افراسيانت - سامر إلياس - يوظف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو جميع إمكانياته من أجل منع انتفاضة شعبية ثالثة في فلسطين والخروج بأكبر مكاسب، ثمنا للاتفاق النووي مع طهران والتطورات الاقليمية.
وتوحي تصريحات نتانياهو الأخيرة بأنه يتجه نحو تهدئة الأمور، ولا يرغب بالتصعيد مع الفلسطينيين على خلفية تصاعد عمليات طعن المستوطنين في القدس والضفة الغربية وانتقالها إلى داخل المدن الإسرائيلية. وفي حقيقة الأمر فإن الايحاء بالتهدئة هو مجرد تغطية لمخطط شامل معقد لمنع أي حراك فلسطيني شعبي شامل في الضفة والقدس وغزة والمناطق ذات الاغلبية العربية في المثلث والنقب، والتركيز على أن إسرائيل، كما كل بلدان الجوار، تواجه موجة ارهاب، وأن من حقه التصدي لها، وأن العالم مطالب بدعمه لمواجهة "إرهاب" الفلسطينيين. وما يدلل على ذلك تصريحات نتانياهو التي تعهد فيها بـ"الحزم" في مواجهة العنف، لافتا في الوقت ذاته إلى عدم وجود "حل سحري" لمحاربته. وصوّر نتانياهو التصعيد الحالي بأن إسرائيل تواجه "موجة إرهاب مكونة من هجمات بالسكين وقنابل مولوتوف ورشقات الحجارة وإطلاق النيران"، عازياً هذه الأعمال التي وصفها بغير المنظمة "للتحريض الجامح على الكراهية من قبل حماس والسلطة الفلسطينية وعدد من الدول المجاورة، وكذلك من الحركة الإسلامية في إسرائيل".
قرارات جديدة لمنع انتفاضة ثالثة
وبعد مداولات أمنية عقب توسع التظاهرات والصدامات وعمليات الطعن في اليومين الأخيرين أصدر نتانياهو قرارا يحظر بموجبه دخول الوزراء وأعضاء الكنيست إلى الحرم القدسي الشريف. واللافت أن ديوان رئيس الوزراء عزا القرار إلى الحد من "تهييج" الفلسطينيين، لكنه في الوقت ذاته يشمل حظر دخول أعضاء الكنيست العرب أيضا إلى الحرم القدسي. ومنعت السلطات الإسرائيلية الرجال الذين تقل أعمارهم عن خمسين عاماً من دخول المسجد الاقصى لأداء صلاة الجمعة.
ولمنع توسع الحراك الجماهيري لم تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى عقوبات جماعية جديدة مثل إغلاق الطرق ونصب الحواجز، وحتى التراجع مؤقتا عن خطة استيطانية في مستوطنة إيتمار، لكن نتانياهو ينوي في المقابل الموافقة على الخريطة الهيكلية للمستوطنة، التي ستمنح تراخيص للمباني "غير القانونية". وحقيقة فإن التصعيد الإسرائيلي استبق الأحداث كثيرا، وخفف التركيز على القرارات القاسية التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية الأمنية "الكابينيت" منتصف الشهر الماضي، التي نصت على تشديد العقوبات على من يلقون الحجارة والزجاجات الحارقة، وتوسيع تعليمات إطلاق النار عليهم، وفرض عقوبة السجن الفعلي لأربع سنوات، في الحد الأدنى، على أي بالغ يدان بارتكاب فعل إلقاء حجارة وزجاجات حارقة، بالإضافة إلى فرض غرامات باهظة عليهم. وتقرر تشديد الإجراءات ضد القاصرين من ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة وضد أولياء أمورهم. وفي المقابل فإن الحكومة لم تتبن أي قرارات جادة بحق اعتداءات المستوطنين التي ازدادت في الأشهر الأخيرة على الأراضي الفلسطينية ووصلت إلى احراق البيوت وقتل الأطفال في أثناء نومهم.
تهدئة مؤقتة للحصول على مكاسب أكبر
وتسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تسليط الضوء على الضغوط التي تتعرض لها من المستوطنين والأحزاب الأكثر يمينية، وفيما بدا توجه نتانياهو إلى التهدئة، دعا رئيس بلدية القدس نير بركات الإسرائيليين الحاصلين على رخص السلاح إلى حمل سلاحهم في المدينة. وظهر بركات قبل أيام في محطات إسرائيلية وهو يحمل رشاشا بيده في بيت حنينا شمال القدس. وأعلن بركات ورئيس منظمة الأهالي باز كوهن، أنّهما ينويان تعطيل المدارس الثانوية في القدس ابتداءً من اليوم إلى أن ترتب وزارة المالية والأمن الداخلي ميزانية كاملة لحراسة المؤسسات التعليمية واجبة الحراسة، وشمل الاضراب نحو 40 ألف طالب في 70 مؤسسة تعليمية.
إن توجه نتانياهو إلى التهدئة مؤقتا بعد سيل القرارات القاسية بحق راشقي الحجارة، يعود في جزء منه إلى الخوف بعد توسع التظاهرات وعمليات الطعن، وواضح أن حالة الفلسطينيين اليوم، مع انعدام الأفق بحل سياسي يضمن لهم قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، فهم لن يخسروا كثيرا، لكن السبب الثاني للتهدئة يكمن في رغبته في تخفيف الضغوط الدولية عليه نظرا لمماطلته وعدم جديته في صنع السلام، أو حتى التخفيف من معاناة الفلسطينيين الاقتصادية التي كانت على رأس برنامجه عنده انتخابه في عام 2009. ولعل السبب المهم الثالث للتهدئة هو رغبة نتانياهو في الحصول على "الرزمة الأمنية" التي من المقرر أن يبحثها في البيت الأبيض أثناء زيارته الشهر المقبل إلى واشنطن. وتتضمن الرزمة دعما لإسرائيل بمنح تصل إلى 3.7 مليار دولار لتحديث القدرات الدفاعية والهجومية للجيش الإسرائيلي، يقول مراقبون إنها تأتي بعد عدم تعطيل إسرائيل الاتفاق النووي مع إيران.
ويبدو أن "بيبي" اختار مؤقتا توظيف جميع مهاراته ومناوراته السياسية لمنع انفجار انتفاضة ثالثة عنوانها القدس كما سابقتها، والاكتفاء بالخطوات الأمنية السابقة على أمل الوصول إلى تهدئة، وكسب التعاطف الدولي بالتركيز على أن ما يحصل مجرد إرهاب ليضمن مكانا له في الحملات العالمية لمحاربة الإرهاب، كما فعل رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون عندما شن عملية السور الواقي في عام 2002. لكن مع فرق جوهري أن أي اقتحامات كبيرة لمناطق الضفة لا تصب في مصلحة إسرائيل سياسيا وإعلاميا، خاصة في ظل دعوات قيادة السلطة الفلسطينية للتهدئة، وامكانية تجاوز الانقسام الفلسطيني إذا هبت رياح انتفاضة ثالثة. وأخيرا تحقيق أكبر استفادة من انشغال العالم بالأوضاع الملتهبة في سوريا والعراق ومصر.