افراسيانت - أشرف الصباغ - بدموع التماسيح، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أنها حريصة كل الحرص على حياة المدنيين السوريين أثناء قصفها القرى والمدن السورية.
ويبدو أن عقدة عذاب الضمير لدى العسكريين الأمريكيين والتي عالجتها هوليود في أفلامها عن فيتنام وأفغانستان والعراق، بدأت تظهر بشأن سوريا أيضا.
فمدير الشؤون الصحفية في البنتاغون جيف ديفيس، خرج ليؤكد للعالم أن الطائرات الأمريكية لم تستهدف المدنيين في أطمة السورية، مشددا على أن عملية القصف دقيقة جدا، ويتم تنفيذها بعناية شديدة عند تحديد الطيارين أهدافهم دون المجازفة بضرب المدنيين ولو عن طريق الخطأ.
هذه التصريحات كانت تصدر دائما بعد قصف الأعراس والمآتم والمناسبات الاجتماعية في أفغانستان والعراق.
ومع ذلك لم تتمكن من إنقاذ آلاف أرواح الأطفال والنساء وكبار السن من الموت غدرا تحت أنقاض منازلهم وفي غرف نومهم.
ديفيس أعلن أن واشنطن تدرس التقارير التي تحدثت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى المدنيين جراء استهداف قوات التحالف مصنعا للأسلحة في قرية أطمة بمحافظة إدلب السورية.
أما المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية أليسا سميث فقد قالت "إننا نأخذ جميع التقارير المرتبطة بالضحايا غير المسلحين على محمل الجد، وندرس كل واحد منها حال اطلاعنا عليه أو استلامنا له"، وأن هناك "معايير صارمة في عملية استهداف داعش لتفادي أوتقليل الضحايا من المدنيين في المقام الأول"، وهذه المعايير تشمل "تحليل المعلومات الاستخبارية المتوفرة، واختيار السلاح المناسب لتحقيق متطلبات المهمة بهدف تقليل المخاطر والأضرار الجانبية، وبالأخص احتمال حصول الأذى لغير المسلحين".
من جانبه صرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي بأن واشنطن تظل قلقة بشدة من أي تقرير يتعلق بالاستهداف المحتمل لضحايا مدنيين".
ثلاثة مسؤولين أمريكيين يظهرون فجأة بعيون دامعة ليؤكدوا للعالم أن "الغاية تبرر الوسيلة"، وأنهم حريصون كل الحرص على حياة المدنيين العزل في سوريا، بينما يتواصل سقوط المئات يوميا، سواء على أيدي قوات التحالف الأمريكي، أو على أيدي داعش وملحقاتها من التنظيمات الإرهابية الأخرى.
وبالتالي من الصعب أن يتصور إنسان عاقل أن تبدأ حملة من هذا النوع على سبيل الصدفة أو تأنيب الضمير.
فالصدفة وتأنبيب الضمير تتعامل معهما هوليود في ما بعد لاستكمال معالجة العسكريين الأمريكيين من العذاب النفسي، وتبرير "الجنون العسكري" و"العنف اللاإنساني" لدى قياداتهم.
كل ما في الأمر أن إحدى فصائل المعارضة السورية التي تتعامل مباشرة مع وزارة الخارجية الأمريكية والمؤسسات التابعة لها، وهو "الائتلاف الوطني السوري المعارض"، توجهت إلى التحالف الأمريكي بطلب "تفسير وتحقيق ومحاسبة"، حول استهداف قرية أطمة، حيث قتل مساء الثلاثاء الماضي أكثر من 10 أشخاص، بينهم مدنيون في قصف جوي شنته طائرات تابعة للتحالف، استهدف مبنى كان يستخدم معملا لتصنيع الأسلحة من قبل فصيل يدعى "جيش السنّة"، وتم تدميره بالكامل.
وبناء على طلب فصيل معارض، هبت المؤسسات الأمريكية لتكشف عن اهتمام غير مسبوق، وكأن دولة ذات سيادة تقدمت إلى مجلس الأمن الدولي بهذا الطلب. علما بأنه لو كانت دمشق قد تقدمت بمثله، لما انتبهت أصلا الإدارة الأمريكية لذلك.
الأمر الذي يؤكد أن واشنطن تتحدث بأكثر من لسان، سواء في العلن، أو وراء الأبواب المغلقة.
وفي الوقت الذي تواصل فيه هدم الدولة ومؤسساتها، تقوم بمناورات مثيرة للتساؤلات، من حيث الشرعية والتوافق مع مواثيق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بسحب البساط من تحت أقدام السلطات الشرعية، والتعامل غير القانوني مع فصائل بعينها من المعارضة دون فصائل أخرى. وتزامنا مع كل ذلك، لا تكل واشنطن ولا تمل من الحديث عن الشرعية، والديمقراطية وسيادة الدول.
إن التعامل مع أحد فصائل المعارضة السورية بهذا الاهتمام المفرط دون احترام بقية فصائل المعارضة، وتجاهل كل مقررات ومواثيق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يعد سابقة خطيرة، لم تستطع جامعة الدول العربية نفسها من الإقدام عليها، عندما دعت الدوحة في القمة العربية التي عقدت فيها منذ عامين إلى أن يشغل ممثل المعارضة مقعد سوريا في الجامعة.
لكن يبدو أن الولايات المتحدة التي تسمح لنفسها بقصف أي دولة في أي وقت ولأي سبب، لا تتوانى أيضا عن التعامل مع تنظيمات معارضة وأخرى مسلحة، وثالثة دينية متطرفة، ما يجعل الجميع يتوقف كثيرا أمام دموع التماسيح التي يذرفها المسؤولون الأمريكيون، وكأنهم يمثلون فيلما هوليوديا، لا تلبث الضحايا أن تنهض فيه بعد التصوير. لكن ضحايا الواقع، في الحقيقة، لا ينهضون.