افراسيانت - علي حسون - يكثر الحديث منذ خمس سنوات، بوتيرة تنخفض حيناً وترتفع أحياناً، عن خطط لتقسيم سوريا، تختلف تفاصيلها وحيثياتها بين جهة وأخرى.
ويرتبط الحديث عن التقسيم بالاحتدام السياسي والعسكري الميداني الراهن، الذي يفتح الباب أمام كل الاحتمالات.
ورغم أن سوريا شهدت في فترات سابقة احتدامات سياسية أمنية، تكررت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وكانت الأخيرة أشدها عنفاً ودموية، فإن كل تلك الأزمات لم تطرح فكرة تقسيم سوريا. ومع نهاية كل مرحلة من الاحتدامات السابقة، كان السوريون يتجاوزون ما حصل، ويواصلون حياتهم العامة في إطار وحدتهم الكيانية السياسية.
غير أن العوامل الداخلية ليست الوحيدة في التأثير على الدفع نحو تقسيم سوريا. ذلك أن هناك عوامل خارجية إقليمية ودولية ذات تأثير مماثل، إن لم يكن أكثر، تدفع بهذا الاتجاه عبر سيناريوهات يتم تسريبها من هنا وهناك.
وآخر ما رشح في هذا الموضوع، ما كشفه معهد "راند كوربوريشين" الأميركي للأبحاث عن خطة أميركية لتقسيم سوريا في تقرير دعا فيه إلى تقسيمها على قاعدة الأراضي المُسيطَر عليها حالياً بين الحكومة السورية وباقي الجماعات المسلحة. كما دعا التقرير إلى قيام نظام لامركزي في سوريا مع وجود قوات قبعات زرق من قبل الأمم المتحدة مؤلفة من أميركا وحلفائها.
وتقول الخطة إن المنطقة الغربية من البلد تبقى مع الدولة السورية، بينما تخضع المناطق الشرقية والواقعة بالقرب من الحدود العراقية لسيطرة قوات دولية لحفظ السلام، تقودها أميركا وحلفاؤها.
بحسب الخطة الموضوعة لهذا التقسيم المسمى "خطة السلام"، فإن الهدف الأساس منه هو قطع التواصل بين إيران ولبنان، وبالتالي عزل "حزب الله" وإضعافه.
التقرير، الذي قدَّم أربع وجهات نظر لتقسيم سوريا إدارياً، أكد الحاجة إلى منطقتين فيدراليتين في الجزيرة وفي عفرين. كما قدَّم في المقترح الثالث حلاً يقضي بتوزيع التقسيم طائفياً وإثنياً بين "سنة وعلويين" وعرب وأكراد.
وهذه الخطة الأميركية التي نشرها معهد مقرب من وزارة الدفاع "البنتاغون" تترافق مع سيناريو آخر تم تسريبه عبر تقارير صحافية، تقول إن معركة منبج قد تكون حُسمت سياسياً قبل أن تحسم عسكرياً على الأرض، من خلال تفاهمات وضمانات أميركية: تركية متبادلة، تقلب المعايير الجيوستراتيجية في الشمال السوري.
وبحسب هذه التسريبات، التي أكدتها مصادر كردية وعربية، ونشرت تفاصيلها صحيفة "السفير" اللبنانية، فإن قائد القوات الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل قد قام بزيارتين إلى عين العرب (كوباني)، وغادرها إلى أنقرة للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وإبلاغه بالقرار الأميركي ببدء معركة منبج ، قبل أن يعود في اليوم التالي، في 22 أيار/مايو، لإطلاع شركائه الأكراد على خطة العمل التي تم الاتفاق عليها.
وقالت مصادر كردية في الشمال السوري إن الأمريكيين نظموا اجتماعاً في قاعدة إنجيرليك الجوية التركية بين قادة من الوحدات الكردية، وبين مسؤولين أتراك، لإطلاعهم على تركيبة القوات المشاركة في الهجوم على منبج، وأسماء قادة الألوية العربية التي ستهاجم المدينة. وترافق الاجتماع مع رعاية أميركية لاتفاق كردي-تركي، قضى بنقل الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من سجنه الانفرادي في جزيرة إيمرلي إلى إقامة إجبارية، تسمح له بلقاء شخصيات كردية مقربة من "حزب العمال الكردستاني" وفتح قنوات الحوار مع أنقرة، واستعادة المفاوضات في الملف الكردي مجدداً.
وتقول المصادر إن الأتراك طلبوا من "حزب العمال الكردستاني" وقف العمليات جنوب شرق تركيا وحول ديار بكر، مقابل موافقتهم على دخول قوات كردية إلى منبج وغرب الفرات.
ويبدو أن الأتراك، بحسب التسريبات، قد لا يعترضون على نشوء كيان كردي-سوري على حدودهم الجنوبية، رغم كل ما يقوله أردوغان. ولم يعد مسلماً به أن الأكراد يشكلون خطراً لا يمكن للأتراك التعايش معه أو احتواؤه؛ إذ استطاع الأتراك التعايش مع كردستان العراق بعد طول ممانعة.
ورغم أن الخريطة النهائية للكيان الكردي لم تكتمل، فإن الكيان الوليد قد يصل إلى شاطئ المتوسط؛ وهو ما تشير إليه خرائط تنتشر على جدران مراكز "قوات سوريا الديمقراطية"!.
ورغم تضارب التصريحات الكردية حول حقيقة التوجه إلى إعلان الانفصال بين من يؤكده، ومن ينفيه، فإنه لا يمكن على ما يبدو الركون إلى التطمينات. ذلك أن تجربةً سابقة للأكراد في شمال العراق مرت بنفس الفصول وأصبحت اليوم أمراً واقعاً. إذاً، يلوح في أفق الأزمة السورية أكثر من سيناريو تقسيمي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميين.
وبعيداً عن كل أحاديث التقسيم وسيناريوهاتها المحتملة، ثمة سؤال يطرحه السوريون مع كل تسريب جديد عن التقسيم: هل هناك إمكان لإقليم سوري ما أن يعيش لوحده كدولة؟
هناك من يقول إن موقع سوريا وتموضعها في قلب الشرق الأوسط القديم والجديد يجعل من المستحيل تحقيق التقسيم فيها، ويستدل هؤلاء على ذلك بفشل محاولات تقسيمها إلى أربع دويلات صغيرة على يد الاحتلال الفرنسي سابقاً.
وفي المقابل، هناك من يتخوف من التقسيم، وخاصةً بوجود قوى خارجية جاهزة دائماً لاستغلال حالة الضعف والتمزق التي تعتري البلاد، محذرين من أن تذهب الحالة السورية إلى رسم خطوط خضراء وحمراء عميقة بين المكونات، قد تتحول لاحقا إلى أشكال إدارية وسياسية، لا تكون بعيدة عن التفكك والكيانات المستقلة بصيغة الأمر الواقع أو صيغ يفرضها المجتمع الدولي والإقليمي المجاور.