الفساد .. اماذا تخلى ترامب عن قانون مكافحة الفساد ؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - يكشف الخلاف بين الرئيس الامريكي ترامب والمليادير ايلون ماسك خفايا الفساد المتغلغل في الولايات المتحدة الامريكية خاصة بين المسؤولين .


هناك العديد من المسؤولين الأمريكيين الذين حوكموا بسبب الفساد. من بين الأمثلة البارزة: السناتور روبرت مينينديز الذي أدين بالفساد. كما حوكم مسؤولون آخرون في الفيفا بسبب الفساد. بالإضافة إلى ذلك، حوكم مسؤولون حكوميون على المستوى الفيدرالي والولائي بسبب الفساد. 


•    في إحدى أبرز الفضائح السياسية في الولايات المتحدة، أدانت هيئة محلفين أمريكية السناتور البارز روبرت مينينديز بتهم الفساد، إذ عثر في منزله على سبائك ذهب ومئات الآلاف من الدولارات نقدا، ما أثار دعوات واسعة لاستقالته. مينينديز، الذي يواجه عقوبة تصل إلى 222 عاما في السجن، ينفي التهم ويؤكد وطنيته. 


•    واتهم السناتور الديمقراطي من ولاية نيوجيرزي، البالغ من العمر 70 عاما، بالابتزاز، وعرقلة سير العدالة، وقبول الرشوة لتقديم خدمات لرجال أعمال لهم صلات بمصر وقطر. 


•    أوضح متحدث باسم مكتب المدعي العام للمنطقة الجنوبية من نيويورك، أن التهم مجتمعة تحمل عقوبة قصوى تصل إلى السجن لمدة 222 عاما. التهم تضمنت التآمر لارتكاب أعمال فساد، والعمل كعميل أجنبي في أثناء عمله موظفا عاما، وعرقلة سير العدالة.


•    واتهمت زوجته نادين مينينديز أيضا، وستحاكم بشكل منفصل بسبب علاجها من سرطان الثدي.


•    كما أدين مينينديز إلى جانب رجلي الأعمال، المصري الأمريكي وائل حنا ومطور العقارات فريد دعيبس. واعترف رجل أعمال ثالث، وهو وسيط التأمين خوسيه أوريبي، بالذنب في تهم الرشوة، وساعد المحققين.


•    وأشارت المعلومات إلى أن مينينديز تدخل في تعيين مدع من نيوجيرزي لضمان إسقاط الإجراءات ضد دعيبس وأوريبي، واتهم بقبول رشاوى لاستخدام سلطته ونفوذه لإثراء المتآمرين معه، ومساعدة حكومة مصر.


•    ودعا حاكم ولاية نيوجيرزي، فيل مورفي، مينينديز إلى الاستقالة فورا 


•    أظهرت دراسة حديثة من أبحاث أجرتها جامعتا "هونج كونج" و"إنديانا" ونشرها موقع "فورتشن" أن الفساد على صعيد الولايات الأمريكية – لاسيما أكثر 10 ولايات منها فساداً – يكلف المواطنين في المتوسط 5.2% من نفقات تلك الولايات سنوياً.


وتم إجراء هذه الدراسة البحثية بناءً على بيانات جمعتها الجامعتان من اتهامات فساد وجهت لأكثر من 25 ألف مسؤول بالقطاع العام لخرقهم القوانين الفيدرالية في الفترة ما بين عامي 1976 و2008. 


وهناك بعض الولايات التي ذكرت في قائمة البحث لم تكن مفاجئة مثل "إلينوي" والتي نالت سمعة سيئة لارتفاع معدل الفساد خلال السنوات الأخيرة، ولم تخلو القائمة أيضاً من ولايتي "ميسيسيبي" و"لويزيانا" اللتين سجلتا أقل تطور اقتصادي.


واكتشف الباحثون أن تسعا من بين العشر ولايات الأكثر فساداً بها معدلات إنفاق مرتفعة مقارنةً بالولايات الأقل فساداً (عدا ولاية "داكوتا الجنوبية")، 


وعلاوةً على ذلك، أوضح التقرير أن الإنفاق في الولايات الأكثر فساداً كان مختلفاً حيث تركز على البناء والرواتب والاقتراض وحماية الشرطة على حساب القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والمستشفيات. 


وارتبط الإنفاق في قطاع البناء بشبهات الفساد، خاصةً فيما يتعلق بمشروعات البنية التحتية، وذلك بسبب التلاعب في جودة ومعايير هذه المشروعات، وهي أمور يصعب على العامة اكتشافها، كما هيمنت شركات احتكارية على الصناعة، وتم رصد فساد في قطاعات شرطية، مما يتطلب وجود موظفي مؤسسات إصلاحية لمعالجة ذلك. 


يكتب احد العاملين في وزارة الخارحية وباسم مستعار : قبل بضع سنوات، كنت أعمل المنسق الأول لمكافحة الفساد العالمي بوزارة الخارجية الأمريكية، فزرت بلدا بغرب إفريقيا ضمن عملي الميداني. وحكى لي رجل أعمال أمريكي -كانت شركته تدير مؤسسة وطنية مهمة هناك- عن مسؤول حكومي طلب منه رشوة. ولما سألته كيف خرج من ذلك المأزق، فقال إن المخرج كان بسيطا: «قلت له إنني لن أدخل السجن نيابة عنه».


كان القانون الذي رفض رجل الأعمال خرقه هو قانون (ممارسات الفساد في الخارج) الصادر عام 1977. وقد أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بإيقاف تطبيقه، في تحدٍّ سافر لسياسة الولايات المتحدة وممارستها على مدى خمسين سنة. 


يزعم ترامب أن قواعد ذلك القانون تحرم شركات الولايات المتحدة من فرص تجارية مربحة. ولكن أدلة هذا الزعم ضعيفة وضئيلة. فالواقع أن اتباع نهج أكثر تساهلا في التحقيق في الرشاوى الأجنبية وملاحقتها قضائيا سوف يضر في نهاية المطاف الشركات ودافعي الضرائب في الولايات المتحدة.


لقد وضع المشرعون الأمريكيون هذا القانون ردا على سلسلة فضائح رشوة في سبعينيات القرن الماضي أحرجت الولايات المتحدة وقوضت سياساتها الخارجية وشراكاتها الدولية، وألحقت الضرر بشركاتها. 


ثمة عشرات الأمثلة، لكن أبرزها يتعلق برشوة شركة لوكهيد -وهي شركة مقاولات دفاعية أمريكية- لرئيس الوزراء الياباني كاكوي تاناكا. وكانت مناقشات الكونجرس مفصلة ومحددة وواسعة النطاق، وشملت شهادات خبراء ونظرا دقيقا في مجموعة متنوعة من القضايا، منها الآثار المترتبة على القدرة التنافسية الاقتصادية الأمريكية وكيف يمكن النظر في الخارج إلى تطبيق قانون أمريكي خارج الأراضي الأمريكية. وأجيزت النسخة النهائية من قانون ممارسات الفساد في الخارج بإجماع مجلس الشيوخ وتصويت 349-0 في مجلس النواب، مما يدل على إجماع وطني كاسح على أن الممارسات الفاسدة في الخارج معادية للمصالح الأمريكية.


ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا القانون حجر أساس للسياسة الاقتصادية الدولية للولايات المتحدة، ومصدر إلهام لدول أخرى، ومصدر اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة لعام 1998. وهو أيضا حجر زاوية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويعد على نطاق واسع، سواء في نظر الشركات الأمريكية أو شركائها في الخارج، بمنزلة الفارق الأكبر بين الاقتصاديين الأمريكيين وأمثالهم في الصين وروسيا.


وواقع الأمر أن ما فعله ترامب، باسم الحفاظ على القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتحدة والحفاظ على امتيازاته الخاصة في السياسة الخارجية، هو أنه أكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع المنافسة والنجاح إلا من خلال الممارسات الفاسدة. فلا يقتصر الأمر على تحقير الشركات الأمريكية التي تمكنت من إدارة أعمالها لعقود من الزمن دونما فساد. ولكن ترامب يعرض أيضا جميع الأعمال التجارية الدولية الأمريكية لمطالبات بالرشوة والمحسوبية للحصول على العقود، مقوِّضا بذلك مزايا الولايات المتحدة سواء في الممارسة أو في السمعة.


ليس قانونيا، بموجب قانون ممارسات الفساد في الخارج، أن «تقوم فئات معينة من الأشخاص والكيانات بدفع مبالغ لمسؤولين حكوميين أجانب للمساعدة في الحصول على أعمال تجارية أو الاحتفاظ بها». وتتضمن هذه الفئة الأشخاص والكيانات المواطنين الأمريكيين والشركات المقيمة، وبعد تعديل عام 1998، أصبحت تتضمن الأجانب أفرادا وكياناتٍ ممن تخضع أنشطتهم داخل الولايات المتحدة لقانون ممارسات الفساد في الخارج. وقد ألزم القانون منذ نشأته الشركات الأجنبية المسجلة في الولايات المتحدة باستيفاء متطلبات محاسبية معينة، من قبيل الاحتفاظ بدفاتر دقيقة وضوابط داخلية للمعاملات.


فأتاحت أمثال هذه المتطلبات للولايات المتحدة أن تقيم دعاوى قضائية أسفرت عن غرامات بمليارات الدولارات. ووقعت بعض تلك الدعاوى خلال إدارة ترامب الأولى. ومما ينفي معاقبة الشركات الأمريكية دونما وجه حق أن أكثر من 40٪ من الملاحقات القضائية في الولايات المتحدة كانت ضد متهمين أجانب، وأن جهات فاعلة أجنبية -أساءت استخدام النظام المالي الأمريكي لارتكاب جرائمها- ممثلةٌ بشكل كبير في قائمة أعلى الغرامات الصادرة بموجب القانون. كما أن ملاحقات قانون ممارسات الفساد في الخارج شملت شركات تعمل في جميع أنحاء العالم، ومنها بعض الشركات التي قوضت المصالح السياسية والاقتصادية الأمريكية من خلال الفساد. وقد استقبلت حكومات أجنبية عديدة هذه الملاحقات استقبالا حسنا، وليس أقل أسباب ذلك أنها أسفرت عن تعويضات دفعها المدانون ورد أموال مفقودة.


ومع ذلك، كان المستفيدون الأساسيون من قانون ممارسات الفساد في الخارج هم شركات أمريكية (ومساهمون فيها) راغبة في العمل بالخارج دون دفع رشاوى. ومن المؤكد أن بعض الشركات الأمريكية استخدمت الرشوة للحصول على امتيازات وعقود. والتاريخ الذي استشهد به أعضاء الكونجرس في قرارهم بالتفاوض على قانون ممارسات الفساد في الخارج واعتماده يشمل أسماء عشرات الشركات الأمريكية التي استخدمت الرشوة في الحصول على امتيازات وعقود شراء وصفقات قيمة. ولكن دفع الرشاوى عمل شائك. ففي مقابل كل صفقة تجارية تتم بالرشوة، هناك أيضا أمثلة لاعتقال سياسيين وانهيار صفقات بسبب الرشوة. فالرشوة، في نهاية المطاف، جريمة، وتلزم المادة 15 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد جميع الحكومات الموقعة على الاتفاقية باعتبارها كذلك. والشركات التي تدفع الرشاوى تسهم في ارتكاب جريمة ونتيجة لهذا قد تواجه عواقب قانونية في أي بلد تعمل فيه.


فضلا عن ذلك، مع وجود قانون ممارسات الفساد في الخارج، فإن تجنب الرشوة لا يكون العيب التنافسي الذي يمكن اجتنابه. فبوسع الشركات الأمريكية أن تقول بوضوح وعزم إنها لا يجوز أن تنخرط في الرشوة خشية ملاحقة الحكومة الأمريكية لها قضائيا فلدى الحكومة الأمريكية سجل طويل من الملاحقات القضائية الناجحة. وكل شخص شارك في أي عملية تفاوضية يعرف أن «إلقاء اللوم على طرف ثالث» هو أحد أقيم الأدوات التفاوضية، ولقد كانت وزارة العدل الأمريكية حتى الآن طرفا مثاليا لتحمل اللوم. وقد ساعد قانون منع الابتزاز الأجنبي، الذي أجازته أغلبية الحزبين في عام 2023، في تحييد أي عيوب تنافسية متبقية قد توجد أمام الشركات الأمريكية التي تمتثل لقانون ممارسات الفساد في الخارج بجعله طلب المسؤولين الأجانب للرشوة قابلا للمقاضاة أيضا.


لقد أصبحت الشركات الدولية التي امتثلت للتشريعات الأمريكية رائدة في تشجيع العمل الحكومي المكافح للفساد ومقاومة الممارسات الفاسدة نفسها.


وحينما كنت رئيسا لمركز (قادة مكافحة الفساد لتحفيز القطاع الخاص)، وهو مبادرة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التقيت بعشرات الشركات التي التزمت بمكافحة الفساد والرشوة لأنها رأت أن ذلك يصب في مصلحتها المالية. ويشمل أعضاء المركز بعض الشركات الرائدة في العالم، مثل أمازون وجنرال موتورز وسيمنز وتيسلا. وهذه الشركات الكبرى تدعم مشاريع مثل (شبكة النقطة الزرقاء) -وهي مبادرة أنشأتها أستراليا واليابان والولايات المتحدة في عام 2019، عندما كان ترامب في منصبه، وهي الآن تحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- التي تتحقق من مصادر التمويل لمشاريع البنية الأساسية الأجنبية، فضلا عن التزامها بقواعد السلامة وغيرها من تدابير الامتثال. بالنسبة لهذه الشركات الكبرى، سيكون فقدان قانون ممارسات الفساد في الخارج ضارا، إذ سيصبح من الأسهل على الشركات غير المؤهلة التي ترغب في دفع الرشاوى كسب أعمال غير مستحقة. والشركات التي تستخدم الفساد للحصول على أعمال غير مستحقة عادة ما يكون أداؤها ضعيفا، وتوفر منتجات وبنية أساسية وخدمات معيبة تضر المستهلكين. ولنا مثال على ذلك في الانهيار المروع لمشاريع الإسكان في جنوب تركيا خلال زلازل عام 2023.


مما لا شك فيه أن بعض الشركات ستحتفل بقرار ترامب. فالامتثال لقانون ممارسات الفساد في الخارج يفرض في نهاية المطاف تكاليف على الشركات، وكثير منها ليست لديها نية لدفع الرشاوى، وحتى المخاطرة النظرية بالتقاضي تشكل عبئا على الشركات العاملة على المستوى الدولي. وهذا مفهوم، فلا أحد يريد أن يتعرض للملاحقة القضائية أو يعمل في ظل شبحها. غير أن الشركات تواجه الآن مشكلة جديدة: إذ تتعرض للتحريض النشط على تقديم الرشاوى فلا تستطيع أن تبادر بالرفض التلقائي الذي يسهله الامتثال لقانون ممارسات الفساد في الخارج. ولذلك سوف تضطر العديد من الشركات الأمريكية إلى توفير المال لدفع هذه الرشاوى لإبرام الصفقات والحفاظ عليها.


وسوف يثقل هذا العبء على الشركات النظيفة والفاسدة على حد سواء.


سوف يصبح كل عقد أجنبي تحصل عليه الشركات الأمريكية الآن ملطخا بشبهة الرشوة. وحتى لو لم يصح ذلك، فإن مجرد الادعاء سوف يعرض هذه الشركات لمزيد من المطالبة بالرشاوى، فنادرا ما تتم صفقة برشوة واحدة فقط. وسوف يظل هذا الارتباط يلاحق الشركات في كل مكان تمارس فيه أعمالها. فإذا كانت قدمت رشاوى لشخص ما لتحصل على عقد أو تنازل في بلد ما، فلماذا لا تفعل مثل ذلك مع غيره؟


ويخاطر ترامب أيضا بمكانة الولايات المتحدة في نظام مراقبة مكافحة غسل الأموال الدولي الذي تديره مجموعة العمل المالي، وهي هيئة حكومية دولية تنسق معايير الممارسات المصرفية. فالرشوة والفساد من أشكال غسل الأموال، وبصفتها عضوا في مجموعة العمل، فمن المتوقع أن تثبت الولايات المتحدة امتثالها لمعاييرها عندما تبدأ عملية التقييم المتبادل للبلاد، وهي عملية تدقيق مطلوبة يجريها الأعضاء الآخرون، في عام 2026. وحتى مناقشة ما إذا كان ينبغي إدراج الولايات المتحدة على «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل -وهي عمليا حالة اختبار للصلاحية- بسبب عدم استيفائها للمعايير المطلوبة فقد تتكبد الشركات والبنوك الأمريكية تكلفة كبيرة.


فمعاملات المؤسسات والشركات المنتمية إلى بلاد مدرجة في هذه القائمة تخضع لتدقيق أشد وقد تواجه صعوبة في الحصول على التمويل. فالكيفية التي سيطبق بها الأعضاء هذا التدقيق على قطاع مالي كبير ومهم على المستوى النظامي مثل قطاع الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن الوضوح، ولا يفيد هذا إلا في تسليط الضوء على مدى استثنائية الخطوات التي اتخذها ترامب.


وثمة مشكلة أخرى في أمر ترامب التنفيذي تتمثل في هشاشة ومخاطر يفرضها على العلاقات التجارية الأمريكية في المدى البعيد. فالفساد ليست له شعبية، ولا لمن يشاركون فيه. ففي حال، أو عند، اكتشاف تورط شركات أمريكية في فساد سابق لصفقات تجارية، فسوف يضر الكشف بالولايات المتحدة، مثلما حدث قبل سن قانون ممارسات الفساد في الخارج: إذ أسقطت فضائح الفساد حكومات أجنبية كانت شريكة للولايات المتحدة، وتحقق فسادها من خلال رشاوى شركات أمريكية. وعندما سقطت تلك الحكومات الفاسدة، خسرت الولايات المتحدة ما يتجاوز الصفقات التجارية. فقد فقدت أيضا الوصول والنفوذ اللذين كانت تحظى بهما من قبل. وكان اجتناب مثل هذا الضرر الذاتي أحد الأسباب وراء سن قانون ممارسات الفساد في الخارج في المقام الأول. وفتح الباب مرة أخرى للفساد، بالإضافة إلى إلغاء إدارة ترامب لبرامج المساعدات الخارجية، ينذر بتدهور قدرة واشنطن على التأثير في التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية في مناطق ستكون حاسمة لمستقبل الولايات المتحدة، وخاصة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا ونصف الكرة الغربي.


ومن منظور جيوستراتيجي، يمثل تخلي ترامب عن قانون ممارسات الفساد في الخارج قرارا كارثيا. صحيح أن الحكومات الأجنبية لا تتبنى نفس النهج المتحمس لتنفيذ قانون ممارسات الفساد في الخارج (أو ما يعادله على المستوى الوطني) كما فعلت الولايات المتحدة في الماضي، ولكن خلافا للولايات المتحدة اليوم، لا تزال هذه الحكومات تدعي أنها تنفذ بأمانة كامل التزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005 واتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة لعام 1999.


ومن المنطقي الزعم بأن الولايات المتحدة كانت، حتى وقت قريب، تقود جهود مكافحة الفساد العالمية وكان الآخرون يعجزون عن القيام بواجبهم. ولن يصحح الاستسلام هذا الخلل. وبدلا من ذلك، يجب أن تكون واشنطن أكثر قوة في فرض القواعد والمعايير العالمية. ولدى حكومة الولايات المتحدة الطرق اللازمة للقيام بذلك على النحو الصحيح. فلديها مجموعة من العقوبات القائمة التي يمكنها فرضها على من ينخرطون في الفساد الدولي، ويمكن أن تفرض عقوبات إضافية على الشركات المالية والمحامين وتجار النفوذ الذين يرسخون الفساد والدول التي تستخدمه استخدام السلاح الاستراتيجي. ولقد أظهر ترامب استعداده لاستخدام الإكراه الاقتصادي للرد على الممارسات الدولية غير العادلة، الحقيقية منها والمتخيلة. ولو أن هناك شكلا واحدا من أشكال التلاعب التجاري يستحق التصدي له بأدوات الحكم الاقتصادي الأمريكي، فهو الفساد.


يمكن أن يقاوم الكونجرس إضعاف ترامب لقانون ممارسات الفساد في الخارج، بالإصرار مثلا على أن يلتزم أي مرشح لأدوار تنفيذ القانون بتطبيق قانون ممارسات الفساد في الخارج واستخدام سلطاته في الإشراف التشريعي لضمان امتثالهم. وللقطاع الخاص أيضا دور يؤديه. فبوسع الشركات الأمريكية أن تلزم نفسها بمعايير مكافحة الفساد بغض النظر عما تفعله الحكومة. فلدى بورصة نيويورك ومؤشر ناسداك مدونات سلوك وأخلاقيات يمكنهما الاستمرار في فرضها، وينبغي أن يحافظ المجتمع المصرفي على معايير مكافحة الرشوة والفساد في المدفوعات والاستثمارات. وفي نهاية المطاف، ستنفذ البلاد والسلطات القضائية الأخرى قوانينها الخاصة ضد الفساد حتى لو لم تفعل الولايات المتحدة ذلك، بل لعلها تستهدف الشركات الأمريكية المشاركة في ممارسات فاسدة في سياق المنافسة الاقتصادية العالمية التي تعمل إدارة ترامب على تضخيمها.


ضرر المدى البعيد


قد يكون ترامب محقا في أن الدول الأخرى على استعداد لاستخدام الفساد لتعزيز مصالحها. ولكن التدني إلى مستواها يمثل استجابة عكسية لهذه المشكلة. فالشركات الأمريكية التي لم تكن تدفع الرشاوى سيصبح الآن مشتبها بأنها تفعل ذلك، أما الشركات التي تدفع الرشاوى فسوف تستنزف أرباح مساهميها وسوف تتواطأ في مشاريع إجرامية وطنية تجعل الحكومات أكثر هشاشة وضعفا وأقل شعبية. وسوف يستغل خصوم الولايات المتحدة معايير إنفاذ القانون المتساهلة حديثا في البلد، وسوف يفوق ضرر المدى البعيد الناجم عن قرار ترامب بالتخلي عن قانون ممارسات الفساد في الخارج أي فوائد معقولة في المدى القريب.


في عام 1975، قال السيناتور فرانك تشيرش، وهو ديمقراطي من ولاية ايداهو وأحد قادة مفاوضات قانون ممارسات الفساد في الخارج إنه «لم يعد كافيا أن نتنهد ونقول إن هذه هي الطريقة التي تدار بها الأعمال. لقد حان الوقت لمعالجة القضية على حقيقتها: وهي أنها مشكلة خطيرة في السياسة الخارجية». وآنذاك، كما هو الحال الآن، يمثل إنفاذ قانون ممارسات الفساد في الخارج أمرا حميدا للولايات المتحدة. فلا بد من استئناف التحقيقات والملاحقات القضائية، قبل أن يتسبب تعليقها في مزيد من الضرر. 


الفساد في امريكا.. صرف معاشات لمواطنين عمرهم 220 عاماً.. 


ـ يحتدم مع الوقت نقاش وجدل في المجتمع الأمريكي بعد أحدث الادعاءات التي أثارها قبل أيام مسؤول وزارة كفاءة الحكومة الأمريكية إيلون ماسك الذي ادعى أن هناك أشخاصاً في سن "غير معقولة" تصل إلى 220 عاما يحصلون على مدفوعات الضمان الاجتماعي.


وقبل نحو أسبوع، صرح ماسك، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، بأن "فحصًا سريعًا للضمان الاجتماعي" أظهر "أشخاصًا (يحصلون على الضمان) في سن 150 عامًا تقريبًا".


وبعد أيام، نشر ماسك لقطة شاشة على منصة "إكس" التي يمتلكها، زاعمًا أنها تُظهر أشخاصًا مذكورين كأحياء في قاعدة بيانات الضمان الاجتماعي في أعمار غير ممكنة، بمن فيهم أكثر من 1,000 شخص فوق سن 220 عامًا، وشخص واحد بين 360 و369 عامًا.


وقال ماسك: "ربما يكون فيلم عن مصاصي دماء خالدين حقيقيًا وهناك الكثير من مصاصي الدماء الذين يجمعون الضمان الاجتماعي"، مشيرًا إلى أن الرسم البياني يُظهر أشخاصًا غير معقولين في أعمارهم يتلقون مدفوعات حكومية من خلال برنامج الضمان الاجتماعي، الذي يوفر دخلًا للمتقاعدين الأمريكيين، والأشخاص ذوي الإعاقات، والعائلات التي فقدت زوجًا أو والدًا.


واعتبر في منشور على حسابه بمنصة إكس، أن هناك عمليات احتيال واسعة النطاق تحدث في هذا البرنامج.


ووفقا لتقرير نشره موقع "سنوبس نيوز"، ففي حين أن تدقيقًا نُشر في عام 2023 وجد أن قاعدة البيانات المركزية للضمان الاجتماعي، المعروفة باسم "نوميدنت"، تحتوي على معلومات عن 18.9 مليون شخص وُلدوا قبل عام 1920 ولا توجد معلومات عن وفاتهم في السجلات - مما يعني أنهم أكثر من 100 عام إذا كانوا على قيد الحياة - إلا أن 44,000 منهم فقط كانوا يتلقون مدفوعات من إدارة الضمان الاجتماعي (SSA).


وكتب المدققون أن "نوميدنت" تحتوي على سجلات وفاة غير مكتملة لأن هؤلاء الأشخاص توفوا قبل استخدام نظام الإبلاغ الإلكتروني عن الوفيات. ورغم أن غياب سجلات الوفيات في الوكالة قد يجعلها أكثر عرضة للاحتيال، إلا أن العدد الصغير للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 100 عام والذين يتلقون المدفوعات يشير إلى أن هذه ليست مشكلة واسعة النطاق.


وفي حين بذلت إدارة الضمان الاجتماعي بعض الجهود لتحديث سجلاتها، قرر المسؤولون عدم تنفيذ التوصيات من المدققين نظرًا لأن عدد الأشخاص الذين يتلقون المدفوعات فوق سن 112 قليل جدًا، وأن تكلفة تصحيح سجلات "نوميدنت" لم تكن تستحق الفوائد المتوقعة.


ووجد تدقيق سابق نُشر في عام 2015 أنه بينما وُجد أن 6.5 مليون شخص في قاعدة بيانات "نوميدنت" كانوا أكبر من 112 عامًا، إلا أن المدفوعات كانت تُرسل فقط إلى 266 مستفيدًا، وكان من المرجح أن تكون سجلات معظمهم تشير إلى أنهم في الواقع أصغر من 112 عامًا. ومع ذلك، وجد هذا التدقيق أيضًا آلاف الاستخدامات المحتملة لأرقام الضمان الاجتماعي المرتبطة بأشخاص غير معقولين في أعمارهم.


وبينما قامت إدارة الضمان الاجتماعي (SSA) ببعض الجهود لتحديث سجلاتها، قرر المسؤولون عدم تنفيذ التوصيات من المدققين نظرًا لأن عدد الأشخاص الذين يتجاوزون سن 112 عامًا ويتلقون المدفوعات قليل للغاية، ولأن تكلفة تصحيح سجلات "نوميدنت" لم تكن تستحق الفوائد المرجوة.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology