افراسيانت - سامر الياس - طالبت آن ريتشارد مساعدة وزير الخارجية الأمريكي دول الخليج العربية الغنية مثل السعودية وقطر، بالإضافة إلى ما تسمى بمجموعة دول "بريكس" بعمل المزيد لمساعدة اللاجئين السوريين.
هذه التصريحات لا يمكن تفسيرها إلا بذرف دموع التماسيح، والانفصام التام عن الواقع.
المسؤولة الأمريكية لاحظت أن مساهمات دول الخليج للاجئين تفاوتت من عام لآخر، وأوضحت أن هدف واشنطن هو دمج جهود هذه الدول بشكل أفضل في النظام الانساني الدولي. لكنها لم تلحظ تقصير بلادها في التعامل مع هذا الملف، رغم مسؤوليتها المباشرة في الأزمة، وتفاقمها.
وتكشف هذه التصريحات عن طريقة تعامل واشنطن فيما يتعلق بإدارة الأزمات، فمنذ الأشهر الأولى كانت واشنطن "مستثمرا" أساسيا في الأزمة السورية التي بدأت باحتجاجات شعبية في مارس/ آذار 2011، لتتحول إلى نزاع مسلح، وحرب بالوكالة بين الأطراف الاقليمية بمحركات طائفية وعرقية. وفي بداية يوليو/ حزيران 2011 زار السفير الأمريكي روبرت فورد مدينة حماة، وحضر جانبا من التظاهرات ضد حكم الرئيس بشار الأسد، ما أعطى إشارة بدعم واشنطن للحراك. وبعدها ارتفعت المطالبات الأمريكية بتنحي الأسد. ومع الأيام تكشف أن أمريكا تسعى إلى إطالة أمد النزاع في سوريا عبر تسليح المعارضين للسلطات السورية، بما يضمن استمرار الحرب لا حسمها لمصلحة أي طرف، امعانا في تدمير البلد، لتسهل بروز تنظيمات متطرفة مثل "داعش" و"النصرة" وغيرهما، ومع احتدام الصراع ازدادت موجات اللاجئين إلى دول الجوار.
وكان يمكن أن نتفهم التصريحات الداعية مجموعة "بريكس" ودول الخليج لزيادة مساعداتها للاجئين السوريين لو أنها صدرت عن أي من لبنان أو الأردن أو تركيا. ففي لبنان يشكل اللاجئون أكثر من ثلث عدد السكان، وتعجز الحكومة عن تلبية احتياجات اللاجئين مع التراجع الاقتصادي بسبب تأثيرات الأزمة السورية، وانسداد الأفق السياسي لانتخاب رئيس في البلاد، وانتخاب برلمان جديد، إضافة إلى ضعف حجم المعونات الدولية. ولا يختلف الوضع كثيرا في الأردن حيث يعيش معظم اللاجئين السوريين في مخيمات لا تقيهم حرّ الصيف أو برد الشتاء، ما أدى إلى حالات وفاة في السنوات الأخيرة، بسبب موجات البرد والصقيع والحرارة المرتفعة.
وتعطي تصريحات المسؤولة الرفيعة في الإدارة الأمريكية ايحاء بأن بلادها قامت بفعل كل ما يلزم لمساعدة اللاجئين السوريين. لكن الواقع يكشف أن حجم المساعدات الأمريكية لا يتجاوز عُشر ما قدمته تركيا لإيواء اللاجئين، وهو مبلغ تجاوز ثمانية مليارات دولار، كما أن مساعدات واشنطن أقل بكثير من مساعدات بلدان الخليج. وفي وقت تذرف واشنطن الدموع على اللاجئين السوريين، فإنها لم تستقبل أكثر من 1500 لاجئ سوري منذ اندلاع الأزمة. ومع اشتداد أزمة اللاجئين في الأشهر الماضية قرر أوباما استقبال عشرة آلاف سوري ضمن برنامج لمدة سنتين، وهو للمقارنة رقم يساوي المعدل اليومي لتدفق اللاجئين السوريين إلى الجزر اليونانية في شهري أيلول/ سبتمبر، وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين. وفي أحدث التقارير فإن الإدارة الأمريكية تلكأت في التعامل مع قضية اللاجئين، وأن الاجراءات البيروقراطية، والأمنية تستغرق نحو عامين لاستقبال أي لاجئ سوري.. هذا قبل أن تعلن، بعد سجال طويل، استعدادها لقبول 85 ألفاً العام المقبل، ومئة ألف في العام 2017.
ولا تختلف طريقة واشنطن في التعامل مع اللاجئين السوريين عن تعاملها في أزمات سابقة تسببت فيها سابقا في فيتنام، مرورا بحربي الخليج الأولى والثانية، وكذلك الحرب على يوغسلافيا السابقة، وصولا إلى أفغانستان. ففي كل المرات تحملت بلدان الجوار العبء الأكبر في استقبال اللاجئين، تليها أوروبا التي استقبلت مئات ألوف العراقيين والأفغان والبوسنيين منذ تسعينات القرن الماضي، وها هي اليوم تستقبل حتى الآن أكثر من مليون ونصف مليون سوري منذ عام 2011.
ويبدو أن طريقة واشنطن في التعامل مع القضايا المادية أو الإنسانية يحكمها مبدأ واحد، وهو القيادة من الخلف وذرف الدموع وحث الآخرين على تقديم المساعدة وتحمل المسؤولية، وهو مبدأ ثابت لا يتغير في حال قادت واشنطن الحروب ضد الشعوب والحكومات، أو قادتها من الصفوف الخلفية.
وبعيدا عن السجال في حجم مساعدة هذا البلد أو ذاك للتخفيف من آثار الأزمة الانسانية للاجئين السوريين، فإن الحل السحري لهذه الأزمة يكمن في وضع حد للحرب، ووقف تزويد جميع أطراف الأزمة السورية بالأسلحة، والضغط باتجاه حل سياسي في أسرع وقت يضمن انتقالا سلسا للسلطة لبناء سوريا جديدة، وعدم انزلاق البلاد إلى دوامة حرب جديدة. وحتى نضوج هذه القناعة لدى الأطراف الاقليمية والدولية فإن سيل اللاجئين السوريين في ارتفاع، ولا تبدو واشنطن وأطراف أخرى في عجلة من أمرها ما دامت لا تدفع ثمنا لإدارة الأزمة، وربما اشعالها، بدلا من تحمل المسؤولية وايجاد حلول ناجعة لها.