افراسيانت - جاسم محمد* - خضعت المواقف الأميركية تجاه الملف السوري والمعارضة المسلحة تحديدا منذ بداية الأزمة إلى التعديل المستمر، ما حال من جهة دون نجاحها في بلورة حلول عملية ورؤية واضحة يمكن اعتمادها على المديين المتوسط والطويل، وأسهم في إرباك عمل المعارضة السورية التي تأثرت إلى حد كبير بتفاعلات السياسة المتذبذة لواشنطن من جهة أخرى.
وقد عرفت الأزمة السورية جملة من المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية أكثر من مرة، كان لها تأثيرها الكبير على مجريات الأحداث عموما وعلى مختلف الأطراف المنخرطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الملف السوري.
وكانت المعارضة السورية المسلحة أكثر الأطراف التي طالتها تأثيرات هذه التغيرات، فالولايات المتحدة خذلت المعارضة المسلحة أكثر من مرة، وربما كان ذلك وراء فقدان الثقة بينهما، رغم تبنيها في الفترة الأخيرة مشروع “قوات سوريا الديمقراطية”.
كما لم تنجح إلى اليوم المؤتمرات المتتالية والاجتماعات التي عقدت برعاية أممية بغرض إيجاد حلول سياسية وسلمية للأزمة لعدة أسباب أهمها عدم الاتفاق حول دور النظام السوري في المراحل القادمة.
وستكون مختلف أطياف المعارضة السورية على موعد مع مهمة صعبة في المؤتمر المقرر، الثلاثاء في الرياض، للتوصل إلى رؤية مشتركة حول مصير الرئيس بشار الأسد في أي مرحلة انتقالية.
وتهدف السعودية التي تحتضن المؤتمر إلى توحيد صفوف المعارضين السياسيين والعسكريين للرئيس الأسد، وذلك قبل الأول من يناير المقبل وهو الموعد المحدد من قبل الدول الكبرى لجمع أطراف الصراع في سوريا.
وكان القلمون الغربي، شمال غرب دمشق، قد شهد اشتباكات عنيفة مطلع شهر مايو 2015 بين فصائل المعارضة السورية المنضوية تحت غرفة عمليات جيش الفتح من جهة (جبهة النصرة ـ تجمع القلمون الغربي، جيش حرـ تجمع واعتصموا جيش حر)، وعناصر حزب الله اللبناني مدعوما بالقوات النظامية السورية من جهة أخرى. وقد ذهب المحللون إلى اعتبار أن هذه المعركة قد كشفت الستار عن حجم التشتت بين قوى المعارضة السورية المسلحة.
يجري حاليا تدوير فصائل المعارضة المسلحة تحت مسميات مختلفة تجتمع في الغالب تحت الرايات السوداء
علما وأن ملف “المعارضة السورية المسلحة” قد عرف تحولات كثيرة اتجهت في مجملها نحو الانقسام، فبعد أن كان هناك “جيش حر” موحد، حصل الشرخ وتفرعت عنه تدريجيا فصائل مسلحة تتفاوت درجتها ما بين السلفية “الجهادية” وفصائل سلفية أقل تطرفا على غرار “الجبهة الإسلامية” وفصائل عسكرية أخرى. فضلا عن أزمات المعارضة السورية المسلحة الأخرى التي مازالت تعاني مشاكل التشتت والانقسام والتفريخ.
ويجري حاليا تدوير فصائل المعارضة المسلحة تحت مسميات وتشكيلات مختلفة وإن كانت في الغالب تجتمع تحت الرايات السوداء “الإخوانية والجهادية” أو فصائل عسكرية متفرقة. وهو ما جعل هذه الجماعات تعيش أوضاعا تنظيمية غير مستقرة، حتى أن بعض التنظيمات ظهرت واختفت بسرعة، لأسباب تمولية أو بسبب إدماجها داخل فصائل أخرى.
وبالتالي تبقى مسألة توحيد الفصائل المسلحة أمرا عسيرا وفق بعض قيادات المعارضة من العسكريين المنشقين عن القوات النظامية السورية.
ويعد العامل الأيديولوجي والمذهبي والقومي السبب المحوري لانقسام وتشتت فصائل المعارضة المسلحة، إلى جانب عامل التمويل. وكشفت تقارير تناقلتها الـ“بي بي سي” أن أعداد فصائل المعارضة السورية المسلحة تقدر بـ100 ألف مقاتل على الأقل وتتفاوت في الحجم والتأثير والتحالفات المعقودة فيما بينها.
أبرز الفصائل المسلحة
ورغم تعدد فصائل المعارضة السورية المسلحة الناشطة داخل الأراضي السورية، إلا أن هناك بعض الفصائل التي استأثرت بالمتابعة الإعلامية والسياسية على حد السواء. وهم أساسا، جيش الفتح الذي يضم جبهة النصرة، وأحرار الشام، وجند الأقصى، وفيلق الشام، وفصائل عسكرية معارضة أخرى. وجبهة ثوار سوريا التي تضم وفق بعض التقديرات نحو خمسة وثلاثين ألف مقاتل، رغم خسائرها فهي ما تزال قائمة في جنوب سوريا وفي حلب وريفها.
والجبهة الإسلامية وهي اندماج لعدد من الفصائل والألوية “الإسلامية” السورية (جيش الإسلام وحركة أحرار الشام ولواء صقور الشام)، وقد انضوت داخل “الجبهة الشامية” في حلب وتضم الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وحركة نور الدين الزنكي وجبهة الأصالة والتنمية. وقوات سوريا الديمقراطية وهي وحدات حماية الشعب الكردية ومجموعة من الفصائل المسلحة العربية وتشكل جبهة عسكرية موحدة في شمالي سوريا، وتم الإعلان عنها في أكتوبر 2015.
ثم جبهة النصرة وهي أكثر الفصائل تشددا ومن أبرز المجموعات المسلحة بعد تنظيـم داعش، وتقول التقارير أن عدد مقاتليهـا يبلغ سبعة آلاف مقاتل، أغلب قياداتها من الخارج وتتمركز في حلب وديـر الزور وموجودة أيضا في ضواحي دمشق وحمص ودرعا والقلمون.
وتخوض هذه الفصائل معارك متواصلة مع قوات النظام على أكثر من جبهة وأكثر من منطقة، وكان آخرها ما شهدته محافظة درعا بأقصى الجنوب السوري من مواجهات بين الجيش السوري وجبهة النصرة المدعومة بكتائب معارضة مسلحة، وذلك بعد سلسلة مكاسب ميدانية للجيش السوري.
إلا أن المعارضة السورية استطاعت تحقيق تقدم عسكري في إدلب على حساب الجيش السوري النظامي لتكون على مقربة من مدينة اللاذقية وكـذلك في القلمـون الغربي.
وتكمن أهمية منطقة القلمون الغربي، في تأمين طريق الشمال الغربي، الذي يربط السـاحل بالعـاصمة دمشـق من الجنـوب وهـي خط الإمداد من لبنان بالنسبـة إلى حـزب الله.
أما في جبهة الجنوب السورية، فيبدو أن المجموعات المسلحة شهدت موجة كبيرة من انقسامات فيما بينها، رافقتها تسريبات إعلامية تكشف عن وجود مشروع لتقسيم سوريا إلى قسمين، أحدهما يتبع القوات النظامية والآخر يعود للمعارضة السورية. وهو العامل الذي دفع المعارضة السورية المسلحة إلى التفكير بجدية نحو إيجاد تصورات تصب في اتجاه توحيد صفوفها خاصة في القلمون وإدلب وجسر الشغور خلال شهر أبريل الماضي. ويبدو أن المعارضة المسلحة استفادت فعلا من تجربتها في إدلب وهو ما يدفعها اليوم لمزيد تعزيز تقدمها باتجاه الساحل واللاذقية.
تدريب فصائل المعارضة المسلحة.
وقعت واشنطن وأنقرة وقطر منتصف شهر فبراير 2015 اتفاقا لتدريب عناصر سورية في قاعدة تركية كان من المقرر أن تكون في مدينة “كير سهير” التركية وسط الأناضول، على أن يبدأ تنفيذه مطلع شهر مايو 2015. المشروع يشرف عليه “البنتاغون” ويمتد إلى ثلاثة أعوام بتخريج خمسة آلاف مقاتل مدرب سنويا. لكن برنامج التدريب والتسليح شهد بداية متعثرة، إذ لم تستطع واشنطن تجنيد وتدريب أكثر من 54 متطوعا من مجموع 5400 كان يفترض تدريبهم.
ويرجع المتابعون هذا الفشل إلى إصرار الأميركيين على جعل قتال تنظيم الدولة أولوية على قتال رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو ما يرفضه العديد من فصائل المقاومة السورية، إضافة إلى ضرورة مرور المتقدمين عبر عملية تدقيق مشددة، قبل أن يتمكنوا من الانخراط في البرنامج.
ومع إرسال دفعات المقاتلين المتدربين للداخل السوري، تم اختطاف بعضهم والاستيلاء على أسلحتهم وذخائرهم، وهو ما دفع بالولايات المتحدة للإقرار بفشلها في تدريب المعارضة السورية وإيقاف برنامجها التسليحي، وهو ما أكده “بيتر كوك” المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بقوله إن بلاده أوقفت بشكل مؤقت جلب متطوعين من سوريا لتدريبهم في برنامج التسليح والتدريب الأميركي، حتى يتم إعادة تقييم البرنامج في ما يتواصل تدريب الدفعة الثالثة من المعارضة.
ولم يتبق من الدفعة الأولى من المعارضة السورية المعتدلة التي دربتها الولايات المتحدة ضمن برنامج التدريب والتسليح، سوى 4 أو 5 متطوعين من مجموع 54 مقاتلاً تولت واشنطن تدريبهم، وذلك بعد أن اختطفت “جبهة النصرة” عددا منهم لدى دخولهم الأراضي السورية، حيث كان يفترض بهم البدء بمقاتلة داعش.
فيما سلم قائد الدفعة الثانية والمكونة من 70 من المتدربين الذين أنهوا البرنامج الأميركي، أسلحة ومعدات إلى جبهة النصرة حال وصوله إلى سوريا، لتواجه إدارة الرئيس الأميركي انتقادات بسبب فشلها في تدريب المعارضين السوريين. وفي الأثناء أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن تدريب مقاتلين سوريين بشكل سري.
وذكرت صحيفة “USA TODAY” سابقا أن البنتاغون أنفق على تنفيذ برنامج تدريب “قـوات المعارضـة” في سوريا الـذي تخلتعنـه، 384 مليون دولار، أي مليوني دولار لكـل مقـاتل.
البنتاغون أنفق على تنفيذ برنامج تدريب "قوات المعارضة" في سوريا الذي تخل عنه، 384 مليون دولار
وذكرت تقارير إعلامية أن البنتاغون خصص في عام 2015 مبلغا قدره 501 مليون دولار لتمويل جهودها الرامية إلى تدريب وتجهيز 3 آلاف مقاتل سينضمون إلى “القوات السورية الجديدة”، وتعهد بزيادة وتيرة برنامج التدريب في السنوات القادمة ليتم تخريج 5 آلاف مقاتل سنويا، وذلك بغية محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
وتم تعليق البرنامج، في الوقت الذي بلغت فيه نفقاته 384 مليون دولار. وما زال 145 مقاتلا سوريا من أصل 180 مقاتلا، يشاركون في البرنامج (أي يواصلون التدريب، دون أن يتم إشراك مقاتلين جدد في البرنامج، ومنهم 95 متواجدون في سوريا حاليا.
علما أن الإدارة الأميركية تعاملت مع مشروع المعارضة المعتدلة بكثير من الغموض منذ نطلع سنة 2014، حيث أظهرت بعض التقارير التي أخرجها محللون قريبون من الإدارة الأميركية أن هناك تناقضا كبيرا بين البنتاغون والمخابرات الأميركية يوضح أن برنامج المعارضة المعتدلة يعكس افتقاد واشنطن لاستراتيجية حقيقية من أجل محاربة تنظيم داعش.
وأرجع هؤلاء السبب إلى وجود تعقيدات واختلاف عميق في الرؤى، إذ أن أجهزة المخابرات لديها مجموعات تريد مساعدتها بالأموال وبالسلاح، وهذا لا يتماشى مع تصور البنتـاغون الـذي يخشى تسليـم أسلحة متطورة للمجموعات المسلحة دون أن تضمن جيدا ولاء هذه القـوى لواشنطن في المستقبـل.
ورغم ما توحي به الجهود السياسية الإقليمية الحثيثة بإمكانيات التغيير الإيجابي لصالح المعارضة السورية، إلا أن اختلاف التوجهات الدولية من جهة وتشتت القوى الممثِّلة للثورة السورية من جهة مقابلة، يؤجل التنبؤ بالحسم النهائي الذي يؤدي إلى التوسع الجغرافي والعسكري للثوار على مناطق النظام.
*باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات