افراسيانت - رشيد شاهين - كثر الحديث خلال الفترة القريبة الماضية عن "نية" الرئيس محمود عباس ترك جميع مناصبه، و"ربما" الابتعاد او اعتزال السياسة، ذلك ان الرجل كما يقال بلغ من العمر عتيا، وان من حقه أن "يرتاح" في ما تبقى من عمره، أو لأي من الأسباب التي يتم "الترويج" لها.
العديد من التقارير نُشِرَت في هذا الاطار وخاصة في وسائل الاعلام "الصهيوني"، وبعض التقارير كانت تنقل عن مصادر قالت انها فلسطينية أو مقربة وما إلى ذلك.
في خضم هذا "المعمعان" كثرت التكهنات والتوقعات والاقاويل، كما حُكي عن "منافسات" و "صراعات" تدور خلف الكواليس بين كبار القادة في حركة فتح.
الحقيقة هي ان الأمر "يستحق" المنافسة، حيث يشغل ألسيد ابو مازن العديد من المناصب القيادية الأهم في الساحة الفلسطينية، فهو رئيس الدولة، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح، والقائد الاعلى للقوات الامنية الفلسطينية، وبالتالي هو صاحب قرار السلم والحرب.
تولي الرئيس عباس لكل هذه المناصب، جاء على خلفية ما كان يفعله ويشغله الراحل عرفات، بحيث اصبح الموضوع وكأنه "عرف" او "إرث" يجب التمسك به.
في الواقع لم نسمع ان أحدا في الساحة الفلسطينية حاول ان يطرح بصوت عال أو مسموع أو ربما ان يتسائل، لم علينا ان نتمسك بهذا العرف أو التقليد، ولم يجب ان تكون كل هذه المناصب في قبضة رجل واحد؟، عدا عن السؤال الأهم، وهو لماذا تكون كل هذه المناصب وبشكل دائم بيد رجل من حركة فتح؟
ومن اجل تخفيف حدة الاحتقان بين المتنافسين، فاننا نقترح عليهم ان يغيروا من هذا "العرف"، وان يتم الخروج على هذا التقليد، بحيث لا تكون جميع هذه المناصب "الحساسة" بيد رجل واحد، وان يتولى كل منها رجل مختلف.
أما على المقلب الآخر، فالسؤال هو، لم علينا التسليم بان هذه المناصب يجب ان تكون حكرا على أبناء حركة فتح، لا ننكر حق أبناء فتح بالتنافس على من يترأس الحركة ولجنتها المركزية، أما فيما يتعلق بالمناصب الأخرى فإن المنافسة عليها يجب ان تكون بين جميع ابناء الشعب الفلسطيني، لا ان تبقى "حكرا" على حركة فتح، ذلك ان فلسطين للجميع وليس ملكا لهذا الفصيل أو ذاك.
من جهة ثالثة، فان هنالك عنصرا مهما يتم ربما عدم التطرق اليه او التعاطي معه، فيما هو عنصر فاعل قوي يلهث بكل قوة وراء تلك المناصب عدا رئاسة فتح، ويعمل جاهدا على ان يكون الوريث القادم ليس فقط للرئيس عباس، وانما ليرث التمثيل الفلسطيني برمته، ويكون اللاعب الوحيد في الساحة، بحيث لا يبقى منظمة تحرير ولا غيره.
اللاعب او المنافس أو العنصر الذي نتحدث عنه هنا هو حركة حماس، التي لم يتطرق اليها أحدا عند الحديث عمن "يخلف" الرئيس عباس. حماس التي تقوم بكل ما تقوم به، من وراء ظهر القيادة وكافة الفصائل والقوى الفلسطينية.
حركة حماس لا تقوم باتصالاتها ومفاوضاتها هكذا بشكل عبثي كما قد يعتقد البعض، فهي تفعل كل ذلك لتنال القبول والرضى الدولي والصهيوني، ولتقول للعالم ان هنالك من يمكن ان "يخلف" الرئيس، وانه اذا ما تم البحث عن بدائل فنحن هنا.
حركة حماس في الحقيقة، هي من يقرر في كل ما يتعلق بقطاع غزة، الذي يمثل سكانه حوالي نصف الفلسطينيين تحت الاحتلال، كما انها صاحبة قرار السلم والحرب في معظم الاحايين، وهي تقوم بحسب كل المصادر والمحللين والمراقبين بمفاوضات مع دولة الاحتلال عبر وسطاء مختلفين، مفاوضات قد تحدد الشكل القادم للعلاقة مع دولة الاحتلال، وهنالك قبول صهيوني بذلك، لا بل رضى كامل، هذا الاحتلال الذي طالما سعى الى شطب منظمة التحرير الفلسطينية، ولطالما سعى إلى فرض معادلة "دولة فلسطينية في قطاع غزة" وما تبقى فليبقى تحت مظلة الاحتلال، تتم ادارته بتقاسم وظيفي او اي شكل من اشكال الادارة التي تحددها سلطة الاحتلال.
لا نتمنى ان يكون الحال على هذه الشاكلة، إلا ان احتمالات قيام مثل هذا الخيار تبقى قائمة خاصة في غفلة القوم وانشغالهم في حمى التنافس المعلن أو غير المعلن.