السؤال الاهم .. أين ذهبت الاموال الامريكية المقدمة للمعارضة وهل هنالك تكرار لتجربة برايمر في العراق؟
افراسيانت - د. زكريا شاهين - في 12 اكتوبرالماضي ، قال الرئيس الامريكي باراك أوباما، إنه كان لديه شكوك منذ البداية حول “فكرة إمكانية تأسيس جيش بالوكالة” في سوريا.
وأفاد أوباما، في مقابلة تلفزيونية مع قناة (سي بي إس) الأمريكية، إن غايته كانت “اختبار فكرة ما إذا كان بإمكاننا تدريب وتسليح معارضة معتدلة ترغب في محاربة داعش”، مضيفًا: “ما علمناه هو التالي، التركيز على داعش صعب للغاية ما دام الأسد في الحكم”.
وردًّا على سؤال عن السبب في استمرار برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية رغم تلك الشكوك، أجاب أوباما أن المهم بالنسبة لإدارته “كان التأكد من كشف جميع الخيارات”.
في ذلك الحين ، وقعت اتفاقية “تدريب وتجهيز″، لتدريب وإعداد عناصر من المعارضة السورية، بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، في 19 فبراير/ شباط الماضي، في مقر وزارة الخارجية التركية بأنقرة؛ حيث وقّع عن الطرف التركي، مستشار وزارة الخارجية “فريدون سينيرلي أوغلو”، بينما وقع عن الطرف الأمريكي، سفير الولايات المتحدة في أنقرة، “جون باس″.
التاريخ السري لتمويل المعارضة
التقارير الاعلامية افادت ان ان وزارة الخارجية الامريكية مولت سرا جماعات معارضة سورية وهو ما كشفت عنه برقيات دبلوماسية سربها موقع ويكيليكس الالكتروني.
البرقيات أظهرت ان الخارجية الامريكية قدمت منذ عام 2006 ما وصل الى ستة ملايين دولار لمجموعة من المنفيين السوريين لتشغيل قناة بردى التلفزيونية الفضائية التي تتخذ من لندن مقرا لها.
قناة بردة بدأت البث التلفزيوني في ابريل نيسان عام 2009 وانها صعدت عملياتها لتغطية الاحتجاجات الحاشدة التي بدأت في سوريا عام 2011 في اطار حملة طويلة الاجل للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد.
الاموال الامريكية بدأت تتدفق على شخصيات معارضة سورية خلال ادارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بعد تجميد العلاقات السياسية مع دمشق عام 2005 .
الدعم المادي استمر تحت ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما رغم سعي ادارته لاعادة بناء العلاقات مع الاسد. أوفدت واشنطن سفيرا لها في دمشق لاول مرة منذ ست سنوات.
وفي حينها لم يتضح ما اذا كانت الولايات المتحدة مازالت تمول جماعات معارضة سورية لكن البرقيات تشير الى ان الاموال تم تخصيصها بالفعل على الاقل حتى سبتمبر ايلول عام 2010 .
البرقيات التي لم يكشف عنها من قبل أظهرت ان مسؤولي السفارة الامريكية شعروا بالقلق عام 2009 حين علموا ان المخابرات السورية تثير تساؤلات عن البرامج الامريكية.
وجاء في برقية بتاريخ ابريل نيسان عام 2009 موقعة من جانب أكبر دبلوماسي أمريكي في دمشق حين ذاك ان السلطات السورية "ستعتبر دون شك ان اي تمويل امريكي لجماعات سياسية غير مشروعة يصل الى حد تأييد تغيير النظام.
"وقد يكون من المجدي اعادة تقييم البرامج الراهنة التي ترعاها الولايات المتحدة التي تدعم الفصائل المناهضة (للحكومة) في داخل وخارج سوريا."
وزارة الخارجية الامريكية رفضت التعليق على البرقيات او الرد على اسئلة بشأن تمويلها لتلفزيون بردة.
بعد مرور ما يقرب من عامين على تصريحات الإدارة الأمريكية بعزمها تدريب ما يُعرف بالمعارضة المعتدلة في سوريا، تقر واشنطن بفشل هذا البرنامج، وتتحدث عن ضعف عقيدة المسلحين وقدرتهم القتالية لخوض المعارك، وفي نفس الوقت تؤكد تصريحات المسؤولين الأمريكيين ومواقف الإدارة بواشنطن منذ بدء التشريع لتنفيذ هذا البرنامج أن واشنطن وهي تسعى لضخ أموال وسلاح ومسلحين مدربين إنما تهدف لاستمرار وإطالة أمد المعارك والأزمة في سوريا من أجل إنهاك الدولة واستنزاف مواردها.
في أغسطس 2013، وقبل ظهور تنظيم داعش بالعراق وسوريا، كانت المعارضة السورية بالنسبة لواشنطن تشمل كل من يرفع شعار إسقاط النظام السوري من الجماعات المسلحة، وفي ذلك الوقت كان لرئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، تصريحات تشير إلى بدء واشنطن النظر في وضع المعارضة السورية ككل، كهدف لإسقاط النظام السوري، حيث قال ديمبسي إن “واشنطن بدأت تعرف أكثر المعارضة السورية المعتدلة، لكن عليها أن تراقب عن كثب متى يتحول التعاون الوقتي بينها وبين الإسلاميين المتشددين إلى تحالفات حقيقية”، مؤكدًا أن “قدرا من التعاون بين المقاتلين المعتدلين والمتطرفين ليس مفاجئا ولم يسبب مشكلة، نظرا لهدفهم المشترك لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد”.
في أوائل 2014 كانت الإدارة الأمريكية تتعامل مع مشروع المعارضة المعتدلة بكثير من الغموض، حيث أظهرت بعض التقارير التي أخرجها محللون قريبون من الإدارة الأمريكية أن هناك تناقضا كبيرا بين البنتاجون والمخابرات الأمريكية يوضح أن برنامج المعارضة المعتدلة يعكس افتقاد واشنطن استراتيجية حقيقية من أجل محاربة تنظيم داعش، وأرجع هؤلاء السبب حول تعقيدات واختلاف عميق في الرؤى، إذ أن أجهزة المخابرات لديها مجموعات تريد مساعدتها بالأموال وبالسلاح، وهذا لا يتماشى مع تصور البنتاجون التي تخشى تسليم أسلحة متطورة للمجموعات المسلحة دون أن تضمن جيدا ولاء هذه القوى لواشنطن في المستقبل.
بعد ظهور تنظيم داعش المتطرف وبروزه الإعلامي على الساحة العربية والعالمية أواخر العام الماضي، غيّرت واشنطن موقفها المعلن، إذ بدأت تصريحات وتقارير تخرج من الإدارة الأمريكية بأنه لابد من التفرقة بين المعارضة السورية المعتدلة والمتطرفة، في حين انتزعت الإدارة الأمريكية 500 مليون دولار من الكونجرس لتدريب وتسليح المعارضة التي بحسب منظور الأمريكان تمثل الشعب السوري، من أجل مواجهة داعش والجيش السوري معا.
دخلت تركيا في مايو الماضي على نفس الخط الأمريكي، ودارت مباحثات ومناقشات عديدة من أجل نفس الهدف وهو الترويج لفكرة المعارضة المعتدلة التي قد تكون بديلا في سوريا، وصرح وزير الخارجية التركية تشاوش أوغلو، في مايو الماضي بأن “عملية التسليح والتدريب بدأت مع مجموعات صغيرة من السوريين، واكتملت كل البنى التحتية وعمليات التسليح الضرورية”، مضيفا أن “الأتراك والأمريكيين المسؤولين عن العملية جاهزون”، موضحا أنه تم اختيار المقاتلين بشكل مشترك بين واشنطن وأنقرة.
تحالف أمريكا وتركيا لمد يد العون لـ”المعارضة المعتدلة” كان متمسكا برواية تقوية هذه العناصر المعارضة، حتى تبخرت الدفعة الأولى من “المقاتلين المعتدلين” الذين دربتهم أمريكا ، وقبل أن يطلقوا رصاصة واحدة اعترف الأمريكيون بفشل برنامج وزارة الدفاع لتدريب مقاتلي المعارضة المعتدلة، وأعلن المتحدث باسم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن برنامج وزارة الدفاع لتدريب مقاتلي المعارضة في سوريا “فشل فشلا ذريعا”، مؤكدَا أنه “تم القضاء واعتقال واختفاء نصف فرقة المقاتلين حتى قبل أن يحتكوا بداعش”، قائلا إن هذه الخسائر “لحقت بهم نتيجة المعارك مع المتطرفين”.
بين التشريع وموافقة الكونجرس الأمريكي على تدريب المعارضة السورية ودعمها بالأموال، وإعلان واشنطن فشل البرنامج أشهر قليلة، لكنها أثارت الكثير من التساؤلات حول أسباب فشل المشروع بهذه السرعة؟ وكيف سقطت أحلام واشنطن بتأسيس معارضة معتدلة بحسب نظرتها؟.
يرد المحللون بأن الإدارة الأمريكية لم تمول مشروعًا أو برنامجًا دون الاستفادة منه على أوسع نطاق، وتشير المعلومات بأن هذه الأموال أصبح أغلبها في أيدي المتطرفين وخاصة “جبهة النصرة” من سلاح ومواد إغاثة أو مقاتلين تم تدريبهم أعلنوا الولاء لها، مما ساعدهم ذلك على البقاء لاستكمال معاركهم، عدا ن بعض المعلومات اشارت بتسلؤلات : ماذا يفعل بعض القادة المصنفون على انهم قادة المعارضة السورية على شواطئ ميامي؟.
ثمة تحليلات ظهرت تقول إن الضربة التي وجهتها جبهة النصرة للقوات التي دربتها أمريكا كانت تستهدف إيصال رسالة واضحة إلى أمريكا وتركيا ودول خليجية أن جبهة النصرة مستعدة للقيام بدور “المعارضة المعتدلة” بدلا من إنفاق كل هذه الأموال على صناعة معارضة ليست موجودة على أرض الواقع، الأمر الذي ظهر بوضوح في المقالة التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست للقيادي في حركة “أحرار الشام” المعروفة بقربها من جبهة النصرة لبيب النحاس، والذي غازل فيها الإدارة الأمريكية لتضع جماعته ضمن معارضة الاعتدال.
وجهت هذه الرسالة لأمريكا بعدما تم التسويق من قبل تركيا وقطر منذ فترة لـ”النصرة” على أنها فصيل سوري “معتدل” تطالبه فقط بالخروج من تحت عباءة القاعدة، وكان ظاهرًا ذلك في ظهور أبو محمد الجولاني، أمير النصرة، على قناة الجزيرة وتوصيفه بأنه “ثائر سوري”، رغم مبايعته للظواهري.
على العموم .. بين قول الادارة الامريكية بانها انفقت مليارات الدولارات على تدريب ومساعدة المعارضة السورية وبين قول البنتاغون الامريكي بان برنامج التدريب قد فشل فشلا ذريعا ، يتساءل محللون ، اين ذهبت الاموال التي ضخت لبرامج التدريب تلك، وهل تتكرر برامج بريمر حين فضحت مسالة اختفاء مليارات الدولارات في عهد وصايته على العراق؟