افراسيانت - أعلن في تركيا أن جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي سوف يصل في زيارة رسمية إلى أنقرة الشهر الجاري، فضلا عن زيارة وفد كبير يضم مسؤولين في وزارتي العدل والخارجية لبحث تسليم غولن لأنقرة.
ذكر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أن جو بايدن سيصل إلى تركيا في الـ24 من هذا الشهر، فيما أكد وزير العدل التركي بكير بوزداغ، أن الوفد الأمريكي الذي سيضم مسؤولي العدل والخارجية الأمريكيين، سيسبق بايدن "لمساعدة الجانب التركي في إعداد طلب أنقرة الرسمي لتسليمها الداعية فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، والرأس المدبرة للانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا مؤخرا".
وزير العدل التركي، وفي التعليق على زيارة المسؤولين الأمريكيين وبايدن، أكد أنها تندرج في سياق الإجراءات الثنائية لترحيل غولن إلى تركيا، معتبرا أن "تسليم غولن لتركيا لم يعد مشكلة ثنائية بين البلدين، وإنما قضية عامة".
واستنادا إلى أن المسؤولين الأمريكيين الذين سيسبقون جو بايدن بيومين إلى أنقرة، لن يتمكنوا من الاطلاع على الملف التركي حول الاتهامات المسندة لغولن، فإن الأمر سيعني أن زيارة بايدن تهدف إلى بحث قضايا أخرى مع أنقرة بعيدة عن غولن.
ويعرف عن بايدن، أنه كان على الدوام شريكا ومفاوضا "مزعجا" للرئيس التركي وفريقه، إذ التقى في زيارته الأخيرة إلى تركيا مطلع العام الجاري وبشكل متعمد، فريقا من الصحفيين المستقلين، وممثلين عن منظمات أهلية، لا تحظى بحب القيادة التركية، كما دافع عن 1128 عالما تركيا وقعوا على عريضة دعوا فيها إلى السلام في بلادهم، اعتبرتهم السلطات "خونة" على خلفيتها.
صحيفة "زمان" التركية، كتبت في تعليق على الموقف الأمريكي، أن "إدارة أوباما ربما قد أدركت أن تركيا سوف تتعرض للاضطراب عاجلا أم آجلا، وكانت على يقين تام بعد حادث الطائرة الروسية أن أنقرة سوف تدرك ضرورة الاستناد إلى الولايات المتحدة والناتو دون سواهما"، فيما اتخذت التطورات منحى آخر مغايرا للتوقعات.
الملفت في ما أعقب الانقلاب الفاشل في تركيا، أن الولايات المتحدة وغيرها من شركاء أنقرة الغربيين، لم تستعجل في مواساة أردوغان والإعراب له عن دعمها، الأمر الذي يثير بعض التساؤلات والتكهن.
الاتحاد الأوروبي، برر تقاعسه عن الإسراع في مواساة أردوغان على لسان السكرتير العام لمجلس أوروبا ثوربيورن ياغلاند، الذي أكد أنه "تبلور لدى أوروبا وغيرها الشعور في بادئ الأمر، بأن الانقلاب لم يكن إلا خدعة من أردوغان، وشككت بوقوف غولن وراءه".
صحيفة Hurriet Daily News في هذا الصدد، كتبت أنه "لن يتسنّى كشف الحقيقة، إلا من خلال إبراز الجانب التركي إثباتات دامغة"، فيما السؤال: هل تتوفر مثل هذه الأدلة لدى أنقرة، فيما بلغ عدد الأتراك الذين أزيحوا عن مناصبهم أو أودعوا السجن بين عسكريين ومدنيين على خلفية الانقلاب 81494 مواطنا، حسب رئيس الوزراء التركي يلدريم.
يوهانس هان مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون سياسة الجوار، اعتبر من جهته أن "حملة التطهير التي انطلقت في تركيا عقب الانقلاب كانت مدبرة، فيما جرى على ما يبدو إعداد قوائم أسماء آلاف الموقوفين بشكل مسبق، نظرا لأنه لا يمكن لأي حكومة كانت أن ترد بهذه السرعة" على الانقلاب.
وسائل الإعلام الغربية أطلقت حملة غير مسبوقة كرّستها لما وصفته بـ"المؤامرة التركية"، التي قد يترتب عليها آثار تاريخية جسيمة، فيما واشنطن على قناعة في هذه الأثناء بأن أردوغان، "يلعب ورقة غولن، بما يتيح له اتهام الولايات المتحدة بالتستر على الإرهابيين ودعمهم"، وذلك في وقت يمكن فيه لواشنطن عينها لعب هذه الورقة ضد أردوغان.
وصارت الدوائر الغربية تلمح لأنقرة كذلك، باحتمال إطلاق تحقيق دولي موسع للكشف عن ملابسات الانقلاب، وتطالبها بتقديم أدلة دامغة لإثبات ما تدعيه، ولاسيما حول وقوف واشنطن وراء الانقلاب.
غولن بدوره، وفي مقال نشرته Le Monde الفرنسية، أعرب عن استعداده للعودة إلى تركيا، إذا ما ثبتت إدانته، وكتب بهذا الصدد: "أتعهد بالعودة إلى تركيا وتحمل كامل المسؤولية، إذا استطاعوا إثبات 10 في المئة من التهم المنسوبة إلي".
أما The Wall Street Journal فقد أكدت نقلا عن مصادر مطلعة أن السلطات الأمريكية لا تعتزم تسليم غولن، "نظرا لأن الأدلة التركية المقدمة لم تقنع الإدارة الأمريكية بالتهم المنسوبة إليه".
وفي تحليل المواقف والتصريحات والغموض الذي يلف ملابسات الانقلاب، يبدو أن الوفد الأمريكي الذي سيضم موظفين من وزارتي العدل والخارجية، سيعكف في الزيارة التي ستسبق بايدن إلى تركيا على بحث القرائن التي ستقدمها أنقرة في إطار التهم المسندة إلى غولن.
أما بايدن شخصيا، سوف يحاول ممارسة الضغط على الجانب التركي مستغلا ورقة غولن، وذلك بشكل مواز للتصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأوروبيين حول ضرورة تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، وتجميد المفاوضات حول تحرير التأشيرة معها، وبحث استمرار عضويتها في الناتو، ناهيك عن احتمال فرض جملة من العقوبات ضدها.
وعليه، فلا يمكن استبعاد أن تحاول واشنطن من الآن فصاعدا تنشيط شريحة النخبة التركية التي تشكك بضرورة أن تولّي البلاد وجهها شطر روسيا.
الخبير السياسي التركي يوسف تشينار المدير العام لشركة Strategic Outlook، رجح في إطار هذا الطرح، أن تسير الأحزاب المعارضة في اتجاه التشكيك بضرورة التحالف مع روسيا، وتستغل حملة التطهير التي طالت آلاف العاملين في جهاز الدولة للنيل من أردوغان، الأمر الذي يحمل على اقتراب تركيا حقا من أزمة قد تثقلها، رغم الجهود التي يبذلها الرئيس التركي لترسيخ سلطته في أعقاب الانقلاب.
regnum.ru