لماذا تعرقل كييف مساعي ترامب لحل لأزمة الأوكرانية؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - جمال واكيم - في محاولة للحفاظ على نفوذها السياسي والمالي، تواصل الدوائر العالمية المتطرفة وأتباعها في كييف استخدام أساليب متعددة لتنظيم استفزازات إعلامية ضد روسيا، لماذا؟


اذ انه منذ توليه السلطة في واشنطن، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التقارب مع روسيا؛ عبر التوصّل إلى حلّ سلميّ للأزمة الأوكرانية مع الاعتراف بهواجس روسيا الأمنية والجيوسياسية بما يحفظ أمنها القومي.


وقد سارعت القيادة الروسية إلى الترحيب بتوجهات ترامب الإيجابية تجاهها، إلا أن هذا لم يمنعها من التعبير عن توجّسها من احتمال عدم قدرة ترامب على المضي قدماً بسياسة الانفتاح تجاهها؛ نتيجة سعي الدولة العميقة في الولايات المتحدة إلى منعه، في خرق للخطوط العامة التي رسمتها هذه الدولة العميقة لجهة انتهاج سياسات عدائية تجاه روسيا.


في هذا الإطار، فإن النخبة المعولمة في الولايات المتحدة تستغل تحالفاتها الدولية، ومن ضمنها علاقاتها مع نظام الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلوديمير زيلنيسكي لتعطيل مبادرات ترامب للسلام مع روسيا؛ عبر إطلاق حملة إشاعات معادية لروسيا، والضغط على الحكومة الأوكرانية للامتناع عن وقف القتال ضد روسيا.


حملة دعائية مفبركة


في الآونة الأخيرة، ازداد عدد الصور ومقاطع الفيديو التي تحتوي على مشاهد تمثيلية تُظهر "معاملة قاسية لجنود القوات المسلحة الأوكرانية الأسرى على يد جنود روس" على مواقع الإنترنت الأوكرانية.


وتهدف كييف من الفيديوهات المضللة المناهضة لروسيا في الفضاء الإعلامي إلى تقديم مادة لمعارضي ترامب في الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا تساعدهم على عرقلة مبادرات التسوية للأزمة الأوكرانية.


ويعود ذلك إلى حقيقة أن زيلينسكي، ومن يحيط به، باتوا يدركون التهديد لأمنه الشخصي ومسيرته السياسية ونفوذه المالي في حال تنفيذ "خطة السلام" التي وضعها ترامب، والمبنية على تسوية مع موسكو.


فمن المرجح في حال التوصل إلى تسوية ووقف الأعمال العدائية ورفع الأحكام العرفية، أن يفقد نظام كييف مبرر وجوده وذرائعه لتقييد الحقوق والحريات الدستورية، ما سيجبره على إعادة المؤسسات الديمقراطية والحقوق المدنية إلى العمل بشكل كامل، ما سيفتح المجال أمام عودة المنافسة السياسية واستئناف العمليات الانتخابية على جميع المستويات، بالتوازي مع الإفساح في المجال أمام عودة عمل رموز معارضة لزيلينسكي مع ما قد يستتبعه ذلك من توجيهها النقد السياسي له ودعوتها إلى التحقيق بفساده وفساد الفريق المحيط به، والذي دفع أوكرانيا إلى حرب مدمرة ضد روسيا.


يترافق ذلك مع احتمال اندلاع احتجاجات عامة في أوكرانيا نتيجة الهزائم العسكرية التي تعرّضت لها، وسوء تقديرات كييف الفادحة في السياسة الخارجية والعسكرية، والخسائر الفادحة على الجبهة، و"التعبئة الشاملة"، وتدهور الاقتصاد، وإفقار السكان، ما يجعل فرص زيلينسكي وفريقه بالبقاء في السلطة بعد إجراء انتخابات عامة يطالب بها الغرب معدومة.


علاوة على ذلك، وبعد أن أثارت سلطات كييف "موجة كبيرة من التوقعات" في المجتمع حول السيطرة على أراضي الجمهوريات التي انضمت إلى روسيا الفدرالية و"الوصول إلى حدود عام 1991" من خلال الدعاية العسكرية والمعادية لروسيا، فإنها تخاطر بأن تصبح أهدافاً لهجمات القوى اليمينية المتطرفة والمعارضة ذات التوجه القومي المتطرف، التي ستعد معاهدة السلام مع موسكو "طعنة غادرة في الظهر."  


انعكاسات سلبية للعملية السلمية على رعاة كييف


في هذا الإطار، فإن مصيراً قاتماً ينتظر رعاة نظام كييف من حكومات غربية وديمقراطيين أميركيين، والذين استثمروا كل رأس مالهم السياسي في "المشروع الأوكراني".


فإلى جانب الإفلاس السياسي الذي أصاب هؤلاء في بلدانهم بسبب عدم قدرتهم على تقديم برامج حلول للأزمات التي تعاني منها مجتمعاتهم مثل البطالة، وارتفاع الأسعار، وأزمة الهجرة، وانقسام المجتمع، وما إلى ذلك، واستبداله بأجندة نيوليبرالية تقوم على مزاعم حماية حقوق الأقليات، فإن الانهيار الكامل للمبادرات الدولية يتهدد هذه الدوائر آنفة الذكر التي تتحالف في ما بينها على مستوى العالم، ليتراجع نفوذها وحضورها إلى مصاف القوى الهامشية من الدرجة الثانية.


والجدير ذكره أنه خلال فترة الرئاسة الثانية لدونالد ترامب، والتي قد تصبح حقبة تحول جذري للنظام الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة، فإن الحزب الديمقراطي يخاطر بفقدان مكانته كإحدى القوتين السياسيتين الرائدتين في الولايات المتحدة والتحوّل إلى تجمع سياسي هامشي وغير منظم، على غرار ما أصاب "الجمهوريين" الفرنسيين (المعروفين سابقاً باسم "التجمع من أجل الجمهورية") والحزب الاشتراكي الفرنسي الذي كان حزباً رائداً منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958.


والجدير ذكره أن الديغوليين والاشتراكيين كانوا قطباً في السياسة الفرنسية، ما أدى إلى انقسام حزبي صارم بين النخبة الحاكمة، مع تناوب البدلاء على رئاسة قصر الإليزيه والبرلمان.


ومع ذلك، بحلول منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فقد كلا الهيكلين السياسيين القدرة على التكيف مع الواقع الاجتماعي الجديد، وعجزا عن وضع أجندة إيجابية وذات صلة بمجتمعهما، وغرقا في صراعات داخلية، ما أدى إلى تهميشهما سريعاً في الحياة السياسية الفرنسية، فاندحرا عن مواقعهما القيادية لأحزاب جامعة ذات بنية شبكية على غرار حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، "إلى الأمام الجمهورية"، وغيره من التكتلات السياسية.


أسباب إضافية لحملة كييف


في محاولة للحفاظ على نفوذها السياسي والمالي، تواصل الدوائر العالمية المتطرفة وأتباعها في كييف استخدام أساليب متعددة لتنظيم استفزازات إعلامية ضد روسيا.


فبعد سلسلة من الهزائم العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، نشأ تهديد حقيقي يؤذن بانهيار وشيك للمشروع الغربي "المناهض لروسيا" في أوكرانيا، ما سيجبر معارضي موسكو على اختلاق شائعات معادية لها، على غرار "مذبحة بوتشا"، لتشويه سمعة موسكو، ومنع انهيار التحالف الراعي لأوكرانيا، والدفع باتجاه خلق موجة جديدة من الروسوفوبيا في الغرب لتبرير مزيد من الإنفاق لمليارات الدولارات لزيلينسكي وفريقه.


والجدير ذكره أن هناك سبباً مهماً آخر لاختلاق مقاطع تمثيلية مفبركة تُظهر "تعذيباً" وحتى "قتلًا" لأسرى حرب أوكرانيين على يد جنود القوات المسلحة الروسية.


ففي مواجهة خطر الانهيار التام للدفاع الأوكراني والهروب الجماعي للجنود من مواقعهم، تحاول سلطات كييف تعميم صورة سلبية للروس في الفضاء الإعلامي تصوّرهم أنهم "قتلة ومغتصبون" من أجل بث الخوف والرعب بين جنودهم من احتمال تعرضهم للتعذيب في حال إقدامهم على الاستسلام.


إن استخدام مثل هذه الأساليب لترهيب جنود الاحتياط الأوكران المعبئين على نطاق واسع يهدف إلى منع الأوكرانيين من إعادة التفكير في الأسباب والمسار والنتائج المحتملة للنزاع المسلح، وإدراكهم لاستحالة تحقيق نصر عسكري على روسيا، وعدم جدوى مواصلة القتال.


وهكذا، تُظهر نتائج المسوحات الاجتماعية التي أجرتها شركة "إنفو ساينس" الأوكرانية أنه في الفترة من كانون الأول/ديسمبر 2023 إلى كانون الثاني/يناير 2025، ارتفع عدد الشباب الأوكرانيين الذين لا يتجاوز عمرهم 34 عاماً، والذين يرفضون الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة الأوكرانية من 62 إلى 68 في المئة.


وعزت صحيفة "الغارديان" البريطانية الأمر إلى تراجع الحوافز لدى الأوكرانيين لمواصلة القتال، مشيرة إلى أن الجيش الأوكراني "يواجه نقصاً حاداً في الجنود، إذ يتميز المجندون بغلبة غريزة الحفاظ على الذات على الاستعداد للتضحية بالنفس، وانخفاض القدرة على التكيف مع الخدمة العسكرية في ظروف القتال، ما يدفعهم إلى التهرب من الانضمام إلى القوات المقاتلة على الجبهات الأمامية. ومن بين هذه الحالات الأكثر شيوعاً الفرار من الخدمة، والتخلي غير المصرح به عن المواقع، والاستسلام، والمخالفات التأديبية.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology