها إلى الولايات المتحدة، في مقابل تخفيض ضرائب الأرباح عليها إلى حدود دنيا عالمياً إن فعلت.  

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology